كثرٌ حاولوا «إنجاز» مسلسلات درامية وأفلام سينمائية عن حياة الزعيم الليبي معمر القذافي وأفكاره، وغالباً ما كنا نقرأ أو نسمع أخباراً عن مسلسلات قيد الإعداد، من دون أن نقع على ما يفيد، تحت ذريعة أن هذه المسلسلات لن ترى النور طالما أن العقيد نفسه لم يوافق على الممثل الذي سيؤدي الدور. الآن مع اشتداد أوار الثورة الليبية، لم تعد هناك «مبررات» درامية لإكمال هذه المشاريع، إذ سقط البند الأساسي فيها المتعلق بالتمويل، وحتى لو حضر الممثل الذي سيلعب دور قائد «ثورة الفاتح»، فإن أحوال العقيد الشخصية لم تعد تسمح بإطلاق أي من هذه المشاريع، أو حتى إكمال غير المنجَز منها، وإن كنا نرى اليوم خاتمات درامية مثيرة لم يكن يحلم بها أحد. ظاهرة العقيد القذافي تستحق الوقوف أمامها، بعدما اكتمل قوسها الدرامي، فحتى وقت قريب، كانت شخصيته تُعَدّ شخصيةً ملتبِسة غيرَ مكتملة العناصر لمن يدقق فيها من خارج اللحظة الدرامية – إن جاز التعبير –، بحكم تقلبات العقيد وأطواره الغريبة التي لا تمكن معاينتها بسهولة. ولطالما تردد أن خلافاً كبيراً نشب بينه وبين المخرج الراحل مصطفى العقاد حول فيلم «عمر المختار أسد الصحراء»، وتحديداً المشهد الأخير الذي يلي إعدام شيخ الشهداء على يد القوات الايطالية، حين يقترب الطفل ويحمل نظارتيه، إذ قيل ان المخرج الراحل لم يكن يرغب في هذه الخاتمة التي فرضها عليه العقيد، الذي فهم منها أن هذا الطفل هو من سيكون عليه معمر القذافي نفسه. أيّاً تكن التفسيرات التي طاولت هذا المشهد، فإن التعاطي الدرامي المقبل مع شخصية مركّبة ومعقّدة مثل شخصية العقيد، سيبدو صعباً للمتقدمين بهذه المشاريع، فالمشكلة ليست محصورة بالممثل الذي سيحل مكانه في مسلسل او فيلم يحاكي سيرة حياته، فنحن لم نعرف من قبلُ أيَّ اهتمام للعقيد بالدراما التلفزيونية أو صناعة السينما في بلاده، ولم تسجِّل ليبيا في عهده فتوحات من أي نوع في كلا المجالين، بالتالي فإن السؤال هنا متعلق بأصحاب المشاريع الذين كانوا يتسابقون نحوه وفي جُعَبِهم المشاريعُ التي تَعِدُه بمحاكاة حياته وأفكاره ما أمكن، من دون وضع تصورات ونهايات منطقية ل «زعيم» لم يكن يوماً منطقياً في سلوكه وخطبه وقيادته. حتى المشهد الذي يفترض - مجازاً - محاكاة الطفل (معمر القذافي) وهو يرث شيخ الشهداء في فيلم العقاد، كان مجالاً لخلافات عميقة بين الطرفين لم تستفد منها صناعة السينما والتلفزيون في «الجماهيرية العظمى»، كما لم يشهد هذا البلد لاحقاً استثمارات تُذكَر في كلا المجالين، فباستثناء بعض المسلسلات التي جرى تلفيقها على عجل وصُوِّرت هناك، فإن شيئاً مهماً لم يكن يدور هناك تحت سيطرته على مقدرات ليبيا وإعادة إنتاج البؤس فيها بطريقته، الى درجة أنه في خطابه الأول لَقَّب شيخَ الشهداء عمر المختار ب «بطل الغابة»، ونسي أنه في كناية سينمائية غير منتهية كان يلقب يوما ب «أسد الصحراء».