يرتبط الحديث عن البدانة غالباً بكلام عن أنظمة غذائية وأطباء مختصين في إعطاء وصفات للتخلص من الوزن الزائد. لكن هل جرَّب أحدهم أن يتبع حديث البدانة بتوافق مع الحالة وقبول لها؟ هذا ما فعله البراء أشرف 25 سنة في كتابه"البدين"الصادر أخيراً عن دار"دون"في القاهرة. في هذا الكتاب يقدم الكاتب ومخرج الأفلام الوثائقية، ما يشبه سيرة ذاتية له في قالب ساخر، طارحاً إشكاليات البدانة. ويعتمد التفكيك منهجاً أساسياً في عرض وجهات نظره عن العالم، جاذباً قارئه عبر طريقة السرد واختيار المفردات البسيطة. بساطة المفردات لا تعني تسطيح المحتوى، فالكاتب الذي اختار لنفسه مساحة شديدة الخصوصية انطلقت من فكرة بدانته هو شخصياً وتعامله معها، اختار المساحة ذاتها ليعالج قضايا أكثر عمقاً وتماساً مع الآخر، قضايا الانتماء والزواج وتفاصيل المراهقة والسنوات الأولى في الدراسة الجامعية. ينتقل المؤلف من موضوعه الأساسي عن البدانة، ليعرض وجهات نظره في الحياة، فيصبح الكتاب بمثابة ثلاثة كتب: الأول عن البدانة، والثاني عن المطربة روبي وإعجابه بها، والثالث عن الحياة بتفاصيلها التي قد تمرّ من دون أن يقف أمامها أحد. يأتي كتاب"البدين"متوافقاً مع نوعية كتابة رائجة بشدة في مصر حالياً تعتمد السخرية من التفاصيل الحياتية وتقديمها كمادة يصلح التعامل معها بسطحية أحياناً وإهمال أحياناً أخرى، مهما بلغت كآبتها أو أطروحاتها العميقة. ففي هذا النوع من الكتب الساخرة كل شيء يمكن مناقشته والمرور عليه، وكأن طرحه بهذه الطريقة يساهم في إزالة الغمِّ، ورسم ابتسامة عقب القراءة. لكن"البدين"لا يعتمد فقط آلية السخرية، ووضع"الافيهات"المؤثرات الخاصة والنكات كمعادل لمناقشة العناوين الكبيرة، حيث تتوازى السخرية والتفكيك في مناقشة رومانسية الزواج في بداياته ثم المشاكل التي تظهر بعد ذلك، وعلاقة الابن بوالديه، وأيضاً علاقات العمل. نصوص الكتاب تبدو كوحدات منفصلة حيث يمكن قراءة كل وحدة من دون الرجوع إلى مقال سابق أو لاحق. كما أن المؤلف الذي جاء منتمياً إلى جيله بسماته الثورية وعلاقاته التكنولوجية ورؤيته الساخرة لما حوله ولنفسه أيضاً، سعى إلى تقديمه محتوى مدونته التي حملت اسم"وانا مالي". فعلى رغم أنه يتنصّل من أي مسؤولية كما هو واضح من اسم المدونة، إلا أنه يكشف عبر مقولة له"بعض التفاصيل الصغيرة، تصلح لتفسير المسائل الضخمة". وتوضح هذه المقولة آلية عمله وطريقة كتابته. ويبدو هذا التنصل من المسؤولية في"وانا مالي"التزاماً بحدّ ذاتها، حيث ينطلق من التفاصيل الصغيرة مثل"تزويغ"طلاب الثانوي من الحصة، وجنس الهاتف، وما يكشف عنه من طبيعة العلاقات بين المراهقين، والمشاكل التي قد يتعرض لها الزوجان نتيجة وجهات نظر متباينة لا يكشف عنها طرف للآخر. هذه التفاصيل الصغيرة يطرحها البراء أشرف على اعتبارها"مسائل ضخمة". وكتاب"البدين"ليس فقط كتاباً ساخراً ولا هو إعادة نشر لبعض مقالات كانت نشرت في مدونة إلكترونية، لكنه ينبئ أيضاً بطريقة تفكير جيل بل أجيال لاحقة في التعامل مع قضايا الوطن والمجتمع. وقد يصلح مرجعاً لدارسي علم الاجتماع في تحليل وجهات نظر الشباب ورؤاهم حول ما يتعرضون له من مشكلات، وكيف يتعاملون معها تجاهلاً أو تحليلاً، في محاولة للتصالح مع الذات.+