استقبل أطفال الأحساء قطرات المطر فجر أمس بالأهازيج، وهم يضعون على رؤوسهم "الخيش" ليقيهم البلل. وفضل آخرون الحصول على حمام بارد في صورة عفوية. بيد أن فرحة الأطفال بالمطر لم تمتد إلى أسر فقيرة، يمثل لها الغيث"كابوساً مخيفاً"يهدد مساكنهم الطينية أو الآيلة للسقوط، بجدرانها المكونة من صفائح حديدية، تردد صدى المطر كما لو كانت غراباً ينعق في آذان ساكنيها. ولم يكن وصول أنباء الأمطار الغزيرة التي هطلت على الدمام، مصحوبة بالرعد والبرق، إلا لحظة خوف بالنسبة لهؤلاء، الذين باتوا يرصدون المناخ الجوي في قلق أشبه بالرعب، وعندما قارب الليل على الانتصاف هبت رياح باردة قوية، مصحوبة بومضات وغيوم داكنة، جعلت قلوب المترقبين وجلة خائفة من الساعات المقبلة، وكأنها الرياح التي تسبق العاصفة. وعلى رغم ان الجمعيات الخيرية تقدم معونات لهذه الأسر قبل حلول فصل الشتاء، لكنها لا تقيهم معاناتهم السنوية، فهي تقتصر على الملابس وأدوات تدفئة ومواد غذائية. ونقل أحمد عبد الإله معاناة جاره، الذي يمثل له هذا المناخ"الرعب والكآبة". ويقول:"يسكن جاري، وهو رب أسرة فقيرة، مع أبنائه الأربعة وبناته الثلاث وزوجته، في بيتٍ عربي عادي، إلا أنهم في فصل الشتاء العام الماضي، وجدوا أنفسهم يسبحون في مياه الإمطار، ما سبب لهم أمراض الأنفلونزا والإرهاق البدني المضني". وقبل دخول فصل الشتاء هذا العام تدارك جار عبد الإله نفسه، في محاولة لتقليل الضرر، واشترى مادة"القار"السائلة، ليسد بها ثقوباً وشقوقاً في الأسقف، إلا أن ذلك لم يكفِ، لأن منزله آيل للسقوط، ولا يمكن أن يحتمل عاصفة مطرية، من المتوقع أن تحدث أضراراً. ويتذكر محمد سعدون ما حدث لبيته العام الماضي، قبل أن يمد المحسنون له يد العون، حين انهار سقف دورة المياه على طفليه وأمهما، وتداعى سقف الصالة إلى الانهيار. ويقول:"عشنا حال غربة، على رغم أننا وسط منزلنا، لكن جفوننا لم تعرف طعم النوم، فالخوف يسيطر علينا، ويرصدنا أينما جلسنا، وما إن نرى غيمة سوداء حتى تقشعر أبداننا ونتوقع الكارثة، على غرار ما وقع العام الماضي". ويضيف أن ليلة اشتداد المطر لا يمكن أن يغمض له جفن خوفاً من أن تقع كارثة على رؤوس عائلته، فيكون كالحارس الخائف على قطيعه من افتراس الذئاب. ويقول:"كنا نجتمع في الغرفة الوحيدة التي بها ثقوب وشقوق قليلة مقارنة مع الغرف الأخرى، ولا نستطيع الحصول على بعض السكينة من أصوات أواني المطبخ التي نجمع فيها قطرات المطر المتساقط من السقف، حتى لا نبلل الغرفة وسرعان ما تمتلئ الأواني ونضطر إلى سكبها، وكأننا في مركب مثقوب ونخاف على أنفسنا من الغرق". وتتواصل معاناة بيوت الصفيح، فأصحابها يحرمون من النوم أثناء هطول المطر، فصوت نقر المطر على حديد أسقفها وصفير الرياح العاتية يتحول إلى حفلة صاخبة، تجعل من الهدوء أمراً مستحيلاً، فضلاً عن المخاوف التي تحيط باحتمال تطاير الجدران الحديدية أو الأسقف الخشبية، واحتمال دخول الماء من دون استئذان قد يصبح حتمياً. وتسكن عائلة عدنان شريدة في مزرعة يعمل بها، بعد أن عجز عن توفير أجرة منزل كان يسكنه، إلا أنه اشترى منزلاً آخر صغيراً جداً، ولكنه يحتاج لصيانة مستعجلة، فاضطر هو وأسرته للانتقال موقتاً للمزرعة، لكن الأمر تعدى الشهرين المتوقعين للصيانة والترميم، ما زاد مخاوف هذه الأسرة من تحمل أعباء الطقس المتقلبة. وما ان سقط المطر حتى عاشت العائلة كابوساً، وأصبحوا كأنهم بلا مأوى فهم يلوذون ببعضهم، لتوفير الدفء، أو بحثاً عن الأمان. وتعد عائلة شريدة واحدة من مجموعة عوائل تسكن المزارع والبساتين، بسبب الحاجة الماسة للمسكن، ليقعوا ضحية الأجواء المناخية، التي لا تقدر الظروف، ولا تعرف المستويات المعيشية.