على رغم ان المهرجان المتوسطي للفيلم القصير الذي يعقد دورته التاسعة هذه الأيام في مدينة طنجة الساحرة عند أقصى الشمال الغربي من المغرب، يعتبر فسحة أساسية لعرض وتلقي هذا النوع –الذي لا يزال مظلوماً الى حد ما بين الأنواع السينمائية كافة-، نعني الفيلم القصير، سواء أكان روائياً أم تحريكياً أم وثائقياً، فإن السجالات العامة والخاصة التي تخاض على هامش العروض، لا تبالغ في الاهتمام بما كان يبدو أساسياً لسنوات قليلة مضت، أي مصير الفيلم القصير، بما في ذلك أماكن عرضه على الجمهور العريض بعدما حلّت المهرجانات المخصّصة له او تلك التي يشارك فيها مشكلة وصوله الى خاصّة المتفرجين. المتوسط كلّه في طنجة، منذ الإثنين الفائت وحتى حفل الختام مساء غد، حيث توزع الجوائز على افلام تختارها لجنة التحكيم من بين نحو خمسة وخمسين فيلماً، تبدو المسألة غير شائكة. هنا، بين عشرات السينمائيين ومئات المعنيين الآتين من بلدان متوسطية عديدة، يبدو واضحاً ان المسألة الأكثر اهمية –من الناحية الفنية–، هي ان هذه الأفلام وجدت حقاً، وجدت بطريقة او بأخرى، وجدت بصعوبة تقلّ او تزيد... لكنها وجدت، وهذا أفضل بكثير! اما من الناحية السياسية والاجتماعية، فإن من المهم للمهرجانيين أنّ ارتباط السينما بعالم البحر الأبيض المتوسط ارتباط سعيد، طالما ان هذا الحيّز الجغرافي من العالم هو الذي ومنذ فترة من الزمن، يشهد القدر الأكبر والأكثر أهمية وخطورة من الأحداث التغييرية الثورية أحياناً والإصلاحية في أحيان أخرى. ونعرف طبعاً أن أهل السينما، سواء أكانوا من اهل الأفلام الطويلة –الذين لهم مكانة المتفرج المراقب والحَكَم أحياناً في مهرجان كهذا– أم من أهل الأفلام الأخرى، يشعرون دائماً أنهم المبدعون والمراقبون الأكثر حساسية إزاء ما يحدث من تبدّلات في واقع لطالما ساهمت أفلامهم في إثارة الوعي بضرورة تغييره، إذ ها هم هنا بعد عام اول مضى على تحركات تونس التي افتتحت ذلك الحراك كله، ها هم يشعرون أن شيئاً ما قد حدث أخيراً، وأنهم جزء من هذا الشيء. تُرى أمام مثل هذا الشعور، هل ثمة مكان حقيقي لمزيد من النقاش من حول المصير «التقني» للفيلم القصير؟ الأفضل إذاً، يقول لسان حال المشاركين، أن نمضي هذه الأيام القليلة في هذه المدينة البحرية الجميلة، في مشاهدة افلام آتية من نحو عشرين بلداً متوسطياً، عربياً او غير عربي، والأفضل أن نشاهدها هنا مجتمعة، لنكتشف أنها جميعاً، أكانت جيدة المستوى –وهو حكم لا يزال في حاجة الى تأكيد عند كتابة هذه السطور– أم أقل جودة مما كانت عليه الأمور في دورات سابقة، بحسب بعض آراء المتابعين عاماً بعد عام لدورات المهرجان، اعمال تكاد تعكس بأكثر مما تفعل اخواتها الطويلة احياناً، صورةً ما للحياة و للمجتمعات ولحساسية الأفراد في شتى انماط العوالم المحيطة ببحرنا الوديع . اذاً، لدينا هنا ما يقرب من 55 فيلماً أتت من 20 بلداً، وعلى رأسها طبعاً البلد المضيف المغرب، الذي يحضر كعادته بخمسة أفلام من النوع الذي لم يعد اصحابه يجدون أيَّ صعوبة في تحقيقه وبوفرة خلال السنوات الأخيرة، وبالتحديد منذ تسلّم الناقد نور الدين صايل (المشرف العام على هذا المهرجان بوصفه المسؤول عن المركز الوطني للسينما) مقاليدَ الأمور في المركز، معزِّزاً وضعَ الحالة السينمائية في هذا البلد الطَّموح بالنسبة الى كلّ ما له علاقة بشؤون الفن السابع، فمنذ وصوله الى هذا الموقع، أحدث الصايل، كما يقرّ خصومه قبل مؤيديه، نقلة نوعية في الإنتاج السينمائي أتت في ميدان الأفلام القصيرة أشد أهمية حتى مما هو الأمر عليه في ميدان السينما الروائية الطويلة... طالما أننا نعرف انه من الأسهل ألف مرة على سينمائي مجتهد ان يعثر على تمويل لفيلم طويل – ولا سيما اذا كان الفيلم شعبياً تجارياً يجد لنفسه سوقاً محلياً مزدهراً-، مقابل صعوبة، وحتى استحالة العثور على تمويل لفيلم فصير لم يكن احد يعرف كيف سيردّ نفقاته! اليوم، ها هو المركز السينمائي يموّل ويعرض غالباً من دون خسارة. والدليل، أن الإنتاج المغربي في مجال الفيلم القصير يتزايد عدداً عاماً بعد عام (في هذا العام، زاد عدد الأفلام القصيرة المنتَجة في المغرب بنسبة عشرين في المئة عن العام الفائت ومعظمها مموّل من المركز الوطني)، وهو أمر يثير بالطبع دهشة السينمائيين الضيوف، الآتين بأفلامهم من لبنان وتونس ومصر، وبخاصة من اليونان والبرتغال وإيطاليا والجزائر وغيرها... ليعرضوا هذه الافلام امام لجنة تحكيم دولية يرأسها الباحث والناقد المغربي المعروف محمد باكريم، ومن اعضائها الممثلة المغربية سعدية لديب والمخرجة الجزائرية يمينة بشير شويخ وزميلتنا في «الحياة» فيكي حبيب والمخرج المغربي جمال بلمجدوب... وهي طبعاً اللجنة التي ستعلن غداً أسماء الفائزين، مؤكدة من جديد أنه إذا كانت سنونوة واحدة لا تعلن الربيع، فإن عشرات الأفلام يمكنها ان تعلن... ربيعاً عربياً على الأقل. يفعل... وربما في السينما القصيرة بأكثر مما يمكن للسينمات بل حتى الفنون الأخرى ان تفعل. والحقيقة ان هذا الواقع الذي غالباً ما ننساه يتعلق تحديداً بما سبق ان قيل في مقدمة هذه الرسالة: عن ان قضية المصير «التقني» للفيلم القصير لم تعد –وعلى الأقل مما يستفاد من شبه غياب الهمّ حول هذا الأمر، وبالتالي الاختفاء النسبي للسجال حوله في هذا المهرجان– قضية اساسية،والفضل هذه المرة يعود الى التلفزيون الذي بات الكثير من قنواته ومنها القنوات العربية، يعرض ما تيسّر من الأفلام القصيرة التي قد يعرضها مجاناً وقد يدفع مقابلاً لعرضها. وهو في الحالين يؤمن جزءاً من التمويل، لكنه يؤمّن في الوقت نفسه عرضاً لتلك الأفلام المتحررة «ربيعياً» أكثر من الأفلام الطويلة ذات النجوم وذات الميزانيات التي تضطر الى شتى التنازلات. ترى أوَليس في مثل هذا الحراك تعزيز مؤكد للأفكار التنويرية والتغييرية، فالإصلاحية التي هي هي أفكار القطاعات الأكثر تقدماً من أهل الربيع العربي وغير العربي؟