كم شخصاً تعرفه في محيطك، لا وظيفة له، ولا نشاط تجارياً رسمياً صغيراً أو كبيراً، ولا أسرة ثرية تنفق عليه، لكنه يعيش مثلك، ربما أفضل منك، يطلب رزقه يميناً ويساراً، يضرب في الأرض، يعيش مبدأ «التسبب» بحذافيره، وربما تراه مرتاح الخاطر، لا يحمل هم أن ترثه مصلحة معاشات التقاعد، أو تحرمه التأمينات الاجتماعية جهد عمره لنقص شهر أو شهرين. طلب الرزق بالوظيفة شاع أكثر من طلبه بمبادئ «طلب الرزق»، لن أتحدث بمقدمات وأفكار نظرية جميلة، سأورد قصة صغيرة من الواقع كما رواها لي صاحب مشروع صغير للديكور وفيها دروس وعبر، وأمثلة عملية واقعية لطلب الرزق. يقول الراوي إنه بدأ نشاطاً صغيراً لتصميم وتنفيذ الديكورات السكنية والتجارية، استعان بمهندسين متفرغين على كفالته، وبدأ العمل ووجد السوق رحباً، والأعمال لمن يكدح قليلاً مزدهرة، والفرص واعدة. كان بعض عملائه يطلبون منه توفير أشياء لا علاقة له بها مثل توفير عمال للبلاط، أو الدهانات، بل بعضهم يطلب تنفيذها، ولأنه جديد في السوق إجمالاًَ، وفي سوق المقاولات على وجه التحديد احتار في أمره، وكان ينفذ أو ينسق للتنفيذ بأسعار أعلى من المعدل المعروف رغبة في إرضاء عملائه، ووضع قدماً له في السوق. ظل كذلك بضعة أشهر حتى أتاه شاب عربي يعرض عليه خدماته المتمثلة في أنه مقاول بلاط فقط لا غير، وشدد عليها على حد تعبيره، وبدأ يتعامل معه، ووجده نشيطاً دقيقاً، ثم توطدت العلاقة فسأله عن مؤسسته أو مقره أو رأسماله أو عماله، فأخبره أن رأسماله هو سيارته القديمة ووقته!. هذا الشاب العربي يجول بين المقاولين ومنفذي المشاريع والديكور عارضاً خدماته، وإذا اتفق معهم على مشروع بسعر المتر مثلاً بعشرة ريالات، يبدأ في البحث عن «مبلطين» ينفذون بتسعة أو ثمانية ريالات، وغالباً يجد، لماذا؟ لأنه تخصص في البلاد، وهو يعرف تقريباً معظم من يعمل في هذه المهنة، ولديه قاعدة بيانات على طريقة الشركات، ممثلة في أسماء وأرقام هواتف فقط، وكلما حصل على مشروع بدأ في البحث الميداني والاتصالات، حتى يحصل على مراده. سأله من يروي لي، لماذا لا يتوسع في أشياء أخرى؟، فأفاده أن تخصصه سر قوته، وأن الجميع يعرفه بذلك، ولا يستطيع عملياً المحافظة على تميز سرعته وعلاقاته إذا أُدخل مهن أخرى. السؤال الذي «يطنطن» الآن في رؤوسكم، كما فعل بي سألته بالطبع: كم دخله التقريبي؟ فقال إنه بين 10 إلى 15 ألف شهرياً، وأتوقع أنه لم يصْدق صاحبي حتى لا يضغط عليه في الأسعار، وأن الرقم هو بين 15 إلى 20 ألف شهرياً. هذا اسمه طلب الرزق، وأضيف أنه طلب بموارد متاحة، هو لا يجيد التصميم، ولا يعرف كيف يركب بلاطة واحدة ، لكنه سعى في الأرض ومشى في مناكبها. [email protected] Twitter | @mohamdalyami