انشغل الرأي العام في ألمانيا بالمناظرة التلفزيونية التي جمعت بين المستشارة أنغيلا مركل وغريمها الاشتراكي بيار شتاينبروك، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من الانتخابات النيابية العامة المقررة في 22 الشهر الجاري. وشاهد المناظرة التي استمرت 90 دقيقة وبُثّت على أربع أقنية عامة وخاصة، حوالى 17.6 مليون شخص، ورافقتها وأعقبتها استفتاءات سريعة لتحديد الفائز فيها. وبغض النظر عن أن مؤيدي مركل وشتاينبروك شاهدوا مرشحهم في المقدمة بعد المناظرة، وبصورة لا تقبل الشك لديهم، حملت نتائج الاستفتاءات السريعة بعض ملامح الميل الشخصي إلى هذا المرشح أو ذاك. ولم تخل آراء المراقبين السياسيين والإعلاميين من انحياز أو من تفضيل مسبق لأحدهما على الآخر. وفي الإجمال اتفق المحللون على وجود نوع من التعادل بين مركل وغريمها، علماً أن هذا بحد ذاته يشكل نجاحاً لشتاينبروك الذي كانت كل الاستفتاءات السابقة على المناظرة تؤكد تخلفه الشاسع عن المستشارة في مختلف المجالات. وفي النهاية حسمت كتلة الناخبين المترددين، والذين لا يفكرون في المشاركة في الانتخابات المقبلة، هوية الفائز في المناظرة التي طالت جملة من المواضيع في السياستين الداخلية والخارجية، بما في ذلك الموقف من الصراع في سورية. وتبلغ نسبة هذه الكتلة نحو 30 في المئة ممن يحق لهم الانتخاب. وأتت النتائج هنا أكثر وضوحاً لمصلحة شتاينبروك، الأمر الذي لم يكن في الحسبان. وذكر 52 في المئة من المترددين أن المرشح الاشتراكي كان أكثر إقناعاً لهم من المستشارة، وقال 40 في المئة منهم إنهم يفكرون الآن في الإدلاء بصوتهم في يوم الانتخاب. كما أن 49 في المئة من نحو 17.6 مليون مشاهد، وجدوا أن الأخير كان مقنعاً لهم أكثر من مركل التي حصلت على 40 في المئة. ووجد 48 في المئة منهم مقابل 38 أن حجج شتاينبروك أفضل. ولا تعني هذه النتائج أن المرشح الاشتراكي سيتمكن في الشوط الأخير من الحملة الانتخابية من قلب الطاولة على المستشارة وعلى التحالف المسيحي الديمقراطي - الاجتماعي الذي يؤيدها. وكانت الاستفتاءات الأخيرة أظهرت استمرار تفوق التحالف المسيحي بنسبة 40 إلى 42 في المئة من الأصوات في مقابل 26 إلى 28 في المئة للاشتراكيين. لكن ما ظهر بعد المناظرة من ردود فعل ومواقف وآراء، يشير إلى أن شتاينبروك الذي بدأ قبل أشهر حملة انتخابات سيئة جداً، سيتمكن على الأقل من إعادة جمع الجمهور التقليدي لحزبه بعد انفراطه، إضافة إلى كسب أصوات عديدة بين المترددين، وهم كثر، بحيث يتعدل ميزان النسب بين الحزبين الكبيرين في صناديق الانتخاب. ويأمل المرشح الاشتراكي في هذه الحال بأن يتمكن من تحقيق أكثرية نيابية مع حزب الخضر تمكنه من انتزاع منصب المستشار وتشكيل حكومة. أما مركل فتخشى عدم حصول حليفها الحزب الليبيرالي على نسبة الخمسة في المئة التي تخوله دخول مجلس النواب البوندستاغ فتصبح غير قادرة على تجديد حكومتها الحالية معه، وتضطر للتحالف مع الحزب الاشتراكي في ما يسمى "التحالف الكبير" الذي سبق وقادته بين أعوام 2005 و2009، ما فرض عليها البحث عن حلول وسط وأخذ رأي الاشتراكيين في مختلف الأمور. ويعتقد معظم المراقبين في ألمانيا بأن الأمور تتجه، خصوصاً بعد المناظرة، في هذا الاتجاه رغم أن شتاينبروك أكد في المناظرة من جديد على أنه لن يشارك شخصياً في حكومة ائتلافية مع مركل.