في أواخر أيار مايو الماضي وبمبادرة من مركز أبحاث الأمن القومي في إسرائيل، ألقى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يدلين، محاضرة جاء فيها إنه"عندما تحين لحظة اتخاذ القرار في الشأن الإيراني، فإن توجيه ضربة عسكرية لإيران، هو أقل خطراً على إسرائيل من امتلاك إيران القنبلة الذرية". هذا الموقف يدعم موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الذي يرفض أي تسوية ديبلوماسية في الشأن الإيراني، وذلك خلافاً للمواقف المعلنة لعدد من كبار رؤساء الأجهزة الأمنية في إسرائيل، وفي مقدمهم رئيس الموساد السابق، مئير داغان، الذي حذر غير مرة من مخاطر اعتماد الخيار العسكري ضد إيران على إسرائيل، وحذر من حرب إقليمية لا تُعرف نتائجها، كما وصف توجيه ضربة عسكرية لإيران بأنه أغبى فكرة سمعها، وانضم إليه رئيس جهاز الشاباك السابق، يوفال ديسكين، الذي أعلن هو الآخر معارضته العملية العسكرية، وقال إنه لا يثق بنتانياهو ولا بوزير الأمن، إيهود باراك. وانسجاماً مع موقف يدلين هذا، أعلن نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير المخاطر الاستراتيجية، الجنرال موشيه يعلون، أنه يفضل أن تدفع إسرائيل الثمن الباهظ للحرب مع إيران على السماح لطهران بامتلاك قدرات نووية عسكرية. وقال في مقابلة مع صحيفة"هآرتس"إن هذا الأمر"واضح لي وضوح الشمس، وإن ساعة رمل المواجهة مع إيران تواصل النفاد". ولا يكتفي يعلون بموقفه هذا من إيران بل يطلق تصريحات بالغة التشاؤم تجاه التسوية مع الفلسطينيين والعرب. ورداً على سؤال حول تقويمه احتمالات الحرب في العام المقبل، قال يعلون:"إن أرجحية هجوم مبادر به على إسرائيل متدنية. ولا أرى ائتلافاً عربياً مسلحاً من أخمص قدميه إلى قمة رأسه يعسكر على حدودنا، لا هذا العام ولا في العام المقبل ولا حتى في المستقبل المنظور". وعلى رغم ما سمّاه"ميول الأسلمة"في الشرق الأوسط، ففي رأيه أن"إسرائيل تحظى بأمن وهدوء نسبيين على طول الحدود. ولكن التحدي الرقم واحد هو التحدي الإيراني. وإذا هاجم أحد إيران، فمن الجلي أنها ستعمل ضدنا. وإذا قرر أحد، بغض النظر عن ماهيته، العمل بشكل عسكري ضد المشروع النووي الإيراني، فإن الاحتمالات عالية أن ترد إيران بالعمل ضدنا وتطلق صواريخ على إسرائيل، وهناك احتمال عال بأن يعمل"حزب الله"وجهات إسلامية في قطاع غزة ضدنا، وهذا الاحتمال قائم وينبغي لنا الاستعداد لمواجهته". اعتبارات اسرائيلية في الاتجاه ذاته صوّب البروفيسور زاكي شالوم، من معهد دراسات الأمن القوميّ، التابع لجامعة تل أبيب، بالقول إنّ كلّ من شارك وتابع أعمال المؤتمر الذي نظمه المعهد أواخر الشهر الماضي ساد لديه الانطباع بأنّ إسرائيل تقترب أكثر من أيّ وقت مضى، من اتخاذ القرار المصيريّ في الملف النوويّ الإيرانيّ، وأنّ ساعة الصفر تدور بسرعة فائقة للغاية، لافتاً إلى أنّ تصريحات رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو والوزير موشيه يعلون ووزير الأمن إيهود باراك، وحركة أجسامهم عند الحديث، لا تترك مجالاً للشك بأنّ ساعة الصفر، باتت قريبة جداً، على حد قوله. أضاف شالوم في الدراسة التي نُشرت على الموقع الالكتروني للمعهد، أنه يستشف من خلال تصريحات المسؤولين الثلاثة، الاعتبارات المركزيّة التي تدور خلف الكواليس لدى الحكومة الإسرائيليّة، قال إنّ الاعتبار الأول أنّ الجهود المبذولة في السنة الأخيرة لثني إيران عن مواصلة برنامجها النوويّ بواسطة المزيد من العقوبات الاقتصاديّة باءت بالفشل، كما أنّ المفاوضات بين طهران والدول العظمى فشلت، بالإضافة إلى ذلك، أشارت الدراسة، إلى أنّ الأعمال السريّة التي تُنفذ ضدّ إيران لم تعد بالفائدة، إذ أنّ القيادة الإيرانيّة واصلت مشروعها النوويّ، مشيراً إلى أنّ صنّاع القرار في تل أبيب لا يُعوّلون على المفاوضات ولا على العقوبات، ذلك أنّ القيادة في طهران ترى في المشروع النوويّ مصلحة وطنيّة من الدرجة العليا، وبالتالي فإنّ النظام الحاكم هناك على استعداد لدفع ثمن باهظ من أجل إكمال المشروع. أمّا الاعتبار الثاني، وفق شالوم، فيؤكد لصنّاع القرار في تل أبيب أنّ المفاوضات الجارية مع إيران، او تلك التي ستُجرى قريبًا، لن تُغيّر الصورة، لأنّ أيّ طاقم دوليّ يضم روسيا والصين، من الصعب، إنْ لم يكن مستحيلاً، أنْ يتخذ قرارات بعيدة المدى ضدّ إيران، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الجدول الزمنيّ للرئيس الأميركيّ باراك أوباما، واقتراب موعد الانتخابات، يدفعانه إلى عدم تأجيل القرار النهائيّ لحسم القضيّة، مشيراً إلى أنّه تحت غطاء المفاوضات تواصل طهران برنامجها النوويّ. أما الاعتبار الثالث الذي يُحرّك الحكومة الإسرائيليّة، فهو، بحسب شالوم"خيبة أمل تل أبيب من إدارة البيت الابيض الأزمة، وتحديداً الرئيس أوباما، ذلك أنّ هناك بوناً شاسعاً، بحسبها، بين التصريحات المتشددة للإدارة الأميركيّة وبين ما يجري خلال المفاوضات". أما الاعتبار الرابع لدى الحكومة الإسرائيليّة، فهو أنّ عامل الزمن بات مهماً للغاية، ذلك أنّ مرور وقت طويل من دون اللجوء إلى ضربة عسكريّة لتدمير البرنامج النوويّ الإيرانيّ، يجعل من التأخير مهمة صعبة للغاية، في حال اتخاذ القرار بتوجيه الضربة، لافتاً إلى أنّ وزير الأمن، إيهود باراك، كان قد حذّر من وصول إيران إلى ما أطلق عليه اسم"منطقة حماية"، الأمر الذي سيُصعّب على إسرائيل تنفيذ الضربة، أوْ حتى يمنعها من توجيه الضربة. وخلصت الدراسة إلى القول إنّ إسرائيل لا يمكنها بأيّ حال من الأحوال الاعتماد على التعهدات الأميركيّة، فعامل الوقت في تل أبيب يختلف كلياً عنه في واشنطن، وخلص إلى القول إنّه في ضوء المعطيات التي ساقها، ستستصعب اسرائيل الانصياع للمطالب الأميركيّة، أيْ عدم اللجوء إلى الخيار العسكريّ، على حد قوله. وعلى غرار قادة إسرائيليين آخرين، كان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قد انضم باكراً، إلى جوقة الذين يصرحون ويلمحون إلى أن إسرائيل لا تستبعد الخيار العسكري ضد طهران. وأعاد إلى الأذهان عقيدة الردع النووي الإسرائيلي، حين أشار الى ان العقيدة التي يطلق عليها"الغموض المقصود"لاسرائيل في المجال النووي، تشكل وسيلة ردع"فاعلة"ضد طهران. وتتمثل هذه العقيدة بالنسبة لاسرائيل، التي لم توقع على معاهدة عدم الانتشار النووي، في عدم تأكيد أو نفي امتلاكها ترسانة نووية. واستناداً الى خبراء اجانب، فإن اسرائيل تملك ما بين 200 الى 300 رأس نووي من انتاج مفاعل ديمونا في صحراء النقب جنوب اسرائيل. وتؤكد اسرائيل ان موقع ديمونا الذي بني قبل اكثر من 40 سنة، ليس سوى"مركز ابحاث". وانسجاماً مع"الغموض الإسرائيلي"، قال بيريز"لدى اسرائيل قدرات ردع، حقيقية ام غير حقيقية. لا احد يعلم تحديداً ماذا يوجد في ديمونا، لكن يجب ان اقول ان تخيلات وشكوك دول الشرق الاوسط في هذا الشأن، تكسب قوة الردع الاسرائيلية فاعلية كبرى". وأكد ان"قرار اسرائيل اتباع سياسة الغموض طوال هذه السنوات كان قرارا ذكيا". اختبار ايراني على الطرف الآخر، وإذ تسعى طهران إلى اختبار قوتها العسكرية، كقوة ردع تقليدية تعتدّ بها الآن، وقبل الوصول إلى لحظة القنبلة النووية، فإنها وفي أعقاب الانسحاب الأميركي من العراق، تريد قياس مدى ردود الفعل الأميركية على بدء التصرف الإيراني كقوة إقليمية مهيمنة، أو تسعى إلى المزيد من الهيمنة في المنطقة، وهو قياس يعود إلى نية إيرانية بتفحص موازين القوى، وما إذا كانت واشنطن سوف تسلم لطهران بدور إقليمي متفق عليه، أو يمكنه تجاوز الحد المسموح به عالمياً وأميركياً تحديداً، ولكن، في هذه المعمعة، يبقى الموقف الإسرائيلي الضاغط على واشنطن هو ما يمكن أن يخرج موقفاً أميركياً في النهاية، ينحاز إلى النوايا والهواجس الإسرائيلية. ومهما يكن من أمر، فإن الإسرائيليين لا يعدمون التعبير عن فقدانهم الثقة بالرئيس الأميركي، فحتى لو اخذ على عاتقه شن ضربة عسكرية ضد النووي الإيراني، يبقى توجسهم الأساس يدور حول الثمن الذي يمكن أن تطلبه واشنطن على صعيد المفاوضات والتسوية في المنطقة، وهي كلفة ليست حكومة اليمين المتطرف بزعامة نتانياهو بصدد تحملها كنوع من المقايضة، فهل تفعلها إسرائيل وتشن ضربتها الموعودة، قبل أن يتمكن الأميركيون من فرض"قواعد لعبة"لا يريد الإسرائيليون الدخول في بازار دفع الثمن الذي يتوجب عليهم دفعه في سياقها؟ ماذا بعد كل هذه الهبات الساخنة والباردة؟ هل هو توزيع أدوار بين إسرائيل والولايات المتحدة، وفي السباق بين الجهود الديبلوماسية و"نوايا"شن ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية؟، مع أن كل الأطراف تدرك مسبقاً أن العمل العسكري لن يستطيع تدمير كامل القدرات والإمكانات النووية، بل ربما يجري إعاقتها لفترة زمنية محددة، يعيد الإيرانيون بعدها استئناف ما فاتهم وبأسرع من السابق. فهل يرعوي أنصار الضربة العسكرية، فيعيدون حساباتهم ويعودون إلى رشد التسوية وحكمتها؟ * كاتب فلسطيني