بعدما أمضى الفنان المصري جورج البهجوري عطلة باريسية طويلة، عاد إلى القاهرة ليجد الأمور كما تركها. البلد في خضم عهد جديد بكل نوازعه ومشكلاته، وشعلة الثورة لا تزال متأججة ومستمرة، وشجونه التي أودعها لوحاته تتقاطع مع ما يحدث حوله. تستضيف قاعة"المسار"في القاهرة أحدث أعماله، تحت عنوان"حوار العقل والروح"حتى 20 من الشهر المقبل. تتمسك لوحاته التي يقدمها بالأمل كما يقول، محاولاً بث روح الطمأنينة في نفوس المصريين مجدداً. وتذكّر أعماله بالزمن الجميل، حين كانت تصدح معشوقته التي لا يمل من رسمها"كوكب الشرق"بصوتها الشجي. يتذكر البهجوري، ويُذكّر متابعيه، بالفرح والغناء والرقص على نغمات الموسيقى الشعبية في مشاهد تتوالى على المخيلة وتفرض بناء درامياً يميل إلى التفاؤل والبهجة. ثمة خيط رفيع في المعرض، يقفز من لوحة إلى أخرى، بألوان متعددة ومتشابكة تعبر عن الروح المصرية. التقط البهجوري هذه الروح ولخصها في قصاصات الخيامية التي فرضت نفسها على المشهد. والخيَامية فن مصري يعتمد على التشكيل بقصاصات القماش والخيوط، ويرجع إلى العصر المملوكي، وهو أشبه ما يكون بفن الفسيفساء. قطعة الخيامية التي نلمحها في لوحات البهجوري لها مغزى، خصوصاً هذه الأيام، فهي تشبه الوطن بأطيافه وأحزابه وتياراته ومعتقداته وثقافاته. لا تستطيع أن تنزع أياً منها، ولا أن تهمش أحدها، لأنه أمر مخالف لطبيعة الأمر. مصر تشبه قطعة الخيامية التي يرسمها البهجوري وعلينا أن نتقبل ذلك، فمن دون هذا لا نستطيع التعايش. اختار البهجوري لمعرضه عنوان"حوار العقل والروح"، وهو يحتفل من خلاله بالثورة ولسان حاله يقول:"هنا ثورة لم تكتمل بعد... لكنها ستكتمل على كل حال، فالأمل ما زال معقوداً على الشباب والمستنيرين حتى تعود إلى مسارها السليم". يُعرف البهجوري، وهو أحد أكثر الفنانين المصريين شهرة، بأسلوبه الذي يعتمد على تداخل المساحات والخطوط التي تتقاطع وتتحرك في مساحة اللوحة من اليمين إلى اليسار، ومن الأعلى إلى الأسفل، وهو أسلوبه الذي يتبعه في رسم الشخوص بالأبيض والأسود. خط واحد مستمر، لا يتوقف حتى تكتمل المساحة وتتحدد الملامح. ويستخدم الفنان في لوحاته الملونة الأساليب أو الخامات التي يراها مناسبة للعمل، كطريقة"القص واللصق"، أو غيرها من الأساليب التي تتواءم مع طريقته في تناول اللوحة. يقدم في معرضه أفراح الناس في وقت تنتشر غمامة من الأسى والحزن في سماء الوطن. ولعل أصداء لوحاته وهمهمات شخوصه وإيقاع موسيقاه تجد طريقها بعد حين إلى الشوارع والميادين، لتتحول تلك الألوان المُفعمة بالمرح والسعادة إلى واقع يغير شيئاً من تلك الأجواء المشحونة التي يعيشها المصريون. ولد البهجوري في قرية بهجورة قرب مدينة طيبة الأقصر، واشتهر في الصحافة المصرية والعربية كرسام كاريكاتور. ولم يتوقف عن إنتاج اللوحات الزيتية في مصر والمهجر. يستلهم أسلوبه من الأيقونات القبطية وفنون التراث عموماً. ويعبّر في لوحاته عن الاطفال والزحام والاحياء الشعبية. واتجه في السنوات الأخيرة إلى التبسيط والتركيب الكولاج.