ثلاثة مسلسلات كوميدية على الأقل («طماشة 3»– «الخربة»– «صايعين ضايعين») تستلهم في هذا الموسم التلفزيوني خطاب العقيد القذافي بداية الأزمة الليبية. والواضح بعد معاينة أولية للاعلانات الترويجية عن هذه المسلسلات المستمرة خلال أيام الشهر الفضيل إن «الاستلهام» الدرامي لوقائع الخطاب لن يكون إلا من باب التهريج، إن لم يكن هو الهزل المبالغ فيه، فقد أسقطها خطاب القذافي نفسه، فلا نحسب أن سرعة ردة الفعل عليه في ثلاثة مسلسلات، وإجماعها عليه مصادفة بحتة، مع ما يحمله الخطاب من كوميديا واقعية مفزعة، قد لا تتفوق عليها التوظيفات الثلاثة بكل أسف، وبخاصة أن الفضائيات الاخبارية عمدت إلى تقديمه بمعالجات بصرية مختلفة، بما يعني أن اللحظة الواقعية فيه فاقت كل امكانية توظيف درامي أو تمثيلي مفتعل، وقدمته للمشاهد العربي من دون رتوش ليكتشف بالصورة والوثيقة سيرة زعيم مستبد ومفلس يقف في مواجهة شعبه منذ أربعين عاماً من دون أن تفقده سلاح الكوميديا، ففي أداء القذافي كل مقومات هذا النوع الدرامي الذي لا يجاريه فيه كوميديون كثر . الاستخدام الدرامي الهزلي للخطاب في مسلسلات ثلاثة يعني أن صنّاع الدراما العربية لا يلتفتون إلى قضايا يمكن التبصر فيها بعدما قدم بعض الفضائيات الاخبارية نوعاً من المعالجات تفوقت على ما ستقدمه هذه المسلسلات حتى وإن استعانت بمبالغات في الأداء وحضور الممثلين، أو استخدمت أسماء بعينها لتمرير أفكارها ورسائلها... مع التأكيد على أن ليس هناك موقف مسبق من توظيف خطاب القذافي أو سواه في نصوص وأعمال درامية شرط أن تحوي مادة درامية متبصرة ترى وتعاين، لأن الجانب الوثائقي الذي فرضته الفضائيات الاخبارية جاء معبراً وقوياً، وبعضها تلاعب بالخطاب عبر توليف وتركيب لافتين، ما يعني أنها جاءت متقدمة على كل ما ستطرحه هذه المسلسلات التي شاءت اللحاق بالركب والدفاع عن نفسها في مواجهة التقصير، وإن كان ليس هنا مجال توجيه اللوم لها، فالعملية الانتاجية مسألة معقدة تتداخل فيها عوامل عدة قد تعيق وتحبط التصدي لتوظيفات من هذا النوع. ما حدث فعلاً للوثيقة التي قدمت خطاب القذافي هو تجاوز من نوع جديد ومختلف لكل ما سيقدم من أعمال درامية قد تلجأ إلى محاكاته. وهذا يعني إنه لم يعد يكفي أن يقف ممثلون من لحم ودم ليكرروا بنوع من المبالغة الفظة كلام الزعيم الليبي بحثاً عن إضحاك الجمهور من أجل إضحاكه فقط، واستجداء ابتسامة هنا وهناك من دون الالتفات إلى أن مسألة التوظيف التلفزيوني بحد ذاتها فقدت الكثير من المرونة والقدرة على اضافة شيء جديد على الخطاب الذي تغيّر وظل واقعياً بحسب رؤية كل جهة له، لأن الحس الوثائقي الاخباري سبق الجميع إلى هناك، أي إلى اللحظة الأغلى والأعز. وهي اللحظة المقرونة بالموقف الكوميدي الانتقادي رغم فظاعة المحتوى الذي يقدمه الخطاب. فلا أحد يمكن أن ينسى ذلك الفيلم القصير الذي يحسب على القذافي كل نأمة وهو يبحث حائراً أمام الكاميرا عن أتباعه، وعن ماض تكدست عبره سنوات حكمه ويقرر البحث عن أعدائه في كل بيت وكل دار وكل زنقة أضحت سمة العصر الذي نعيشه، فالزنقة تعني بالعامية، أقله في بعض بلدان المشرق المأزق أيضا.