رفضت أحزاب إسلامية تزكية نتائج الإنتخابات التشريعية التي أُجريت الخميس الماضي في الجزائر، ونعتت"الفوز الكاسح"للحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، ب"المسرحية"التي ستؤدي إلى"تأجيل الربيع الجزائري". لكن تربّع جبهة التحرير الوطني على القمة السياسية لولاية جديدة، لاقى ترحيباً دولياً بدا أنه يزيد من حنق الأحزاب المعارضة على النتائج. وخلّف إعلان فوز جبهة التحرير ب 220 مقعداً برلمانياً من أصل 462، ردود فعل متباينة داخل الطبقة السياسية الجزائرية. وقال مراقبون إن نتائج الانتخابات تمثّل إعلان فوز"دعاة الإستمرارية"على حساب"دعاة التغيير". ولم يسبق لجبهة التحرير أن حققت نتيجة بهذا المستوى، وهي كانت قد حققت في انتخابات 2002 أكبر نتيجة في تاريخها منذ فتح المجال السياسي أمام التعددية قبل عقدين، عندما فازت ب 199 مقعداً فقط كان حجم البرلمان أصغر من حجمه"الموسّع"الحالي. وأفاد عبدالعزيز بلخادم، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، مباشرة بعد إعلان نتائج فوز حزبه في التشريعيات، أن"النتيجة تعني حصولنا على غالبية مريحة تسمح لنا أن نتباهى أمام كل من ظن أن هذا الحزب مآله الزوال على غرار بعض دول الربيع العربي". وتابع:"الجزائريون صوّتوا للأمان والحزب الضامن". وقال إن النتائج تعني أيضاً أن الجزائريين فضلوا"استمرار سيادة عُززت بسياسة إقتصادية واجتماعية حتى لو عرفت بعض النقائص في الإنجاز". لكن"تكتل الإسلاميين"الذي يضم أحزاب حركة مجتمع السلم والنهضة وحركة الإصلاح الوطني، رفض تزكية النتائج. وقال أبو جرة سلطاني زعيم حركة مجتمع السلم إن"ربيع الجزائر لم يُلغ لكنه أُجّل". وتابع:"هذا الربيع ما زلنا لا نريده أسود أو أحمر". وانتشرت إشاعات كثيرة في الجزائر في أعقاب إعلان النتائج عن استعداد"الإسلاميين"للخروج إلى الشارع للتظاهر. لكن حركة مجتمع السلم سارعت إلى نفي هذه الأنباء، مشيرة إلى أن موقعها على شبكة الإنترنت الذي أثار البلبلة"تعرض للقرصنة". وقالت:"الحركة تفنّد كل الأخبار التي تم ترويجها بشأن نزولنا إلى الشارع لإلغاء نتيجة الاقتراع .. ونؤكد تعرض موقع الحركة على الانترنت للقرصنة". وعلق المعارض الإسلامي عبدالله جاب الله، رئيس"جبهة العدالة والتنمية"التي حازت على سبعة مقاعد فقط، بالقول إن الإنتخابات كانت"مسرحية كبيرة". وقال:"لا يمكن التعليق على الأمر لأنها لم تكن انتخابات أصلاً". وفي الإطار نفسه، قال رئيس"جبهة التغيير"عبدالمجيد مناصرة إن الانتخابات التشريعية"مزورة"وإن"البرلمان الجديد يشبه برلمان حسني مبارك"في مصر. وتابع أن"فوز جبهة التحرير لا يعبّر عن حجمه الحقيقي في الشارع خاصة وأن هذا الحزب حقق نتيجة كبيرة في ظل انقسامات كبيرة يعيشها"، وكان يقصد بذلك حركة إنشقاقات كانت عشية الانتخابات تعصف بصفوف جبهة التحرير نتيجة مطالبة عشرات القياديين الأعضاء في اللجنة المركزية بإقالة الأمين العام بلخادم. ولم ترض النتائج أيضاً زعيمة حزب العمال لويزة حنون التي قالت أمس بصريح العبارة:"لقد انقلبوا على الإرادة الشعبية". وأفيد أن"تكتل الجزائر الخضراء"طلب من حنون تنسيق المواقف في الأيام المقبلة، وإنها وافقت على هذا الطلب على رغم"خصومة"حزبها اليساري مع الإسلاميين. ووصف المسؤول السابق في الاستخبارات الجزائرية الذي يعمل حالياً كاتباً ومحللاً سياسياً محمد شفيق مصباح نتائج الانتخابات بأنها"تشكّل خطراً كبيراً على استقرار البلاد"، في إشارة إلى خيبة أمل كثيرين من عدم حصول"تغيير"في ضوء الإصلاحات التي باشرتها السلطة العام الماضي. وكان وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية فسّر الجمعة العدد الكبير من مقاعد المجلس الشعبي الوطني التي عادت إلى جبهة التحرير 220 مقعداً والتجمع الوطني الديموقراطي 68 مقعداً، ب"خوف الشعب من الارتجال والمغامرة". ووصف النتيجة العريضة التي حصل عليها هذان الحزبان ب"الانتخاب الملاذ"، أي أن الناخبين الجزائريين تعاملوا مع الحزبين على أنهما ملجأ آمن في مقابل المجهول الذي يمكن أن يأتي مع أحزاب أخرى. ويتوافق التصريح مع توجهات فعلية لدى النخب الحاكمة التي ترى في أي تغيير قد تشهده الجزائر في المرحلة الحالية"مغامرة كبيرة". ويروّج قطاع واسع من أحزاب السلطة لمصطلح"الإستمرارية"الذي ترافق وحملات الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الرئاسية في العامين 2004 و2009. وسجّلت الأحزاب التي تأسست حديثاً"نكسة"كبيرة بعد إعلان النتائج، إذ لم تحقق غالبيتها أكثر من مقعد واحد. لكن عمارة بن يونس رئيس"الحركة الشعبية الجزائرية"نجح في تحقيق ستة مقاعد، ويُعتقد أنه يمكن أن يُعرض عليه منصب وزير. وفي ردود الفعل، أعلنت الحكومة الفرنسية ارتياحها لكون الاقتراع في الجزائر جرى عموماً في جو هادئ، ومن دون تسجيل حادث يذكر. وأعربت عن"التمنيات بالنجاح لأشغال المجلس الشعبي الوطني الجديد، الذي سيضطلع بمهمة تعديل الدستور في إطار الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة، والتي يتطلع لها الشعب الجزائري". بدورها هنأت إسبانيا السلطات والشعب الجزائريين على السير الحسن للانتخابات، معربة عن دعمها للإصلاحات المباشرة في الجزائر، واعتبرت موسكو، من جهتها، أن الانتخابات الجزائرية"خطوة مهمة في طريق تحقيق الإصلاحات السياسية الجذرية"، وقالت وزارة الخارجية الروسية إن الانتخابات تمثل"خطوة مهمة في طريق تحقيق الإصلاحات العميقة التي أعلن عنها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والرامية إلى إرساء الأسس الديموقراطية للحياة الاجتماعية في الجمهورية الجزائرية". وحيّت دولة قطرالجزائر على"النزاهة والشفافية"التي أُجريت فيها الانتخابات التشريعية، ووصف الناطق باسم وزارة الخارجية القطرية وفقا لما نقلته وكالة الأنباء القطرية الرسمية الانتخابات التشريعية بأنها"خطوة مهمة على طريق إثراء العملية الديموقراطية"في الجزائر، كما أعرب عن أمله"في أن تسهم نتائج الانتخابات في دفع عجلة التنمية بما يستجيب طموحات الشعب الجزائري في التقدم والرخاء". ورأت الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة التي كانت دعت إلى مقاطعة الإنتخابات، أن مسار العملية الانتخابية مثّل استجابة لدعوتها. وقالت في بيان لرئيسها عباسي مدني ونائبه علي بن حاج، إن الجزائريين"أعطوا للسلطة وللعالم أجمع درساً لا ينسى في المواطنة والوعي السياسي بمقاطعتهم السلمية والحضارية لاستحقاق أراده النظام طوق نجاة من عزلته الخارجية وتزكية لسياسته المرفوضة وتغطية لفساده". وفي لندن الحياة، أصدرت"حركة رشاد"التي تضم معارضين جزائريين، بياناً رأت فيه أن الحكم الجزائري أعلن نتيجة"مضخمة"لنسبة المشاركة في الاقتراع 43 في المئة، مؤكدة أن المقاطعة كانت"شبه كاملة"في المدن الجزائرية. ودعت الحركة الشعب الجزائري إلى"التوحّد للتصدّي"للحكم الذي وصفته ب"عصابة متسلّطة ... تمثّل خطراً حقيقياً على المجتمع والدولة". وشددت على ضرورة تحقيق"انتقال ديموقراطي حقيقي في الجزائر"من خلال"الوسائل السلمية"وذلك بهدف"إقامة دولة القانون، بعيداً من أيّ تدخّل أجنبي". المراقبون الأوروبيون وقدّم رويترز مراقبون من الاتحاد الأوروبي أمس السبت اشادة مشروطة بالانتخابات البرلمانية الجزائرية التي فاز فيها حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في مواجهة موجة"الربيع العربي". وتبدي قوى معارضة شكوكاً في أن يكون تلاعب وقع في الانتخابات التي جرت يوم الخميس، غير أن السلطات تنفي ذلك. وقال خوسيه إغناثيو سالافرانكا، رئيس بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي في الجزائر، إنه كانت هناك أوجه قصور في بعض النواحي الفنية للانتخابات ولكن"كانت هناك العديد من النقاط الايجابية مثلما كانت هناك نقاط ضعف". وأضاف في مؤتمر صحافي:"تمثّل هذه الانتخابات خطوة أولى على طريق الاصلاح والتي قد تؤدي إلى... تعميق الديموقراطية وحقوق الإنسان". وانتخابات الخميس كانت الأولى التي توجه فيها السلطات الجزائرية الدعوة إلى مراقبين من الاتحاد الأوروبي لمتابعة التصويت. واعتبر ديبلوماسيون الدعوة مؤشراً إلى أن الجزائر ملتزمة اجراء انتخابات أكثر شفافية. ورداً على مزاعم بعض المجموعات بوقوع تلاعب، قال سالافرانكا إن الجزائر لديها نظام لكشف أي انتهاكات وإذا حدث ذلك فسيرجع الأمر للنظام القضائي لاتخاذ قرار بخصوص الاجراء الذي يمكن اتخاذه. وأضاف أنه يشعر بالقلق لأن وزارة الداخلية التي تدير الانتخابات رفضت منح مراقبيه حرية الحركة بين اللجان الانتخابية. وكانت أدلة ظهرت خلال انتخابات سابقة تفيد بأن بعض الأشخاص أدلوا بأصواتهم في عدة لجان انتخابية مما يثير احتمال حدوث تلاعب. وأشار المراقبون أيضاً إلى أنه كانت هناك حاجة لبناء ثقة الناخب في النظام السياسي، في إشارة إلى ضعف نسبة الاقبال على الانتخابات. وقاطع أكثر من نصف من يحق لهم الادلاء بأصواتهم الانتخابات يوم الخميس، إذ قال كثيرون إن صوتهم لن يغير شيئاً.