رغم كثرة الدراسات والبحوث التي اهتمت بالعلاقات بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي في العصور الوسطى والمعروفة اصطلاحاً بالحروب الصليبية، إلا أن هذا المجال كان وما زال مجالاً خصباً لبحوث ودراسات لا تنتهي لتلقي الضوء على جذور العلاقات الحالية بين الشرق والغرب"ما يساعد على إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم وزيادة التعاون بين الطرفين. وفي هذا الإطار صدر كتاب"تشريعات الصليبيين"وهو مجال بكر لم يهتم به من الدارسين العرب إلا عدد يقل عن أصابع اليد الواحدة. مؤلف الكتاب، الدكتور حسين محمد عطية، أستاذ تاريخ العصور الوسطى في جامعة طنطا، مصر، ساهم بجهد وافر في حقل تاريخ العصور الوسطى عموماً وحقل الحروب الصليبية خصوصا. أما الكتاب الذي بين أيدينا فإنه يستكمل ما قام به عطية من دراسات في حقل الحروب الصليبية"وإن كان ركز فيه على جانب بالغ الأهمية، وهو"دراسات في قوانين أنطاكية ومملكة بيت المقدس الصليبية". وبدأ المؤلف كتابه بمقدمة عن الحروب الصليبية، وذكر دعوة البابا أوربان الثاني لها، وتأسيس الكيانات الصليبية في بلاد الشام، ثم تعرض للعلاقات التي قامت بين الصليبيين والمسلمين سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ديبلوماسية، ثم تناول اتجاه المؤرخين الأوروبيين إلى أخذ جوانب جديدة لدراسة الحروب الصليبية، ومنها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، كما أشار إلى اهتمام الأوروبيين بالدراسات القانونية الخاصة بالتشريعات الصليبية، وكيف أن هذا الاتجاه قد سلكته المدرسة الأوربية الحديثة، للتعرف على طبيعة الكيان الصليبية من منظور جديد، وأكد على أن مجال البحث في ذلك الاتجاه ما زال بكراً، وأن المادة العلمية لذلك المجال موجودة داخل المصادر التاريخية الصليبية والوثائق الخاصة بجماعات الفرسان الصليبية. أتبع ذلك بالإشارة إلى مساهمات المؤرخين الأوروبيين في ذلك المجال، وذكر بعض مؤرخيهم ومنهم:"غراند كلود"الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لحركة الدراسات القانونية لحركة الحروب الصليبية، وغيره من المؤرخين أمثال:"جان ريشار"، و"لامونت"، و"رايلي سميث"، الذين كان لهم مساهماتهم في ذلك الجانب، الذي ألقى مزيداً من الضوء على العلاقات بين طبقات المجتمع الصليبي الإقطاعي. واشتمل الكتاب على ثمانية بحوث تتعلق بالجانب القانوني لدي الصليبيين، وهى كالتالي:- البحث الأول"حول تشريعات الحملات الصليبية"، ركز هذا البحث على التشريعات والقوانين التي سنها الصليبيون أثناء زحف الجيوش الصليبية إلى بلاد الشام، فقد تباينت تلك التشريعات من وقت لآخر ومن جريمة لأخرى، فقد أرجع قادة الجيوش الصليبية الهزائم التي كانت تلاحقهم على أيدي المسلمين إلى كثرة الجرائم والخطايا التي أقترفها جنود الحملات الصليبية باسم المسيح، وأيضاً طبيعة تكوين تلك الجيوش التي انضم إليها المجرمون والزناة والسارقون وغيرهم من نفايات المجتمع الأوروبي، فكان من الصعب عليهم إحكام سيطرتهم الكاملة على تلك الأعداد الكبيرة والحد من انتشار الجريمة بينهم، فعملوا على سن قوانين موقتة لمعالجة تلك الجرائم. وعلى رغم وجود رجال الدين مرافقين للحملات الصليبية، إلا أن ذلك لم يمنع الجرائم أن تنتشر بين الصليبيين، كما تابع تلك التشريعات ومدى تطبيقها داخل المجتمع الصليبي. أما البحث الثاني فكان بعنوان"قوانين أنطاكية". وتناول التعريف بتلك القوانين ومؤلفها الذي ظل مجهولاً، ومن قام بترجمتها بعد ذلك والتعريف به وبعصره، ثم تطرق إلى مناقشة الأوضاع السياسية في تلك المنطقة خلال وقت تأليف تلك القوانين، ثم عّرف بمحتويات تلك القوانين وأهميتها بالنسبة لإمارة أنطاكية، وعرّف النظام القضائي بتلك الإمارة وأنواع المحاكم التي تواجدت بها والإجراءات القانونية التي كانت تنفذها، والحكومة المركزية التي سيطرت على حكمها، وأنواع العقوبات التي طبقت على الجرائم في تلك الإمارة. البحث الثالث:"إقطاع الخدمة بين السيد والتابع - قراءة في قوانين أنطاكية"، وناقش ذلك البحث الوضع الإقطاعي داخل إمارة أنطاكية الصليبية، وعلاقة الحاكم بالمحكومين، والقوانين والتشريعات التي سنت من أجل ذلك الغرض، شارحاً في ذلك قوانين الخدمة العسكرية وأحكام المواريث التي تم تطبيقها داخل الإمارة، وعرض أيضاً للحقوق والواجبات تجاه الحاكم. البحث الرابع:"قوانين مملكة بيت المقدس الصليبية - وتطورها في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين"وفيه عرض لنشأة قوانين المملكة، وتطورها خلال القرنين، وكيف تم تقسيمها إلى فترتين، ما قبل معركة حطين وما بعد معركة حطين، والتطورات التي أضيفت لتلك القوانين خلال فترة الوجود الصليبي في بلاد الشام، كما أوضح تطور الفكر الصليبي، واستعانته بالعقل الأوروبي في تلك الناحية من أجل ترسيخ الوجود الصليبي في بلاد الشام، وتعميق التواصل بين الجانبين الأوروبي والصليبي في بلاد الشام. البحث الخامس:"التنظيم القضائي لمملكة بيت المقدس الصليبية المحاكم"ويبرز ذلك البحث تنظيم المحاكم داخل المجتمع الصليبي، ونشأتها وأنواعها وتخصص كل محكمة منها بأنواع القضايا المختلفة، وكيف أن كل محكمة من تلك المحاكم كانت تهدف لخدمة قطاع معين، أو خصصت لمناقشة نوع محدد من القضايا التي تعددت أشكالها وأنواعها داخل المجتمع الصليبي، الذي تنوع تكوينه العرقي والطبقي، وظهرت فيه الكثير من المشاكل التي كانت من أهم أسباب انهيار ذلك المجتمع. البحث السادس:"قانون مصادرة الإقطاع وتطوره في مملكة بيت المقدس الصليبية". أبرز ذلك البحث العلاقة بين السيد والتابع لجهة مصادرة إقطاع التابع في حالات معينة عدة وأسباب المصادرة المختلفة لذلك الإقطاع، وأخذ ملوك مملكة بيت المقدس الصليبية بذلك القانون، وكذلك أظهر البحث مدى الصرامة التي كانت يتم اتخاذها في تطبيق ذلك القانون، وتطور العلاقة بين السيد والتابع. البحث السابع:"مجلس نابلس 23 كانون الثاني / يناير 1120م وأحوال مملكة بيت المقدس الصليبية". تطرق ذلك البحث إلى الظروف والملابسات التي أدت إلى عقد ذلك المجلس بمدينة نابلس، وحضور العديد من الأمراء ذلك الاجتماع لمناقشة أوضاع المملكة والممتلكات الصليبية في بلاد الشام، ومدى التدهور التي وصلت إليه، وإصدار القوانين والتشريعات التي عملت على وقف ذلك الانهيار الداخلي للمجتمع الصليبي، كما أصدر المجلس قوانين عدة لمواجهة الجرائم التي استشرت داخل المجتمع الصليبي في بلاد الشام بصورة كبيرة. البحث الثامن:"قانون الحرمان من الميراث في مملكة بيت المقدس الصليبية"، وعالج ذلك البحث العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، وكيفية تنظيم الميراث، وعوامل وأسباب حرمان الوريث من ميراثه التي تعددت وفي حالات متباينة، وناقش كلاً من حقوق المرأة والرجل في مسائل الميراث. وفى خاتمة ذلك الكتاب ثلاثة ملاحق، الأول ملحق بأسماء ملوك مملكة بيت المقدس الصليبية، الملحق الثاني قائمة بأسماء أمراء أنطاكية والأوصياء عليها، والملحق الثالث قائمة بأسماء بابوات روما زمن الحروب الصليبية. * كاتب مصري