ينتظر حوالى ألف من سكان المُغُر في ثماني قرى جنوب جبال الخليل المحتلة، موقف النيابة العامة الإسرائيلية من اقتراح رئيس المحكمة العليا القاضي آشر غرونيس بتعيين القاضي المتقاعد إسحق زمير محكِّماً بين دولة إسرائيل وسكان المُغُر في"النزاع القانوني"بين الجانبين على"مُلكية"الأراضي في هذه المنطقة، حيال إصرار الجيش على ترحيل سكان ثماني قرى من مجموع 12، إلى قرية يطة المجاورة. ولا يعوّل السكان على عدالة المحكّم، إذ يخشون أن يصادق على تقييدات جديدة على حركة السكان ومصادرة مناطق رعاية المواشي، وإصدار أوامر هدم جديدة. مع ذلك، فإنهم يبحثون عن حسم هذا الموضوع قانونياً من أجل وضع حد لمعاناتهم المتواصلة. واعتبرت أوساط قضائية قرار رئيس المحكمة اللجوء إلى"التحكيم"بدلاً من بت المحكمة نفسها في الموضوع، تهرباً من قيام المحكمة بواجبها وحسم الموضوع بناءً للحقائق على الأرض والمعطيات القانونية. وأضافت أن المحكمة تريد، كما يبدو، تفادي مواجهة مع الجيش الذي يقيم في تلك الأراضي"منطقة نار"لتدريبات أفراده، باتت تعرف بالمنطقة"918". وفي حال قبل الطرفان بالتحكيم، فإن قرار المحكِّم يكون ملزماً لكليهما حتى أكثر من قرار تصدره المحكمة، إذ لا يمكن الطعن فيه. حرب استنزاف على السكان وتشن إسرائيل منذ سبعينات القرن الماضي حرب استنزاف على سكان"مسافر يطا"، وهي عبارة عن 12 قرية صغيرة تنتشر في أراضي جنوب جبال الخليل ما زالت خاضعة لسيطرة تامة لجيش الاحتلال يسكنها 1300 نسمة، بعضهم من بدو النقب سابقاً جاؤوا إلى المنطقة عام 1953، وآخرون جاؤوا من قرية يطة المجاورة قبل قيام إسرائيل بحثاً عن لقمة العيش ومكان للسكن، فحفروا الآبار واستصلحوا المغر ليقيموا فيها وما زالوا يعيشون حتى اليوم نمط حياة خاصاً بهم ويعتاشون أساساً من رزقهم من الزراعة وتربية الأغنام ومنتجات الحليب. وتدّعي إسرائيل أن سكان هذه المنطقة هم"غزاة"ل"منطقة النار 918"التي أقامها الجيش في سبعينات القرن الماضي على مساحة 30 ألف دونم صادرها، بداعي أنهم"ليسوا سكاناً دائمين"بل سكان موقتون ولديهم بيوت ثابتة في قرية يطة، وعليه لا يمنحهم القانون الإسرائيلي حق البقاء ولا البناء، ويعتبر المباني التي أقاموها غير قانونية. ونتيجة هذه السياسة، لا تزال القرى تعاني نقصاً في أبسط مقومات الحياة من بنى تحتية لشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والخدمات الصحية والمدارس. وفي أواخر التسعينات، أخلى جيش الاحتلال بالقوة حوالى 700 من سكان القرى ال12 بداعي أنهم يعيقون تدريبات الجيش في"منطقة النار"، وهدَم بيوتهم البسيطة وقام بتهريب ماشيتهم. كما سدَّ آبار مياه وصادر ممتلكاتهم وأبقى الكثير من هؤلاء السكان من دون مأوى أو مصدر رزق. لكن عودتهم أتيحت في أعقاب قبول المحكمة العليا التماسين، الأول باسم عدد من السكان، والثاني من"جمعية حقوق المواطن"الإسرائيلية لإصدار أمر موقت يسمح للسكان بالرجوع إلى بيوتهم وممارسة حياتهم إلى حين البت في الموضوع. ادعاءات السكان وماطلت النيابة العامة بتقديم ردها على الالتماسيْن مدة 12 عاماً، حتى أمر وزير الدفاع في حينه إيهود باراك بتقليص مساحة"منطقة النار 918"على نحو يسمح لسكان أربع قرى من مجموع 12 تقع شمال منطقة التدريبات، بالبقاء في أراضيهم في مقابل تهجير سكان القرى الثماني الأخرى بزعم أن أراضيها حيوية لتدريبات الجيش. وردت المحكمة على قرار باراك بشطب الالتماسين السابقين لتغير المعطيات، وطلبت من الملتمسين تقديم التماسين جديدين يتطرقان إلى القرى الثماني المتبقية. وجاء في الالتماسين الجديدين أن ترحيل سكان القرى هو مسٌ خطير بحقوقهم في المسكن. وأكدت"جمعية حقوق الإنسان"أنه"ليس مقبولاً بتاتاً التفكير بإخلاء قرى كاملة من سكانها فقط من أجل التدريبات العسكرية لإسرائيل"، مضيفةً أن"هذا التشريد يتضمن حرمان السكان من ممتلكاتهم ومصادر رزقهم". وتابعت أن"الأرض بالنسبة لهم هي الحياة، وهذا الإخلاء، فضلاً عن كونه انتهاكاً للقانون الدوليّ، هو قمة القسوة". وكانت الجمعية أجرت بالتعاون مع مؤسسة"بتسيلم"بحثاً إنثروبولوجياً أثبت حق هؤلاء السكان في أراضيهم التي سكنوا فيها منذ مئات السنين، وذلك طبقاً لإفادات من السكان تؤكد وجودهم اليومي على مدار العام في المنطقة. ادعاءات النيابة العامة في المقابل، قدمت النيابة العامة ثلاثة ادعاءات، الأول يقول إن لبعض السكان مبانيَ ثابتة في قرية يطة المجاورة، وعليه لا يمكنهم الادعاء بأن إقامتهم في"منطقة النار"هي إقامة ثابتة، والثاني أنهم لم يقيموا في المنطقة في الثمانينات عندما أُعلنت"منطقة نار"إنما أقاموا في شكل موقت، والثالث أن منطقة النار حيوية للغاية للجيش وتدريباته، وأن منع الجنود المتدربين من استخدامها سيتسبب في إرسالهم إلى مناطق أبعد ما يمس بتدريباتهم. وكان الجيش ادعى سابقاً أن بقاء سكان القرى فيها وعدم هدم المباني العامة"غير القانونية"قلّصا من تدريبات الجيش في المنطقة، خصوصاً بالذخيرة الحية،"ما انعكس في أدائه تجلت مظاهره خلال الحرب الأخيرة على لبنان عام 2006. كما ادعى أنه يخشى أن يقوم مواطنون يقيمون بمحاذاة"منطقة النار"بجمع معلومات استخباراتية عن تدريبات الجيش والوسائل القتالية التي استخدمت و"استغلالها لعمليات تخريبية". تنكيل المستوطنين ونشرت صحيفة"هآرتس"أخيراً تقريراً مطولاً عن معاناة سكان القرى في منطقة الخليل، سواء من الجيش أو من المستوطنين الذين أقاموا في السنوات الأخيرة الكثير من البؤر الاستيطانية غير قانونية على أراضيهم ابتلعت كروم زيتون وسهول حنطة. وتحظى هذه البؤر بدعم حكومي غير معلن ويرتع فيها غلاة المتطرفين الذين يتعرضون يومياً لسكان القرى وأطفالهم وهم في طريقهم إلى المدرسة، ولا يتورعون عن تدمير حقولهم الزراعية وقتل ماشيتهم. وأشار التقرير إلى لجوء الجيش والشرطة إلى أساليب مضايقة لحمل الفلسطينيين على الرحيل، مثل إغلاق كل الشوارع المحيطة بمنطقة النار في وجه مركباتهم، ما يضطرهم إلى قطع مسافات مضاعفة للوصول إلى المدارس أو حقولهم. واشتكى عدد من السكان قيام سلطات الاحتلال بتحرير مخالفات سير باهظة الثمن أو حتى بمصادرة سياراتهم بداعي أنها سارت في طريق مغلقة أمامهم، أو أن صاحبها قام بضخ مياه الشرب من الآبار في الساعات غير المحددة لذلك. وقال أحد السكان للصحيفة:"كل رعاية قطيع تنتهي بصدام عنيف مع المستوطنين، وكل مشوار لسحب المياه من الآبار تنتهي بمخالفة سير بمبلغ مالي كبير... الجيش يهدم البيوت ويسد الآبار". وأضاف:"أقول لأحد الضباط الذي وصفنا كالفئران يطردونهم فيعودون... إننا باقون هنا... نحن مزروعون هنا منذ أجيال، منذ مئات السنين... نموت هنا ولا نرحل". يذكر أخيراً أن مشكلة سكان المغر تستأثر باهتمام جمعيات إنسانية وحقوقية يسارية في إسرائيل، وأخرى في العالم. كما تدخّل الاتحاد الأوروبي في أكثر من مناسبة ليخفف من وطأة ممارسات الاحتلال. وهناك ناشطون حقوقيون يعيشون مع السكان ويرافقونهم في قضاياهم اليومية.