على رغم أن التوجه الإسلامي الذي تبنته الشعوب العربية إبان اختياراتها في الانتخابات التي شهدتها مؤخراً العديد من الدول العربية - ومن بينها مصر وتونس - يميل إلى الفكر الرأسمالي والذي يراه البعض متعارضاً مع مفهوم العدالة الاجتماعية، إلا أن الطبيعة الثورية للتغيير التي تعد أهم سمات الربيع العربي دفعت باتجاه التيارات الإسلامية باعتبار أنها كانت التيارات الأكثر معارضة للأنظمة السابقة، إضافة إلى ما تعرضوا له من اضطهاد لعقود طويلة. ولكن ظلت العدالة الاجتماعية الهدف الأسمى للثورات العربية، وهو ربما ما دفع حزب النهضة الإسلامي في تونس نحو اختيار رئيس اشتراكي للبلاد لتحقيق قدر من التوافق، يمكن من خلاله طمأنة الشعب التونسي الثائر. ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى التظاهرات الأخيرة التي أعرب فيها العديد من التونسيين عن رفضهم للسياسات التي يتبناها حزب النهضة التونسي الحاكم ذو المرجعية الإسلامية. أما البعد القومي فيعد هو الآخر أحد أهم العوامل التي أدت إلى التحول الذي يشهده العالم في هذه الآونة. فلو نظرنا إلى كل من المجتمعين الفرنسي والمصري نجد أنهما اتسما خلال السنوات الماضية بالتبعية الكاملة للولايات المتحدة الأميركية في العديد من القضايا الدولية، على رغم أن كلاً منهما تمتعا باستقلاليتهما الكاملة لفترات طويلة. فلو نظرنا إلى الفرنسيين - كنموذج للمجتمعات الغربية - نجد أنهم لعبوا دوراً تاريخياً كبيراً في تحقيق الوحدة الأوروبية. يبدو أن ابتعاد ساركوزي من المشروع الأوروبي كان سبباً رئيساً في تراجع الدور الفرنسي على المستوى الدولي، وبالتالي خسارته للسباق الرئاسي الأخير أمام المرشح الاشتراكي. في حين أن مصر كانت رائدة الفكر القومي العربي لعقود طويلة من الزمن، بخاصة خلال عهد عبد الناصر، إلا أنها تخلت عن هذا الدور تماماً - وفقاً لما يراه العديد من المتابعين والمحللين - منذ إقدام الرئيس الراحل أنور السادات على توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل العام 1979، وهو ما أدَّى إلى تحييد الدور المصري، وظهور قوى إقليمية جديدة تسعى لسدِّ الفراغ الذي ترتب على غياب الدور الإقليمي الذي كانت تلعبه مصر من قبل. ربما يكون صعود تيار الإسلام السياسي في العديد من الدول العربية، بعد ثورات العام الماضي، كان دافعاً مهماً لقطاع كبير من المصريين لاختيار المرشح الإسلامي ليكون أول رئيس لمصر منذ اندلاع الثورة المصرية في العام الماضي، ربما ليتمكن من توحيد الأجندة العربية في التعامل مع العديد من القضايا الدولية الإقليمية خلال المرحلة المقبلة. من ناحية أخرى، كان توجه المجتمعات الغربية نحو أحزاب اليمين المتطرف المعادي للإسلام خلال العقد الأول من القرن ال21، منذ أحداث 11 أيلول سبتمبر، سبباً رئيساً في زيادة التطرف الديني في أوروبا، وظهور ما يسمى ب"الإسلاموفوبيا"، وبالتالي مزيد من التفكك المجتمعي، وهو ما دفع الفرنسيين خلال الانتخابات الأخيرة نحو التوجه إلى التيار اليساري المعتدل، رغم ما تبناه المرشحون اليمينيون - ومن بينهم ساركوزي - من شعارات معادية للإسلام. أما على مستوى دول الربيع العربي، فقد كان التوجه نحو الإسلام السياسي نتيجة للرغبة الجامحة في الخروج من عباءة الأنظمة السابقة، وهو ما ظهر بجلاء في الانتخابات الرئاسية في مصر، خصوصاً أن جولة الإعادة شهدت تنافساً بين المرشح الإسلامي وأحد المنتمين للنظام الذي أطاحت به الثورة. إلا أن الانتخابات المصرية شهدت انخفاضاً كبيراً في شعبية التيارات الدينية إذا ما قورنت بنتيجة الانتخابات البرلمانية والتي شهدت اكتساحاً إسلامياً غير مسبوق، وهو ما يعني أن أداء البرلمان الإسلامي في مصر لم يرق إلى مستوى طموحات المصريين. من هنا نجد أن أسباب التحول الذي يشهده العالم في هذه الآونة، ربما تتشابه إلى حد كبير، إلا أن الاختلاف الرئيسي في هذا الصدد يتمثل في طبيعة التحول التي تتسم بثوريتها في الشرق، بينما تتسم بديموقراطيتها في الغرب. إلا أن ثورية التغيير في الشرق قد تهدد بحالة من عدم الاستقرار خلال المرحلة المقبلة، إذا ما لم يتمكن القادة الجدد من تحقيق طموحات شعوبهم، في حين أن الصندوق وحده سوف يبقى حاكماً لعملية التغيير في الغرب. * كاتب مصري