تشكل الشوارع العالمية المعروفة، ثقافة مستقلة، وروحاً داخل المجتمع، تحكي رغبات وتوجهات قاطني تلك المدن، وطريقة تعاطيهم مع مجتمعهم بأطيافه وشرائحه كافة. ومثل شارع "الشانزلزيه" في باريس أو شارع "بيكاديللي" في لندن، و"جورج تاون" في واشنطن، و"الحمراء" في بيروت، ربما يأتي شارعي "التحلية" الأمير محمد بن عبد العزيز حالياً، في كل من جدةوالرياض، علامتين فارقتين في المدينتين، اللتين اختلفتا في التفاصيل، واتفقتا في الشوارع، في شكل لم يتم الترتيب له أو السعي إلى إيجاده. محلات تنتشر إلى جانبي الطريق، لأشهر المقاهي العالمية، وأخرى تحمل اسم أهم "الماركات" في عالم الملبوسات، إضافة إلى مجموعة من المطاعم ارتبطت بسلسلة إما محلية أو عالمية، جميعها اتفق من دون موعد مسبق على الوجود في مدينتي جدةوالرياض، وفي الشارع نفسه, الذي اشترك في التفاصيل الداخلية والخارجية، وكان اسم الشارعين المشترك ووقوع "المؤسسة العامة لتحلية المياه" في الشارع نفسه، دليلاً وعلماً بارزاً في كلتا المدينتين. نبض الشارعين يبدو متشابهاً إلى حد ما، فالوجوه فيه تتشابه والتصرفات أيضاً، معظمها شبابية، وحتى الرغبة في الوجود، والوقت الذي يتم التحرك فيه والتجمع يومي الأربعاء والخميس لا يحمل في معظم الأحيان هدفاً أو عنواناً. عادة وروتين أسباب وجود الشباب يومياً تقريباً، فتجدهم يركبون سياراتهم الفارهة أو يقودون الدراجات النارية، ويقضون معظم الوقت ولساعات طويلة، ذهاباً ومجيئاً في الشارع، من دون أي هدف محدد. يقول محمد الأحمدي 23 عاماً من الرياض، والذي يزور الشارع نحو خمس مرات في الأسبوع الواحد: "إن شارع التحلية أصبح مسألة مرتبطة بالتعود والرغبة في لقاء الشباب والزملاء، والتحاور معهم داخل المقاهي ومطاعم الوجبات السريعة، التي تعد الشباب من أهدافها الرئيسة لهم في استثماراتهم". ومن اللافت أن مرتادي شارع "التحلية" في الصباح يختلفون عن أولئك الذين يرتادونه في المساء، ففي الفترة الصباحية تجد قطاعاً كبيراً من شريحة الرجال، يذهبون إلى مطاعمه ومقاهيه القريبة من مقر عملهم، إذ توجد مكاتب وشركات مهمة ومتخصصة كثيرة في "تحلية" جدةوالرياض، فيمارسون نشاطاتهم التجارية وصفقاتهم العقارية في هذين الشارعين. أما حين يحل الظلام، فتختلف لغة الحوار والوجوه أيضاً، ويتصدر شريحة الشبان والفتيات أعلى نسب مسببي الازدحام في الشارع. يقول عامر عبد القادر الذي يملك مقهى "باردون"، وهى كلمة فرنسية تعني بالعربية "عفوا"،: "إن الأسماء الأجنبية تجتذب الرواد والشباب الذين يبحثون عن دفء المكان في الشتاء وبرودته في الصيف، قبل القهوة. كما أن طريقة تقديم الطلبات وجماليات تصميم المحلات الداخلية، هي المحرك الرئيس لرغبات الشباب واختياراتهم وتوجهاتهم، إذ أن المنظر الجميل يجذب الشبان بل ويجبرهم على الارتباط بمقهى معين لمدة تصل إلى أشهر، وفق ما يتم داخل هذا المقهى من خدمة راقية، وأنواع مأكولات شهية، ومشروبات بأنواعها كافة، خاصة بكل مقهى. النساء و"التحلية" في تلك الشوارع وعندما يبدأ الحديث عن النساء، تجد أن معظم الشباب يتفق على "أن هناك رغبات تجتاح الشباب في التعرف على فتيات وملاحقتهم بطرق غير شرعية"، في الوقت الذي يعبر البعض فيه عن رأيه، بأن "الفتيات يفتعلن ويبتكرن طرقاً، كي يلفتن نظر الشباب". لا يمكن أن تلوم أحداً، لأن الشبان يلقون اللوم على الفتيات اللاتي يقولون العكس تماماً. ويقول عبد العزيز الدوسري 22 عاماً من جدة، والذي اعتاد على زيارة شارع "التحلية" يومياً: "على رغم أن الهيئة الحسبة تكون في هذا الشارع باستمرار، إلا أن هناك تجاوزات مستمرة من الشباب". ويضيف الدوسري: "ليس من الممكن أن تضيق الخناق على مجموعة من الشبان يوجدون في الشارع ويشكلون مجموعات تختلف ميولها وأذواقها بحسب الفئات العمرية، إضافة إلى أنه يوجد عدد من الدوريات الأمنية التي تسعى دائماً إلى حفظ النظام الذي عادة ما يختل في حال نشوب مشاجرات بين الشبان". على أي حال، "التحلية" سابقاً اسم استمد، سواء في جدة أو الرياض، بوجود "المؤسسة العامة لتحلية المياه" في كلتا المدينتين، إلا أن رغبات الشباب ووجودهم، ارتبط بكثافة المطاعم ومحلات الوجبات السريعة وكذلك أشهر المقاهي العالمية، والتي يجد فيها الشباب والفتيات متنفسا مناسباً، ما دفع بعض شباب المدن الأخرى إلى إطلاق اسم "التحلية" على أكثر الشوارع شهرة بين الشباب.