لعله من العار على أي شاب ألا يؤدي الخدمة العسكرية، وألا يلتحق بالجيش الوطني لبلاده، وألا يمضي الفترة المنصوص عليها قانوناً خدمة للعلم في الثكنات العسكرية، يتلقى التدريب القاسي، ويتحمل شظف العيش، ويأكل في مواعيد محددة، ووفق برامج معدة، أطعمة قد لا يحبها أو لم يعتد عليها، ويقبل ما يقدم له من دون تذمر أو اعتراض، ويلبس ثياب الجيش الرسمية، ذات اللون والشكل الواحد، فلا زينة ولا مباهاة، وإنما تشابه تام في الزي واللون والمظهر. ويشاطر أبناء وطنه حماية الثغور، والدفاع عن الحدود، وملاحقة المجرمين والمهربين والمعتدين على سيادة الوطن والقانون، ويعرض حياته للخطر أثناء التدريبات أو عند القيام بالمهمات، ويقضي الفترات الطويلة بعيداً عن أهله، ويترك حيه وبيته، ويبتعد عن أصدقائه وأحبائه، ويتخلى عن كثير من المتع التي اعتاد عليها. الخدمة العسكرية عنوان للشرف، وشهادة بالوطنية، وبوابة لاجتياز الرجال، وإثبات الكفاءة والأهلية، وهي وسيلة للتقدم ونيل الحقوق والحصول على الامتيازات، ففي بلاد لا تتزوج المرأة من لم يؤد الخدمة العسكرية، ويعتبرونه معيباً ومطعوناً في رجولته ووطنيته، فلا تتشرف به ولا تفخر به بين قريناتها، وتستحي منه أمام أهلها. بل إن من تستثنيه القوانين، وتعفيه اللوائح، لعدم أهلية أو لياقة، أو لعيب أو نقص، أو كونه وحيداً لا شقيق له، فإنه يشعر بالخجل، ويعاني عقدة النقص، ويجد نفسه دوماً أقل من الآخرين، وأجدر ألا يتمتع بعطاءات بلاده، فلا يجد أكثرهم إلا أن يسافر ويترك بلاده التي لم يساهم في حمايتها والذود عنها، في حين يحاول كثيرون غيرهم، ممن تعفيهم القوانين من أداء الخدمة العسكرية، الطلب من الجهات المختصة قبولهم، والسماح لهم بالانخراط في الجيش، وأداء الخدمة العسكرية الإلزامية. إن هذا الشرف العسكري يطمح كل إنسان إلى أن يناله، ويتطلع إلى أن يضيفه إلى سجل حياته، رغم الظروف الصعبة التي تعيشها جيوشنا العربية، وحال الذل والهوان التي يفرضها الضباط وكبار القادة العسكريين على الجنود، إذ يقزّمون مهماتهم، ويستخفون بحماسهم، ويحيلونهم إلى خدم لهم وعاملين عندهم، أو صبية لدى زوجاتهم وفي بيوتهم، فيقتلون فيهم روح العزة والكرامة، ويغتالون في نفوسهم معاني التضحية والفداء، ويجعلون من فترة الخدمة العسكرية سجناً، وفرصةً لإيقاع العقاب وفرض الغرامات، واستخدام الجنود في مهمات مهينة لا تليق بهم. الخدمة العسكرية تبقى دوماً شرفاً ومفخرة، وعنواناً للعزة والأنفة، رغم فلسفة المؤسسات العسكرية العربية، ومناهج الجيوش فيها، التي تسعى إلى أن تجعل من الجندي العربي آلة تعمل ووسيلة تسمع وتنفذ، وعصا تضرب وتبطش وتقمع وتقتل وتعتقل، وعيناً تحرس الحاكم، وتسهر على أمن المسؤول وسلامته، ولو كان على حساب الوطن، وحياة المواطن، بل إن أغلب الدول العربية تجعل من الجيش قسمين، أحدهما شكلاً يسمى جيش الوطن، فلا يحظى بالرعاية ولا بالاهتمام الكافي، ولا يتلقى أبناؤه التدريب المناسب، ولا يزود بالسلاح الكافي، ولا يتعلم من الخدمة العسكرية أياً من معاني الوطنية والأمانة العسكرية. أما القسم الآخر فهو الحرس الجمهوري أو الملكي، وهم صفوة الجنود وخيرة المقاتلين وأبناء الذوات وعلية القوم، وهم المحظوظون المقربون والمميزون المفضلون، الذين يرثون المواقع والمناصب، عن غير كفاءة سوى الولاء، وهم يتلقون أفضل التدريبات، وتفرض لهم أعلى الموازنات، وتوفر لهم كل اللوازم والاحتياجات، ويعطون منحاً وتسهيلات، فأولادهم يتعلمون بالمجان، ويتلقون أفضل الخدمات الاجتماعية. أيها الجندي العربي كن عزيزاً ذا مروءة وشهامة ونبل، وكن فدائياً تفتدي، ومقاتلاً تبغي النصر أو الشهادة، وخذ من التاريخ عبراً، ومن سير الجنود الأوفياء دروساً وحكماً، وتعلم كيف يكون الخلود والبقاء، وكيف يكون مصير الجنود الأذلاء، فقف إلى جانب شعبك، واعمل من أجل وطنك، ورفعة بلادك، وكرامة أمتك، ولا تطع حاكماً يأمرك بإطلاق الرصاص على أهلك، أو توجيه فوهات المدافع إلى بيوت مسكونة، ومدن مأهولة، ولا تكن عبداً يحرس سيده، ويقف حاجباً على قصر حاكمه، فالحر هو من يعرف الكر والفر والنبل والشهامة، دفاعاً عن الوطن، وفداءً للأهل، وصوناً للبلاد، وحفظاً لكرامة الأمة.