كان يوم أمس ختام نهاية متوقعة للعقيد الليبي معمر القذافي، فقد تقلصت ليبيا بكل مساحتها الشاسعة لتكون ليست أكثر من مساحة قلعة باب العزيزية، بينما انحازت ليبيا بكل امتدادها إلى الثوار. انتهى حكم العقيد القذافي وحرر الليبيون بلادهم من قبضة العسكر وغطرستهم إلى الأبد، بعد 42 عاماً من العبث في إدارة ليبيا إلى حد الجنون. فقد استخدم القذافي ليبيا ومواردها الهائلة الضخمة وأخضعها إلى متطلبات شخصية غريبة وأطوار غريبة. وكانت الأطوار والغرائب مستمرة، فقد غير العقيد اسم ليبيا أكثر من مرة. وكان كلما عن له اسم أطلقه على ليبيا. مرة جمهورية، ومرة جماهيرية، ومرة اشتراكية، ومرة عظمى. وأدخل العقيد ليبيا الكثير من الأحلاف والتحالفات ولكنه هو نفسه لا يلبث أن يلغي الأحلاف أو يفسد العلاقات مع الذين يطمحون إلى نسج علاقات طيبة مع الشعب الليبي الكريم. وإضافة إلى ذلك يمد العقيد الشعب الليبي باحراجات لا حدود لها، بأطواره الغريبة وأفكاره العجيبة، وتمجيده لنفسه، وهدر الأموال على مشروعات لا قيمة لها ولا فائدة، مثل النهر العظيم، وبعض المشروعات كان ممارسة عبثية مهلكة، مثل الكتاب الأخضر، وأفكار النظرية الثالثة التي اتعبت ليبيا وأتعبت العرب وكل الجيران انتظاراً أن يصحو العقيد من أحلام اليقظة ونوبات الأفكار الغريبة. ولم يقتصر الأمر على ليبيا وإنما امتدت الاحراجات والعبثيات إلى خارج حدود «الجماهيرية»، وكم دمر العقيد القذافي فرصاً للتوافق العربي والاتفاقات الأخوية بتدخلاته المتغطرسة غير المسئولة. إضافة إلى أن العقيد كان يخلع على نفسه أنواعاً وألواناً من الألقاب التي بعضها يتنافر كلياً مع طروحات العقيد، فهو يوماً عقيد فقط، وهو يوماً محرض، ويوماً زعيم ثورة، ويوماً ملك ملوك أفريقيا. وصبر الليبيون على هذه المسرحية المؤلمة التي تعرض حية على الهواء كل يوم في تلفزيون بلادهم. وبإلهام من تحرك الشعبين التونسي والمصري، انفجر الليبيون، وأرادوا انتزاع حريتهم وكرامة بلادهم من براثن العبث والإهانة والذل والضياع. فقرر الليبيون خوض المواجهة مع نظام ميليشي غريب الأطوار. وكان الختام يوم أمس الأول، حيث حرر الليبيون عاصمتهم التاريخية من حقبة سوداء في تاريخ ليبيا. وكل ما نتمناه الآن للبلد الشقيق أن ينهض من تحت الرماد من جديد، وينتصر على جراحه، وأن يبدأ مسيرته إلى الغد، بوثوق وثبات، وألا ينشغل بحرب الانتقامات ويبدأ على الفور العمل على تأسيس مشروع الدولة الجديدة كي لا يعطي فراغ السلطة أية فرصة للفكر التحزبي والمصلحي والانتهازي للعبث في مصير ليبيا واستقلالها.