بعد عام في السلطة، وتوسل سياسات استبدادية زرعت النفور في نفوس ملايين المصريين، عاد"الإخوان المسلمون"إلى المربع الأول، أي إلى صفوف المعارضة. فطوال 6 عقود قبل ثورة 2011، كانت الجماعة هذه في مرمى نيران النظام العسكري. واليوم، إثر إطاحة رجال الأمن الرئيس محمد مرسي واعتقال أبرز قادة"الإخوان المسلمين"وإصدار مذكرات توقيف بحق حوالى 300"إخواني"، وإغلاق محطة الجماعة التلفزيونية ومكاتبها، ومقتل 53 متظاهراً وجرح مئات أمام مقر الحرس الجمهوري في القاهرة، لا يبدو أن"الإخوان"سينسحبون بهدوء من الساحة السياسية. فهم دعوا إلى"انتفاضة"وتصعيد التظاهر إلى حين عودة مرسي إلى كرسيه. وترى جماعة"الإخوان"أن مرسي كان رئيساً منتخباً لم تنتهِ ولايته بعد، وتطالب بأن يعود إلى منصبه إلى أن يحين موعد الانتخابات المقبلة. تاريخياً، أظهرت الجماعة رغبة في المساومة، ولو موقتة، كلما واجهت خصماً لا يقهر."درج الإخوان المسلمون على التزام سقف لا يتجاوزونه"، يقول عبد الجليل الشرنوبي، وهو"إخواني"سابق. فعلى سبيل المثل، قبل ثورة 2011، كان هذا"السقف"هو الرئيس حسني مبارك، وكان"الإخوان"ينتقدون فريق الرئيس ونظامه من غير التعرض لمبارك شخصياً. وإثر إطاحته، صار"السقف"أو المحظور هو واشنطن. ف"الإخوان المسلمون"تجنبوا الدخول في مواجهة مباشرة مع الولاياتالمتحدة. لذا، لم يعودوا عن اتفاق 1979، على رغم معارضتهم السلام مع إسرائيل ورفض وجودها. ماضي جماعة"الإخوان"قد يحمل المرء على توقع أنها ستعتبر الجيش بمثابة"سقف"أو عتبة المحظور. ففي ولاية مرسي، احترمت الجماعة استقلال الجيش اقتصادياً وفي شؤون الدفاع، ورسخت استقلال مصالحه في الدستور الذي سارع مرسي إلى إقراره في كانون الأول ديسمبر المنصرم. ولكن، على خلاف التوقعات، وعلى رغم الحظوظ الضعيفة في كسب المعركة ضد الجيش، يبدو أن"الإخوان"ماضون في تحدي العسكر. يدفعهم الى هذا القرار عاملان، أولهما حسبان أن الجيش لا يُجمع على قمعهم، ولا يستبعدون احتمال تشقق صفوفه إذا مضى الجنرالات في العنف. فالجنرالات قد يعجزون عن حمل مَنْ هم أدنى منهم في سلم رتب المؤسسة العسكرية على الصدوع بالأوامر. وقد يكون رهان"الإخوان"في محله. ويرجح أن الجيش لم يأمر بالانقضاض على المتظاهرين في"ميدان التحرير"في 2011 خشية رفض العناصر إطلاق النار. ولا يعرف أحد عدد المتعاطفين مع"الإخوان"في الجيش، والحزب الإسلامي الحاكم المُقال، على يقين من أن حلفاءه في المؤسسة العسكرية سيحولون دون الانقضاض الشامل على الجماعة."هم العسكر دخلوا في حوار معنا على مستويات رفيعة. أبلغونا أن مرسي بخير، واتصلوا بي لإبلاغي أن والدي عصام الحداد أحد مساعدي مرسي المعتقلين يحتاج أدويته. يتواصلون معنا ويطلعوننا على ما يجري"، يقول جهاد الحداد، الناطق باسم"الإخوان المسلمين". وتسعى الجماعة إلى الاستفادة من ثغرات التوتر والخلاف في صفوف العسكر عبر التنديد ب"الانقلابيين"، كما يسميهم عصام العريان- وتمييزهم عن المؤسسة العسكرية. وصبيحة اليوم التالي لإطلاق النار على المتظاهرين أمام مقر الحرس الجمهوري، أثنى موقع"الإخوان"على الجنود الذين رفضوا الأوامر ولم يشاركوا في المجزرة، وزعم أن ثمة جنوداً رموا أسلحتهم احتجاجاً. والدافع الثاني إلى مواجهة الجيش هو تعويل جماعة"الإخوان"على عناصرها البالغ عددهم حوالى 250 ألف عضو، وهؤلاء لا يتهيبون الموت في الاحتجاج على إطاحة مرسي. ويقارن الحداد بين متظاهري"ميدان التحرير"و"ميدان رابعة العدوية"، ويقول متباهياً:"الناس في رابعة العدوية مختلفون عن المتظاهرين في التحرير. فعندما سمع الناس في رابعة طلقات نار، ركضوا إلى مصادرها ولم يبتعدوا عنها". ولكن قد لا تُجنى ثمار مساعي"الإخوان"إلى عودة مرسي، وكلما طالت المواجهة مع الجيش، رجحت كفة الانقضاض عليهم. وأبرز قياداتهم، أمثال خيرت الشاطر وسعيد الكتاتني معتقلون. وركن هذه الجماعة هو جسم قيادات تراتبية متماسكة. وإذا فُصِلَ الرأس عن الجسد، قد ينزلق"الإخوان"إلى العنف وتنفلت ردودهم من كل عقال. لكن قادتهم هم الذين يمكنهم العدول عن استراتيجية المواجهة، واعتبار المواجهة مع الجيش"سقف المحظورات". ليس في متناول من أقصى مرسي، العودة عن قراره. فمثل هذه الخطوة هو صنو الانتحار، ولا مناص من تواصل فصول الاضطراب والعصيان. ومن مصلحة الطرفين المتواجهين بقاء الأمور على حالها، واستمرار شد الحبال إلى أن ينهار أحدهما- وهذا إذا لم تسبقهما مصر إلى الانهيار. * خبير في الشؤون المصرية، عن موقع"فورين أفيرز"الأميركية، 11/7/2013، إعداد منال نحاس