لن يتوقف سيل النوادر المتعلقة بالعقيد الهارب معمر القذافي، هذا من دون ان ننسى «الأسرار» و «الوثائق» التي يعد بعض الأطراف بعرضها على الرأي العام حال استقرار الأوضاع الأمنية في ليبيا، التي لم تعد أول جماهيرية على هذا الكوكب. النوادر كثيرة وبعضها أصبح معلوماً، ولكثرة الحديث عنها ربما لم تعد حتى تثير الابتسام لدى متلقفيها أو سامعيها، بل ان بعضها أصبح يثير الأسى، لأن من يقف وراءها، زعيم نادى بالنظرية العالمية الثالثة، وقام بطباعة مؤلفاته النظرية بالكثير من اللغات الحية، وهدر الكثير من أموال الشعب الليبي على «هلوسات فكرية ونظرية»، بات من المؤكد أنها لن تغنيه الآن وهو في ملجئه غير المعلوم. لن يكون سهلاً بالطبع تصوّر أن يرافق العقيد القذافي الفورة الفضائية العربية بإنتاج مسلسله الخاص وعلى طريقته، بعد أن أخفقت معظم محاولات البعض شراء حقوق قصصه وأفكاره وتحويلها إلى مسلسلات بتمويل شخصي منه. ومن الواضح ان العقيد كان لديه ولع درامي مختلف حين كان يغضب من أعضاء لجانه الثورية، أو من أمناء اللجان الشعبية، أو حتى من المقربين منه، فيقوم من موقع اقامته المفضل في ثكنة باب العزيزية عبر الريموت كونترول بتحويل شاشة التلفزيون الليبي إلى صورة حذاء كاريكاتوري، من رسم فنان الكاريكاتير محمد الزواوي، الذي نجح هو نفسه في تحاشي غضب القذافي عشرات المرات حتى وافاه الأجل شبه منسيّ على رغم موهبته الكبيرة. غضب القذافي قد يكون مبرّراً لدى البعض، وقد لا يكون كذلك، لكن ما هو أشد غرابة من سلوك الزعيم الهارب، قيام موظفي التلفزيون بالعمل على البرامج نفسها، وكأنهم في حال بث دائم، اذ كانوا يخشون على أنفسهم حين يهدأ العقيد الغاضب، ويعيد من مكمنه البث التلفزيوني، ولا يجد الدورة البرامجية جاهزة لإكمال ما يفترض من مسيرة الزحف الأخضر المليوني المصور، والذي لم يتوافر له وهو في عز أزمته أبداً. حذاء القذافي إن جاز التعبير، ربما يتعدى مسألة المزاج الشخصي والمعقد والمركب لصاحبه، إلى كثر حاولوا التقرب منه ومن أفكاره القصصية بغية صناعة أفلام ومسلسلات كان هدفها الاساس الارتزاق من شخص غريب الأطوار لا يقيم وزناً للفن أو الفكر، وليس هناك على أجندته ما يفيد بأنه معنيّ أصلاً بتطوير ذائقة أو ملكة أو حاسة فنية، وما فعله عبر العقود الأربعة الماضية يكشف بجلاء مدى استهتاره بالمجتمع الليبي الذي فقد ثروات طائلة جراء مشاريع وهمية لم تأت عليه سوى بالبلاء المخفي والمعلن، وما هي إلا مسألة وقت حتى يتم الكشف عن وثائق كثيرة حول هذه المشاريع المبطنة. أما ما يخص الحذاء التلفزيوني، فإنه يصبح بعد هروب صاحبه رمزاً لتفكير درامي كان يعتمل في داخل العقيد وقلبه، وهو الذي لم ينل أو يصب الشهرة الكافية على الأقل عبر مسلسلات وأفلام ظلت مجرد أفكار على الورق.