على رغم البيئة المحافظة في السعودية، والتقاليد الاجتماعية الصارمة التي تمنع الفتاة من التنقل والسفر أو العيش بمنأى عن الأهل، إلا أن ذلك لم يمنع الطالبات المقيمات في السكن الجامعي من معايشة الغربة، حتى الانتهاء من الدراسة الجامعية. ولا تخفي ابتسام محمد طالبة في كلية العلوم الطبية ازدياد شوقها إلى أهلها في شهر رمضان، إلا أن التفاف زميلاتها يخفف عنها الغربة على رغم اختلاف الثقافات الإقليمية بينهن، تقول:"الغربة مرة، وبعدنا من أهلنا يجبرنا على الاعتماد على النفس، هنا في السكن أخالط بنات لهن عادات وطباع تختلف عما ألفته، ولكن بعد ذلك بدأت أعتاد على الزميلات في السكن، وأصبحت من تقاسمني الغرفة صديقة مقربة لي". وتضيف ابتسام"تركت أهلي وأنا متوقعة كل الصعوبات التي يمكن ان أتعرض لها، وما لي إلا الصبر، لأن هدفي هو تحصيل العلم". أما طالبة الحاسب الآلي هدى العتيبي 21 عاماً فتؤكد تأثرها في بداية تجربتها بالعيش في سكن الطالبات:"كنت أعتقد أن الغربة سهلة وممتعة، ولكنني صدمت، كانت الأيام الأولى صعبة، وكنت حساسة لأبسط المواقف التي تواجهني، فالإحساس بالغربة مر، ومع مرور الوقت بدأت أتأقلم وأصبح لي صديقات يشاركنني همومي وأفراحي، ونقضي الليل نتجاذب أطراف الحديث". وتتابع هدى حديثها بنبرة حزينة،"يحز في نفسي قضاء شهر الصوم بعيدة من أهلي، أنتظر نهاية كل أسبوع على أحر من الجمر للسفر ومشاركة أهلي فرحة الصوم". وتؤكد طالبة قسم علم الاجتماع منى عبدالعزيز أن مرارة الغربة جعلتها تفكر في العودة إلى أهلها:"الشوق للأهل بدأ يدفعني إلى التفكير في العودة وتأجيل الفصل الدراسي الحالي، خصوصاً أنني لا أحب قضاء شهر الصوم بعيدة من أسرتي وأقاربي". وتتابع:"حاولت التكيف مع الوضع الجديد في السكن مع زميلات لي، لكنني فشلت في ذلك، وسأعود في الفصل الثاني مع شقيقتي التي لم يتم قبولها في هذا الفصل لتخفف عني مرارة الغربة". وحول تأثير الغربة على تكوين شخصية الطالبة، أكدت اختصاصية علم النفس آرام إبراهيم أن هناك تأثيراً مزدوجاً سلبياً وإيجابياً للغربة في شخصية الفتاة السعودية، فبعد أن كانت منطوية ستصبح في غربتها مسؤولة عن حياتها، وستتعلم الكثير من المواقف التي تواجهها ما يؤدي إلى تغيير في جوانب شخصيتها. وتوضح الاختصاصية أن الخجل هو أول ما ستتخلص منه الفتاة بعد مخالطة من هم في سنها وتواصل معهم وتكوين صداقات، أما فراق الأهل فسيعود الفتاة على الصبر وتحمل المشاق.