وكأنه يبعث عندي سعادة غريبة غامضة سعادة أني إنسان. أهداني فكراً جديداً هو فكر الجبل العالي ودهاء النسر المتجول، حملني مسؤولية أن أربي أبنائي على مصادقة النسور، والتحرش بالجبال، واللعب مع الأفق، ومصاحبة النمور، فأنا مع الاتحاد أجد نفسي متمرداً على كل شيء حتى الموسيقى, عندما تتسلل إلى نفسي فكأنها هاربة من الوحدة وهي تنتزع الآهات من أعماق صوت مشجع اتحادي. أمّا إن تساءلت عن الاتحاد وقدرته على تقديم المزيد من الألق والأرق لقلت إن البحث في هذا الموضوع يشبه محاضرة في علم السلوك أو إبحار مع الفلسفة وأساطينها، لأن الاتحاد لا يمكن شرحه مجرداً كما لو كنا ندلل على لوحة تشكيلية أو فيلم سينمائي أو منحوتة حتى لو ذهبنا مع كل مذاهب الشرح والتحليل, فإننا سنقف بعد ذلك عاجزين عن شرح مقولة مؤداها" كيف تشكلت ذاتي الاتحادية"، ويكفي أن يفهم الناس أن اسمه مرادف للجمال والسحر والغبطة والحزن والسرور, وممزوج بالعسل والفولاذ والعقل والجنون, انه عالم مليء بالنعمة والنقمة والكمال والجمال والحب, وعشق التحدي ذلك هو الاتحاد الذي أراه دائماً يتألق أكثر وأكثر، ويتعمق أكثر وأكثر ويعطي للفراشة جمالها وإقدامها, ويعطي للأسد قوته وبطشه ومَلَكِيتُهُ, ويعطي للإنسان قلبه وعقله ومشاعره وعواطفه التي تلامس الوجدان وتسكن الشغاف يكفي أنني في أعماق الوجدان رأيتني أقرأ الاتحاد وأشربه وأتنفسه, وأمشي إلى مشارف وتخوم هذا العالم المتشعب المضيء الذي عاش فينا منذ طفولتنا وصبانا، كم من السنوات مرت علينا والاتحاد معنا صباح مساء في البيت والشارع والطرقات والقمم والسفوح والمنحدرات كان معنا، يمشي مع خطانا بين الأهل والأحبة وفي ديار الغربة والمحطات والموانئ، بل وفي رسائل الحب والحنين التي غالباً ما يأتي بين شعابها كلمة من كلماته, أو همس من مواويل شوقه. إنه الاتحاد ذلك الإيقاع الصامت الصاخب العاقل والجنوني، الراقص والثابت المتنافر المتجانس الذي يحفر الأرض, ويشعل الحرائق ويحرك الأشجان ويقلب المواجع ويسيل العبرات ويداوي الجراح, كنت أصغي ذات مساء إلى خبب خيول جامحة، زخات مطر وهجوم على غزلان هاربة، ثم شموع وليل دامس، من أين جاءت الغيوم ومتى سينتهي المطر وإلي أين تمضي تلك الخيول وهي تسابق نفسها إلى أين؟ لا أدري. لكنك تسمع كل هذا وقد تراه فعلاً إذا ما تكرر إصغاؤك إلى ذلك الأداء الممزوج بين إبداع الأقدام الاتحادية وتطريب جماهيره. كم هو رائع أنك في لحظة من العمر تكتشف أن الحياة لا تزال ممكنة في لجة الأخطاء الكبرى ذلك ببساطة, لأن الاتحاد رسالة حب من كوكب آخر. هو اللحن الذي غمرنا نشوة وطرباً حتى صارت الأرقام والأحرف أصغر من أن تصفه. هو الحماس الذي يتملك أولئك الذين يعيشون الحب والشعر والحياة, الاتحاد ليس اللون وليس الشعار وليس الاسم فقط, إنه مزيج لأمور شتى بدايتها في شارع الصحافة ونهايتها في قلوب محبي العميد في جدة أو خارج المدينة الساحلية. أبوعادل - شبكة الاتحاد