ل "النفط" بفتح النون أو كسرها أيهما أصح تداولاً أو لغة، رنين ووقع مميز في النفوس، واقترن بالمعادن وثروات الأرض فوصف بالذهب الأسود، وبات العنصر الرئيس في الطاقة والحصول عليه بأي ثمن هدفاً للبقاء، فهو روح المدنيات والحضارات، وما جعله أخيراً لغة عالمية يفهم أبجدياتها الجميع إن ثراء أو احتياجاً. في عصر"طاقة النفط"، هناك حقائق أساسية في مقدمها: أن النفط ثروة طبيعية غير متجددة وناضبة، وهو طاقة نظيفة رخيصة، وأخيراً عنصر استقرار العالم حالياً، وهذه الأخيرة وبسبب تعقد جوانبها باتت هي الشغل الشاغل! وهكذا تحول النفط إلى"هاجس"يؤرق الحكومات والشعوب وهو في مكامنه في باطن الأرض مكتشف وحتى قبل اكتشافه، ومنتج خام وبعد تكريره وتصنيعه، وخلال تسويقه في جميع مراحله. وليس مبالغة القول إن"النفط"بصورته الحالية قسم العالم أجمع شعوباً وحكومات ودول إلى شطرين: هما"منتج"و"مستهلك"، وطوال التاريخ جمعهما وفرقهما أحياناً كثيرة حول منطق واحد، ففي الوقت الذي يرى المنتجون أنه ثروة ولا بد من استثماره لخدمتها كما تريد وتخطط لذلك، يرى المستهلكون أن ضمان حصولهم على مصدر هذه الطاقة واستمرار تدفقه إليهم قضية مصيرية لبقائهم ولا بد من تحقيقه بكل الوسائل وبكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. وفي يوم أفاق الجميع ووجدوا أن النفط لم يعد مصدراً رئيساً للطاقة فحسب، فكان لا بد من"الحوار"ثم"الحوار"و"الحوار"أخيراً، طالما أن الفريقين متمسكان بوجهتي نظرهما، ولم تعد"الاستراتيجيات"و"السياسات"التي تحكمها الظروف والأزمات هي الحل! "السعودية تدشن مقر مبنى الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في الرياض" عنوان "طيرته" وكالات الأنباء في 17 تشرين الثاني نوفمبر 2000، حينما أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مبادرته في حفلة افتتاح المنتدى السابع الذي استضافته الرياض حينها، ثم جددها في المنتدى الثامن في اليابان. ومنذ ذلك التاريخين، أصرت السعودية على المضي قدماً في المشروع على رغم محاولات"التشويش"على مبادرتها، للرد على الهمس والجدل الذي أحيط بتلك المبادرة، فكيف يتجرؤون على استضافة مقر بمثل هذا العنوان الضخم، أليسوا هم أكبر منتج، أليسوا هم أول من حاول تكريس مبدأ"النفط السياسي"؟ حينما وضعت تلك المقدمة السابقة، كنت فيها في"لحظة قاسية"متجرداً من هويتي السعودية, كنت فيها شخصاً ما في هذا العالم، لا يعلم عن السعوديين شيئاً سوى أنهم دولة ما على الخريطة يملكون آبار النفط، ويتردد اسمهم في وسائل الإعلام بأنهم يستطيعون قلب معادلة النفط في أي لحظة! وعاد حواري مع الهوية المتجردة، مرة أخرى: كيف يجرؤ هؤلاء على هذا الفعل؟ هل هم بالفعل حريصون على تكريس مفهوم"الحوار"بين المنتجين والمستهلكين؟ أم أنهم يحاولون تجميل واقعهم؟ ماذا يريدون بالضبط من استضافة مقر المنتدى؟ هل يدركون أنهم في ورطة كبرى؟ أم أن المنتدى"ضربة معلم"بالنسبة إليهم ؟ حسناً، هناك أصوات أخرى، تؤكد أن السعوديين قيادة وحكومة وشعباً"تقدميون"إلى أبعد الحدود، ويدركون تماماً أنهم جزء من هذا العالم ومسؤوليتهم، وهم لا يخافون من"العولمة"، جريئون جداً في مبادراتهم بجرأة ملكهم الحالي منذ أن كان ولياً للعهد، فهو ينظر بأهمية إلى استيعاب الحراك الداخلي والخارجي بحكمة وروية وبعد نظر ويؤمن بأهمية الحوار لرسم معالم المستقبل، فهو صاحب المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل، ومتبني فكرة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وأطلق أيضاً الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان واتبعها في العام نفسه بإنشاء أول هيئة للصحافيين السعوديين. وللسعودية دور أساس في سوق النفط، فهي أكبر منتج بطاقة تزيد على عشرة ملايين ونصف البرميل يومياً من الزيت الخام واحتياطي منه يبلغ 261.542 بليون برميل، بما يعادل 26 في المئة من الاحتياطي العالمي، واحتياطي من الغاز الطبيعي يبلغ 214.262 تريليون قدم مكعب، وتملك 87 حقلاً منها 13 للغاز. بهذه الأرقام أدرك السعوديون مسؤولياتهم باكراً، وأنهم بجوار آخرين مثلهم، بمثابة"صمام الأمان"في الأزمات، وسياستها النفطية المعلنة أن المزيد من الاستقرار في سوق النفط العالمية سيكون في مصلحة كل من الدول المنتجة والمستهلكة، وأن العمل يجب أن يكون بضمان استقرار سوق الطاقة في جميع الأوقات واتخاذ الخطوات اللازمة لذلك، إضافة إلى أهمية المحافظة على الاتصالات الوثيقة بين الدول المنتجة والمستهلكة. وهنا يمكن القول، إن السعودية ومن خلال استضافتها مقر الأمانة أمام مفترق طريق، إذ انها يجب أن تستثمر فيه كل قواها وإمكاناتها لدعم"الحوار"و"الشفافية"، خصوصاً أن حضور المنتديات السابقة، سجل تصاعداً"كماً و"كيفاً"من ناحية عدد المشاركين ومستوياتهم وأهميتهم، فهم يمثلون أعلى قمة في الهرم القيادي في قطاع الطاقة لدولهم. أساس الحوار منتدى الطاقة عبارة عن تجمع بدأ في العام 1991 في باريس، لغرض غير ربحي، وهو منتدى لا يملك سلطة اتخاذ قرارات وإنما يقتصر دوره على تقريب وجهات النظر بين الدول المنتجة للطاقة والأخرى المستهلكة لها، بما يحافظ على توازن الأسعار واستقرارها، بالتالي تحقيق النمو المتوازن في شتى أنحاء العالم. وعلى رغم تعدد أجندة المنتدى طوال دوراته السابقة، إلا أن"سعر البرميل"كان العنوان الرئيس، فأسعار النفط مترفعة منذ العام 2004 وواصلت ارتفاعها في العام الحالي، حتى بلغ سعر البرميل الأعلى من منذ أكثر من 40 عاماً، ما سبب قلقاً في الدول المستوردة للنفط حول الآثار الاقتصادية لارتفاع كلفة الطاقة. ويؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع كلفة الإنتاج والنقل وبالتالي ارتفاع المستوى العام للأسعار، والحد من نسبة النمو الاقتصادي، وكلها أمور تحد من شعبية الحكومات وتسهم في زيادة معدلات التضخم. هذا بالنسبة إلى الدول المستوردة للنفط، أما الدول المصدرة للنفط، فتعاني من انقسام في صفوفها، فالسعودية تقود وبتأييد خليجي من دول منظمة الدول المصدرة للنفط رفع سقف الإنتاج لخفض الأسعار، وعلى الجانب الآخر تعارض دول مثل فنزويلا مثل هذا الإجراء التي ترى انه لمصلحة الدول المستهلكة الكبيرة، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، وفي وسط الخلاف الدائر بين الدول المصدرة للنفط حول السعر الأنسب له. وفي شكل عام، هناك ستة عوامل رئيسة تلعب دوراً في أسعار النفط، وهي: نمو الطلب، وانخفاض المخزون، واستراتيجية"أوبك"، وموقف المضاربين، والتغيرات السياسية، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وانخفاض قدرات المصافي. وهذا الأخير أسهم منذ مطلع العام الحالي، في تعميق المشكلة. بالنسبة إلى ازدياد الطلب، أسهم توسع الاقتصاد العالمي في حدوث ما أسمته منظمة الطاقة الدولية أكبر زيادة في الطلب على النفط منذ 20 عاماً، إذ أدى النمو السريع في الاقتصاد الصيني إلى زيادة الطلب على النفط بنسبة 20 في المئة منذ العام 2003. ويتوقع أن يستمر الاقتصاد الصيني في النمو بمعدلات سريعة خلال الأعوام المقبلة. وبشكل خاص ازداد الطلب في الولاياتالمتحدة بعد تعافي اقتصاد البلاد، وهناك حاجة إلى نفط يمكن تكريره واستخراج البنزين منه من أجل سيارات الدفع الرباعي المنتشرة في الولاياتالمتحدة. وحول انخفاض المخزون، فإن شركات النفط حاولت أن تصبح أكثر فاعلية في السنوات الأخيرة، وأن تعمل بأقل مخزون من النفط الخام. ويعني هذا عدم وجود فائض في السوق يغطي المشكلات الطارئة مثل الإضرابات أو نقص الإنتاج. كما أن أحداثاً مثل العنف في منطقة الشرق الأوسط والتوترات العرقية في نيجيريا والإضرابات في فنزويلا أثرت بشكل كبير. وفي الجانب الآخر، تسهم الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط"أوبك"بنصف صادرات العالم تقريباً من النفط الخام، وتحاول المنظمة الحفاظ على سعر النفط عن طريق رفع أو خفض سقف الإنتاج الذي تحدده لكل دولة. وكان الوزراء في السابق ينتظرون أن تنخفض أسعار النفط قبل أن يقرروا خفض الإنتاج، لكن المنظمة باتت الآن تعلن نيتها خفض الإنتاج استباقاً لانخفاض الأسعار. كما كانت شركات النفط العالمية عادة ما تلجأ لزيادة مخزونها من النفط خلال الأوقات التي يضعف فيها الطلب على النفط، لكن ذلك لم يعد يتم الآن. ويقول المحللون إن أخطاء في المعلومات ربما تكون أسهمت في ارتفاع أسعار النفط، إذ تبين أن توقعات الاستهلاك كانت مخطئة، ما تسبب في منع الشركات من إعادة بناء مخزونها. ويمكن للسعودية فقط، من بين الدول المصدرة للنفط، أن تسد النقص في المعروض من النفط. ونتيجة لانخفاض مخزون الشركات من جهة، وسياسة أوبك من جهة أخرى، توقع المضاربون في الأسواق احتمال ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ، وأدت هذه التوقعات إلى مضاربات أسهمت في ارتفاع سعر النفط. وما زلت الدول الكبرى تعتمد على دول الشرق الأوسط في الحصول على حصة مهمة من وارداتها النفطية، وتسببت أحداث العنف الأخيرة في العراق والسعودية في زيادة المخاوف من انخفاض إمدادات النفط الواردة منها. وكانت صادرات النفط العراقية تراجعت بسبب الهجمات على المنشآت النفطية. وعلى رغم أن النقص في الصادرات العراقية لم يكن كبيراً، إلا أنه ألقى بظلال من الشك حول مستقبل العراق كأحد أكبر المصدرين للنفط في العالم. ويقول المحللون إن التوتر السياسي في الدول الأخرى خارج الشرق الأوسط، مثل: فنزويلاونيجيريا تمثل سبباً آخر في زيادة أسعار النفط العالمية. وأخيراً أسهم انخفاض المخزون الأميركي من البنزين والضغط على المصافي الأميركية من أجل زيادة إنتاجها من البنزين في ارتفاع أسعار النفط الخام. وتنص قوانين البيئة على إنتاج أنواع أفضل من البنزين، ويمكن أن تختلف من ولاية إلى أخرى. لكن تكاليف بناء منشآت تكرير تناسب كل ولاية أمر مكلف إضافة إلى أن المخاوف البيئية يمكن أن تصعب من أمر الحصول على إذن بالبناء. وانعكس ذلك أخيراً على إحداث فجوة بين ما تنتجه مصافي التكرير في الولاياتالمتحدة وبين الطلب. ويتوقع المحللون أن تزداد الأزمة. عودة التوقعات وتقدر منظمة أوبك في آخر تقرير لها صدر يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، أن احتياج العالم لنفطها سيزيد هذا الشتاء وفي العام المقبل، إذ فشل ارتفاع الأسعار في إبطاء النمو الاقتصادي العالمي. ورفعت منظمة أوبك توقعاتها للطلب العالمي على النفط في العام المقبل، وقالت أيضاً:"إن الطلب على نفطها في الربع الأخير من العام الحالي سيزيد على التوقعات السابقة. وقالت المنظمة في تقريرها الشهري النمو:"إن الطلب على نفطها في الربع الأخير من العام الحالي يزيد على 276 ألف برميل يومياً عن تقديراتها السابقة، وانه يزيد على إنتاجها الحالي البالغ 30 مليون برميل يومياً. ومن المقرر أن تعقد"أوبك"اجتماعها التالي في 12 كانون الأول ديسمبر في الكويت لبحث السياسة الإنتاجية. وبحسب التقرير، يقترب إنتاج أعضاء المنظمة من الطاقة القصوى من أشهر، في إطار المساعي الرامية لزيادة المخزونات الاحتياطية، للحيلولة دون حدوث أزمة وقود أو ارتفاع الأسعار خلال فصل الشتاء. وتؤكد"أوبك"أنه من المتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط في العام المقبل بمقدار 1.52 مليون برميل في اليوم، أي بنسبة 1.8 في المئة بما يمثل 50 ألف برميل يومياً زيادة على تقديرها في الشهر السابق، ليصل إجمالي الطلب إلى 84.8 مليون برميل في اليوم. وأوضحت توقعات أوبك أن الطلب العالمي هذا العام سيزيد بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً إلى 83.3 مليون برميل في اليوم، وذلك من دون تغيير عن تقدير الشهر السابق. وقال التقرير:"إن هذه الأرقام الأعلى تدعمها بيانات نمو مبدئي قوية من دول نامية وتوقعات أكثر إشراقاً للاقتصاد العالمي، خصوصاً بالنسبة للولايات المتحدة ودول المحيط الهادي الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وانتعاش الطلب في الصين." وخفض التقرير توقعاتها للإمدادات من الدول غير الأعضاء فيها مثل روسياوالمكسيك والنرويج في الربعين الثالث والأخير من العام الحالي بمقدار 194 ألف و191 ألف برميل يومياً على الترتيب. ومن المتوقع أن تصل الإمدادات من خارج"أوبك"في العام المقبل إلى 51.61 مليون برميل يومياً بزيادة 1.4 مليون برميل يومياً عنها في 2005. وكان وزراء"أوبك"في اجتماعهم الأخير في أيلول سبتمبر الماضي، اتفقوا على إتاحة الكميات الإضافية التي يمكن للمنظمة إنتاجها ومعظمها من السعودية للبيع في الأسواق، إذا ظهر طلب إضافي، يبرر ذلك خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي، لكن لم يطلب أحد شراء هذه الكميات. وتنفي"أوبك"وجود ضغوط أميركية عليا لدفعها إلى زيادة الإنتاج بهدف خفض أسعار النفط في الأسواق العالمية، مؤكدة أن"الحوار هو الوسيلة الحضارية المثلى بين المستهلكين والمنتجين"، حتى ان وزير الطاقة الأميركي صموئيل بودمان أعلن عن قناعته أخيراً بأن الأسعار لا تحددها المنظمة الدولية، وإنما السوق هي التي تفعل ذلك". على أنه أكد ثقته أن"أوبك"ستقرر خلال قمتها التي تعقدها الشهر المقبل في الكويت توفير إمدادات"كافية"من النفط للأسواق العالمية. "صوت أوبك"السعودي تمثل منظمة الدول المصدرة للنفط"أوبك"تجمعاً أنشئ بغرض ضمان حقوق الدول المنتجة في صناعة النفط التي كانت تخضع وقتها للاحتكارات العالمية. والسياسة المعلنة حالياً للمنظمة التي تضم 11 دولة هو إبقاء أسعار خام النفط في نطاق يتراوح بين 30 دولاراً و35 دولاراً للبرميل. ولكي يتحقق ذلك، تتحكم الدول في كمية النفط الخام التي تصدرها وتتجنب إغراق أو التضييق على السوق الدولية. وأنشئت"أوبك"في بغداد عام 1960، وتشكل صادرات أعضائها ما يزيد على نصف صادرات العالم من الخام. لكن موازنة سوق النفط ليست من السهولة بمكان، وهو ما بدا واضحاً في موجات الارتفاع الحاد في الأسعار منذ إنشائها وحتى الآن. وأحد أسباب ذلك هو أن أعضاء"أوبك"كثيراً لا تتفق مصالحهم بالضرورة، وغالباً ما يصعب التوصل إلى إجماع على سياسة المنظمة. وترى الدول ذات احتياطات النفط الصغيرة نسبياً أو الدول ذات التعداد السكاني الكبير والموارد القليلة، مثل إيرانونيجيريا، أنها"صقور"تضغط نحو رفع الأسعار. وفي المقابل فإن دولاً منتجة مثل السعودية والكويت، التي تمتلك احتياطات هائلة مع قلة تعداد سكانها، تخشى أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تعجيل التغيير التكنولوجي وإلى تطوير ترسبات جديدة، تقلل من قيمة النفط في أراضيهم. وعادة ما تركز الولاياتالمتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، على الكويت والمملكة العربية السعودية، عندما تحاول حث"أوبك"على رفع أو تثبيت الإنتاج لضمان استقرار الأسعار. كما أن الحاجة للحفاظ على علاقات طيبة مع الدول الأعضاء الأخرى ومع الولاياتالمتحدة والدول المستهلكة الأخرى عادة ما تكون جزءاً من المعادلة. كما أن هناك خلافات مستمرة بشأن ما إذا كانت الدول الأعضاء تلتزم بالفعل بحصصها المتفق عليها. ما يحدث حالياً أن الغرب يصور"أوبك"على أنها اتحاد منتجين يتسم بالجشع وغير جدير بالثقة، وأنها تحاول التلاعب في سعر النفط، وهو تصور خاطئ، خصوصاً أن ما تسمى"بالدول الغنية بالنفط"ذات موارد محدودة، ويشكل النفط المورد الأساس لموازناتها، ما يعني أنه عرضة لتذبذب أسعار النفط العالمية، فعندما هوى سعر برميل النفط في عام 1998 إلى عشرة دولارات تضررت اقتصاديات هذه الدول بشدة. ويقول توني سكانلان من المعهد البريطاني لاقتصاديات الطاقة:"في الولاياتالمتحدة ينظر إلى هذه المنظمة على أنها تكتل احتكاري، ولذا فهي شيء يتعين القضاء عليه وهي ليست طريقة مفيدة في التفكير بشأنها." وأضاف"الشيء الوحيد الذي تشترك في جميع دول المنظمة هو اعتمادهم المطلق على منتج واحد وهو النفط."ويرى أن دول أوبك لا يمكنها تحمل معاملة النفط"كمجرد سلعة أخرى". ويقول:"عندما يهبط سعر النفط يحدث ذلك ضرراً حقيقياً. على تلك الدول أن تطعم وتوفر الرفاهية لشعوبها، كما هي الحال في الدول الغربية". ويعود جزء من انعدام ثقة دول العالم الصناعية ب"أوبك"إلى أزمة النفط في عام 1973 التي أحدثت أزمة في الاقتصاد العالمي. كما أشارت أصابع اللوم الغربية إلى"أوبك"حينما ارتفعت أسعار النفط بشدة في النصف الثاني من عام 2000، ما أثار احتجاجات بشأن أسعار الوقود في غالبية دول أوروبا. وفي العام الحالي أصبحت"أوبك"مرة أخرى محل تمحيص دقيق بعد أن بلغ سعر النفط في الولاياتالمتحدة مستويات قياسية مدفوعاً بارتفاع الطلب والمخاوف من أن تؤدي الاضطرابات في العراق والتشدد المسلح الذي يروّج له تنظيم القاعدة إلى تعطيل الإمدادات من الشرق الأوسط. لكن الغرب بدأ يتنبه تدريجياً إلى حقيقة أن"أوبك"كانت تحاول في الأعوام الأخيرة ضمان استقرار السوق من خلال آلية لإبقاء سعر النفط في نطاق محدد، كما أن الدول المستهلكة أصبحت أيضاً أقل اعتماداً على"أوبك"في الحصول على النفط بعد دخول مصادر أخرى إلى السوق وخصوصاً روسيا. تقلبات وتداعيات في أسعار النفط! للتقلبات الكبيرة في سعر النفط تداعيات ملحوظة على أرجاء العالم المختلفة، لكن ما الذي يغير الأسعار وكيف تعمل أسواق النفط؟ المعروف أن كبريات أسواق النفط في العالم في لندنونيويورك وسنغافورة، لكن النفط الخام والمنتجات المكررة، مثل الجازولين وزيت التدفئة، تباع وتشترى في كل أنحاء العالم. وللنفط الخام أنواع وخواص مختلفة تتوقف على وزنه النوعي ومحتواه من الكبريت وهما عاملان يختلفان باختلاف موقع استخراجه. وفي حال عدم تقديم معلومات أخرى، فإن سعر النفط الذي يظهر في وسائل الإعلام في المملكة المتحدة وغيرها من الدول الغربية يشير على الأرجح إلى سعر البرميل من خام برنت المستخرج من بحر الشمال الذي يباع في بورصة النفط الدولية في لندن. وهناك ما يسمى"العقود الآجلة"، ويتم ذلك عادة في صورة عقود آجلة تسلم في الشهر التالي، وفي مثل هذا النوع من المعاملات يتفق المشتري على تسلم الشحنة، ويوافق البائع على توفير كمية محددة من النفط بشكل متفق عليه مسبقاً في موقع معين. ولا يتم تداول العقود الآجلة إلا من خلال معاملات مالية منظمة تسدد يومياً بناءً على قيمتها الحالية في السوق، والحد الأدنى للشراء هو ألف برميل. أما المعيار العالمي، ولأنه توجد أصناف ودرجات مختلفة من النفط الخام، فقد وجد البائعون والمشترون أن من الأسهل الإشارة إلى عدد محدود من خامات النفط وجعلها معياراً. أما الأصناف الأخرى فيتحدد سعرها بعد ذلك إما بحسم وإما بزيادة بحسب جودتها. ويقبل خام برنت بوجه عام على أنه المعيار العالمي على رغم أن كمية المباع منه تقل بكثير عن بعض خامات السعودية - على سبيل المثال -. وبحسب بورصة النفط الدولية، فإن خام برنت يستخدم لتسعير التعاملات في ثلثي إمدادات النفط الخام في العالم. وفي منطقة الخليج العربي يستخدم خام دبي معياراً لتسعير مبيعات خامات المنطقة الأخرى المباعة لدول آسيا. ويعود ذلك إلى أن خام دبي أحد خامات قليلة يتسنى التعامل فيها من خلال تعامل فوري واحد مقارنة مع العقود طويلة الأجل لخامات الخليج الأخرى، لكن إذا أصبحت الإمدادات محدودة للغاية وأصبح تأرجح الأسعار مبالغا فيه فإنه سيتعين الاتفاق على معيار آخر. أما المعيار الأمريكي، فإن المعيار في الولاياتالمتحدة هو خام وسط تكساس المتوسط، ويعني ذلك أن مبيعات النفط الخام إلى الولاياتالمتحدة تسعر عادة بالمقارنة مع خام وسط تكساس المتوسط. لكن أسعار الخام في بورصة نيويورك عادة ما يشار إليها بخام"الخفيف أو الحلو"، وقد يشير ذلك إلى أي من خامات محلية عدة أمريكية أو أجنبية، لكن الوزن النوعي ونسبة الكبريت فيها تقع في نطاق معين. ويعرف الخام"الحلو"بأن نسبة الكبريت فيه تقل عن 0.5 في المئة، أما الخام الذي يحتوي على أكثر من 0.5 في المئة من الكبريت فيشار إليه بأنه"حامض". وأخيراً، فإن منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك لها نظامها الخاص، وما يعرف ب"سلة خامات أوبك"، وهي متوسط سبعة خامات محددة من النفط. وينتج أعضاء"أوبك"ستة من هذه الخامات فيما تنتج المكسيك الخام السابع وهو إيستموس المكسيكي. وتهدف السياسة الحالية ل"أوبك"إلى التحكم في كمية النفط الذي تضخه في السوق بحيث يستقر سعر سلتها في نطاق 22 و28 دولاراً للبرميل. وفي الواقع، فإن فروق السعر بين خامات برنت ووسط تكساس الخفيف وسلة"أوبك"ليست كبيرة، كما أن أسعار خامات النفط مرتبطة ببعضها بعضاً.