تسير باكو على خطى طشقند في منطقة جنوب القوقاز في محاولة ابتزاز موسكو، إذ أعلنت وزارة الخارجية الأذربيجانية عن توقف روسيا عن تشغيل محطة الرادار قرب مدينة غابالا الأذربيجانية، ويُعتقد أن روسيا أقدمت على هذه الخطوة رداً على مطالبة أذربيجان بزيادة قيمة الإيجار. ويأتي ذلك بعد الصفعة المؤلمة التي تلقتها موسكو في قلب آسيا الوسطى، من أوزبكستان، والتي تمثلت بانسحاب الاخيرة من"منظمة الأمن الجماعي"، المنظمة الروسية الولاء والتوجهات، وبات من الواضح أنّ ارتباك السياسة الخارجية الروسية غير مقتصر فقط على المواقف الروسية الأخيرة من ليبيا وصولاً الى سورية. وأكدت وزارة الخارجية الأذربيجانية إن روسيا توقفت عن تشغيل محطة الرادار قرب مدينة غابالا الأذربيجانية، وذكرت في بيان أن الطرف الأذربيجاني أبدى استعداداً لمواصلة التعاون من أجل استمرار روسيا في تشغيل محطة الرادار، غير أن الطرفين لم يتمكنا من الاتفاق على قيمة إيجارها. وتدفع روسيا حالياً 7 ملايين دولار أميركي إلى أذربيجان سنوياً لاستخدام الرادار القادر على رصد أجواء وأراضي إيران وتركيا والهند والشرق الأوسط والمحيط الهندي، وجزءاً من أستراليا، ويستطيع اكتشاف صواريخ ذات رؤوس نووية تنطلق من هذه الأراضي وتحديد اتجاهها. ودخل رادار"غابالا"، أو مركز المعلومات"داريال"وفق مصطلحات الجيش الروسي، الخدمة في العام 1985 وكان جزءاً من شبكة الإنذار المبكر السوفياتية. والجدير ذكره أن الاتفاقية التي تستأجر روسيا بموجبها هذا الرادار ينتهي مفعولها في عام 2012. وأبدت وزارة الدفاع الروسية الرغبة في تمديد هذه الاتفاقية، إلا أن أذربيجان اشترطت للموافقة، زيادة قيمة الإيجار إلى 300 مليون دولار في السنة، وقال مسؤول أذربيجاني إن أذربيجان كانت تحافظ على قيمة إيجار"رمزية"ولكنها لا تستطيع أن تستمر في المحافظة على هذا الإيجار، وذكرت صحيفة"كاميرسانت"الروسية نقلاً عن مصدر في وزارة الدفاع الروسية قوله"إن هذا المبلغ كبير جداً"وسنسعى إلى تقليصه إلى حد معقول. وكانت روسيا اقترحت على الولاياتالمتحدة الأميركية في عام 2007 أن تستخدم هذا الرادار بدلاً من إنشاء الرادار الجديد في أوروبا، كإحدى منشآت منظومة الدرع الصاروخية التي يجب أن تحمي أوروبا وأميركا من صواريخ إيرانية افتراضية، ولم تتحمس واشنطن لقبول ذلك الاقتراح في بادئ الأمر، ثم أعادت النظر في موقفها وقالت إنها تدرس إمكانية ضم الرادار الروسي في أذربيجان إلى الشبكة الدفاعية المضادة للصواريخ المزمع إقامتها في وسط أوروبا. ويذكر أن الجانب الأذربيجاني أبدى استعداده لمواصلة التعاون مع وزارة الدفاع الروسية بشروط جديدة، وأوضح مصدر عسكري أذري أن بلاده تريد فقط رفع بدل الإيجار، وكان من المفروض أن تنتهي وزارتا دفاع روسياوأذربيجان من إعداد اتفاقية جديدة للتعاون في منتصف آب أغسطس من العام الماضي. واعتبر بعض المراقبين قرار باكو إعادة النظر في شروط إيجار الرادار بمثابة رد على تمديد فترة تواجد قاعدة عسكرية روسية في جمهورية أرمينيا المجاورة حتى العام 2044، ونفى المار ماميدياروف، وزير الخارجية الأذربيجاني، ذلك، مشيراً إلى أن الاتفاقية التي تستأجر روسيا بموجبها الرادار في بلاده، ستنتهي في العام 2012، وأكد ضرورة بحث مسألة تمديدها. وارتفعت أهمية رادار"غابالا"في الآونة الأخيرة، بعدما رفضت روسيا خطط حلف شمال الأطلسي لإقامة شبكة مضادة للصواريخ في أوروبا قرب الحدود الروسية، وبسبب ذلك يتوقع وزير جعفروف، الخبير العسكري الأذربيجاني، أن تبذل روسيا كل ما في وسعها للاحتفاظ برادار"غابالا". وصرح الجنرال أوليغ أوستابينكو، نائب وزير الدفاع الروسي، إن توقف روسيا عن استئجار محطة رادار قرب مدينة غابالا الأذربيجانية لن يؤثر سلباً على أمن روسيا، وأوضح أن القوات المسلحة الروسية تملك محطة رادار أخرى أكثر تطوراً تقنياً في ضاحية مدينة أرماوير في جنوب البلاد تستطيع تغطية المجال الذي كانت تراقبه محطة غابالا. ويرى مراقبون أن نزاع أذربيجان مع جارتها أرمينيا أهم أسباب تأخر الاتفاق حول تمديد استخدام روسيا لرادار"غابالا"الاستراتيجي، حيث تعتبر روسيا من أهم رعاة المساعي المبذولة لإنهاء النزاع الأرمني - الأذربيجاني في جنوب القوقاز، وقد عرض الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف وثيقة المبادئ الأساسية لحل النزاع على الرئيسين الأرميني سيرج سركسيان والأذربيجاني الهام علييف، عندما اجتمع معهما في مدينة قازان الروسية في 24 حزيران يونيو 2011، ولم يشهد اجتماع قازان توقيع الوثيقة، وفشلت القمة بالخروج بنتائج ملموسة. وبدأ النزاع على خلفية انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينات من القرن الماضي عندما أعلن إقليم قره باخ ذو الغالبية الأرمينية انفصاله عن أذربيجان، وحاولت الحكومة الأذربيجانية استعادة الإقليم بالقوة لكنها فشلت، وأعلن أرمن الإقليم الذين حظوا بتأييد أرمينيا، إقامة جمهورية مستقلة في إقليمهم، وما زال قادة أذربيجان يأملون في استعادة الإقليم.