تقاطعت أخبار التحضيرات الجارية من أجل عقد مؤتمر دولي حول سورية، مع تقارير إعلامية غربية عن إرسال أسلحة روسية -"ياخونت"و"أس - 300"تحديداً إلى سورية. وأفادت التقارير بأن الأسلحة بلغت سورية أو في طريقها إليها. وأكدت موسكوالخبر تأكيداً خجولاً، معلنة إن صادرات الأسلحة جزء من عقود بيع قديمة. واللافت أن أصداء هذه الأخبار لم تحمل في الغرب اتهاماً لروسيا بالتعطش للدماء أو بازدواجية المعايير في الأزمة السورية، فيما اللهجة العربية في إدانة موسكو كانت أكثر حدّة. يبدو أن اللاعبين الدوليين يدركون أن مؤتمر جنيف سيكون منعطفاً في سياق الأحداث. وإذا نجمت عن المؤتمر تسوية بين الأطراف المحاربة، دخل التاريخ. وإذا لم يحدث أي خرق مهم، ويرجح أن يتفاقم النزاع. ففشل المفاوضات يشير إلى أن الحلّ الوحيد يُحسَم في ساحة المعركة. لذا، يسعى المشاركون في المؤتمر إلى ترجيح كفتهم في الميدان السوري. ومثل هذه الحال يحرِج أنصار سياسة ضبط النفس، ومنهم إدارة الرئيس أوباما، أمام من يطعن في الوقوف موقف المتفرج إزاء مشاهد إراقة الدماء المرعبة. ولن يدفع الحرج إلى تدخل مباشر، لكنه سيزيد صعوبة مواجهة اللوبي الداعي إلى تسليح المعارضة. وتواصل روسيا خطواتها الرامية إلى الحفاظ على توازن القوى عبر مساعدة النظام في دمشق. وتفاقم النزاع غير مستبعد، وقد ينزلق إلى مواجهة روسية -أميركية غير مباشرة". ولا شك في أن الساحة السورية خطرة، وإمداد أحد أطراف الصراع بالسلاح في خضم النزاع، غير جائز. لكن روسيا تمد النظام السوري بأسلحة دفاعية لا تفيده إلا إذا تعرضت سورية لهجوم كبير من الخارج. وأعلنت موسكو رفضها الصيغة الليبيّة للتدخل، وتوقع مراقبون تغيّر التوجه الروسي، لكن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث. واليوم، يثير الإصرار الروسي الإعجاب، فموسكو أثبتت إخفاق محاولات إقصائها أو الاستغناء عنها. ويبدو أن احتمال انهيار سورية وتفككها جيوباً دينية وعرقية مرجح. ويترتب على مثل هذا السيناريو امتداد الصراع إلى دول الجوار، أي تركيا والأردن ولبنان، والعراق الهش الاستقرار. المجتمع الدولي أقر بأن روسيا لاعب أساسي في الأزمة السورية، لكن الاعتراف هذا لا ترتجى منه فائدة على أرض الواقع. وسعت روسيا إلى الظهور في صورة قوة تحاول أن تقف أمام رياح التغيير والثورات التي لن يطول الأمر قبل أن تبلغ الأراضي الروسية، ويُعلن الجهاد في القوقاز. هذه المخاوف مشروعة لكنها محبطة. فمهما كانت نتيجة الصراع، بات الاستقرار من الماضي، سواء بقي الأسد أم تنحى، وسورية لن تعود إلى سابق عهدها. وموقف موسكو المبدئي لن يجد تسويغاً له، إذا لم يشرّع الحل الأبواب أمام أفق سياسي. أمّا إذا آلت الأزمة إلى تعاظم تداعي سورية، فوجب على روسيا التنحي، بعدما أهدرت عامين من المساعي. ويفيد عقب انتهاء الأزمة السورية تشريح مفصل لها لمعرفة النقطة المفصليّة التي كانت تصلح مدخلاً لتغيير مسار الصراع وبلوغ الحلّ. وهذا ضروري ليس لمعاقبة الفاعلين بل من أجل استخلاص العِبَرْ. لكن حظوظ الاعتبار بدروس سورية ضعيفة. استخلاص العِبر ليس من شيم السياسات الدوليّة الحديثة. * محلّل سياسي، عن"روسيسكايا غازيتا"الروسيّة، 22/5/2013، إعداد علي شرف الدين