قال الشاعر عبدالله ثابت في إضاءة لكتابه "نوباته" الصادر أخيراً من المؤسسة العربية للدراسات والنشر، إنها عبارة عن مجموعة نصوص لا تحتفل بمشروعه الشعري، مقدار ما تعبر عن تجريب آخر، وسير في مناطق مجهولة شعرياً:"كانت اللحظة التي انبجست فيها هذه النوبات وخّازةً جداً، كأنما هي أزمات نبضٍ، لا يروق لها إلا أن تختار هدأة القلب، ثم تضربه في صميمه، لتعلن عن نفسها أخيراً، أنها النص الذي جاء خرقاً للاصطفاف من دون عمد... فلقد أعلنت النوبات عن عصابها عفواً، وانسدلت بين دفتي كتابٍ عفواً، ونشرت كما تخلّقت عن المؤسسة العربية... أيضاً عفواً! ويضيف قائلاً، حول السؤال عما إذا كانت النوبات هي الخطوة التالية للكتاب الأول"أل...هتك"، أم إنها تنويعٌ عليه، أم إنها من جسدٍ ليس للتخمين، إنها ليست كل ذلك، على الأقل بالنسبة إليه، ولا يعرف حقاً ما يقوله عنها سوى أنها زفرها باتجاه الفضاء الرحب، لكنه الفضاء الذي يعلو أرضيته وحده: ما افترّ فمي بها لأطوق إحدى زجاجات التصنيف الفارغة بشفتيّ ثم أودعها إياها، موقناً أن الآخرين لا ينزعون إلى تحديد شيءٍ إلا ليحيطوه بهم، ثم ليكون إذ ذاك رهن نبلهم أو نبالهم، وهذه أبداً هي الأنفس المشروطة، لكن إيماناً عميقاً ينفخه الفنّ الحقيقي في صدر العالم أبداً، أن الدهشة التي توقظ الحياة من سبات الأكاذيب والدجل تكون هناك دوماً، حيث لا يعبأ بمكانها ولا بحامل مشكاتها من أحد، ولعلّي اختطت هذا اللا اكتراث رصيفاً حميماً، وخلاصاً أخيراً، ودربت خلاياي عليه كما يجب، مزيحاً فكرتي الخيبة والنصر عن جبيني، ومعرضاً عن الهدي والهداية وحلم الغائب المنتظر والمريدين، بل مشدوهاً بما تقتضيه الرئتان من هواء الحياة الجميلة فحسب، نازعاً لتلقائية الفن... والفنّ، في الاعتبار الأوليّ مشروعٌ أصممه بأوسع ما أطيقه من المعرفة والتأمل، وكل ما أنتجه إثر ذلك يقف عليه، فما في الأمر من هذه الزاوية شيءٌ من صرفية العبث.. لقد اهتديت إلى أرضي الخاصة، إلى الطينة التي تكونت منها، وفي مساحتها أتجوّل دونما قانون... في مساحتها فحسب، لكنني أخيراً سأمشيها كلها، وأخيراً سيمتثل على تفاصيلها كلّي واقفاً بشرفٍ... بيقيني حتى القيامة!... إذن، وارتداداً إلى الرحم الذي استوت على جمرات دمه النوبات، فالكتابة عندي وجهٌ مضطربٌ للغضب، ذاك الغضب الذي لا يمور من مجرد الانفعال فحسب، بل ذاك الذي تتأفف في جوفه الفكرة مرةً وتجوس في أحشائه مخمورةً مرةً أخرى، ليندلق من الروح غضبٌ يتلف العصب، ثم ينفلت العصب إلى إشارات اللغة، وتسيح اللغة أخيراً إلى مكانته في هذه التخطيطات العصابية الصغيرة... النوبات، وهذه هي قصتها!...أما ما أريد أن أقوله في النوبات، فهو ذاك الذي وقعت به ظهر الكتاب".