يشير "المعجم الوسيط" إلى أن كلمة "زاغ" تعني "مال عن القصد أو الطريق". وارتبطت ثقافة "التزويغ" أخيراً بمرحلة عمرية تتراوح بين سنوات المراهقة والشباب. وهي ثقافة عريضة وعميقة لا ترتبط بمستويات اجتماعية أو اقتصادية، وتشكل جزءاً من تفكير الشباب من الجنسين. وكلمة"التزويغ"مرتبطة إلى حد كبير بالمنظومة الدراسية سواء المدرسية أو الجامعية، وتأخذ أشكالاً وأنماطاً لا تخلو من ابتكار وتحديث يواكبان روح العصر. فظاهرة طلاب المدارس الإعدادية والثانوية الذين يقفزون من أعلى سور المدرسة في ساعات الصباح الأولى معروفة للجميع، وعلى رغم عدم اتساقها ومبادئ الالتزام والنظام، تعتبرها الغالبية أثراً من الآثار الجانبية الحتمية للبعض ممن يجتازون مرحلة المراهقة. فهم يحرصون على دخول المدرسة صباحاً للمشاركة في طابور الصباح وإثبات حضورهم أمام ناظر المدرسة، وما أن تبدأ عملية الدخول إلى الفصول لبدء اليوم الدراسي، حتى تنشط عمليات القفز هرباً إلى خارج المدرسة إما لبعض الوقت للعب للمشاركة في مباراة كرة قدم في شارع مجاور أو للتوجه إلى مطعم فول وفلافل لتناول الإفطار واحتساء الشاي بالحليب ثم العودة مرة أخرى مع بدء الحصة الثانية أو الثالثة. وقد تكون القفزة بائنة، أي لا تعقبها عودة مرة أخرى إلى المدرسة سوى في اليوم التالي. وتتراوح أسباب التزويغ المدرسي بين تفضيل النواحي الترفيهية على الدراسة، أو بدافع الجوع، أو بسبب الشعور بالملل من إيقاع الشرح في الفصل، ولكن يجمع بين كل تلك الأسباب عامل نفسي واحد لا ثاني له وهو شعور"المزوغ"بالنشوة لنجاحه في أن يكسر القاعدة أو النظام المفروض عليه. وكلما زادت قوة هذا النظام وقدرته على السيطرة، كلما زاد الشعور بالنشوة في التملص من القيد. من جهة أخرى، يكتسب"المزوغون"المحترفون نوعاً من الشعبية بين أقرانهم. يقول تامر 16 سنة:"موضوع التزويغ لعبتي، وإن كان قد أصبح مكلفاً بعض الشيء في الآونة الأخيرة. ففي العام الماضي كان بوّاب المدرسة يفرض عليّ إتاوة وهي نصف مصروفي اليومي أو إحضار سندويشات ليفطر بها". وكثيراً ما يكتفي تامر في الأيام التي يزوغ فيها من المدرسة، بالتسكع في الشوارع المحيطة ولا يستمتع بوقته كثيراً، ويقول:"إن أي شيء أرحم من اللت والعجن في الفصل". وكتب أحدهم في مدونته متغزلاً في"التزويغ":"أحلى حاجة في ثانوي التزويغ. له متعة خاصة حتى لو زوغت من المدرسة ولم تعمل شيئاً. أتذكر جيداً أنه في الصف الثالث الثانوي كنت أقابل صديقاً لي على قهوة قريبة من المدرسة الساعة الثامنة صباحاً، فنحتسي الشاي ثم نذهب لنتناول الإفطار. بعدها نعود إلى القهوة لنشرب كوباً آخر من الشاي، وندخل المدرسة في التاسعة والربع، أي مع بدء الحصة الثانية. وكل يوم حلو، لا نعود إلى المدرسة مجدداً، ونتسكع في أي مكان. كانت أحلى أيام". ويمتد"التزويغ إلى مرحلة الدراسة الجامعية كذلك، لكنه يفتقد في هذه المرحلة الكثير من عنصر الإثارة، إذ تخف حدة الرقابة الصارمة والمباشرة على الطلاب، ولا يسأل الطالب المتوجه للخروج إلى الشارع. عن وجهته أو سبب انصرافه. ولا يقف"التزويغ"عند بوابة المدرسة أو الجامعة، إذ يمتد كذلك إلى عقر دار الشاب أو الشابة الراغبين في التزويغ، وكم من شاب"يزوغ"من المذاكرة من دون أن يبرح مكانه حيث يرابط على مكتبه الرازح تحت تلال الكتب والمراجع. وقد يكون التزويغ من خلال مجلة رياضية أو قصة بوليسية أو رسالة عاطفية مثبتة في منتصف كتاب التاريخ. وقد تسمو قدرات التزويغ لتكتفي بالقدرات الذهنية، فيسبح المزوغ بخياله في آفاق أحلام اليقظة، أو حتى مجرد خطف"تعسيلة"غفوة على كتاب العلوم. وإضافة إلى البيت والمدرسة، يجد هواة"التزويغ"في كل الأنشطة الحياتية مجالاً يمارسون فيه هوايتهم. ولعل"التزويغ"من دفع قيمة التذاكر من أكثر مجالات التزويغ تنوعاً. يقول ساهر 18 سنة:"لست من النوعية التي تحب دفع التذاكر، لا في الباصات العامة ولا في مترو الأنفاق ولا حتى في السينما. فأنا خبير في التزويغ من محصل التذاكر في الباص، ويساعدني في ذلك عاملان: لياقتي البدنية وسياسة الباب المفتوح. فأنا قادر على القفز من أي مركبة متحركة، وتساعدني في ذلك أبواب الباصات المفتوحة دائماً". وللفتيات نصيب أيضاً في ثقافة التزويغ، وإن كان النصيب أقل نسبياً من أقرانهم من الشباب بحكم العادات والتقاليد وطبيعة الأنثى الأكثر ميلاً للالتزام وربما الخوف. تقول سحر 20 سنة:"لست من هواة التزويغ الاختياري، ولكن تزويغاتي جميعها اضطرارية، ويدور معظمها في إطار الغاية تبرر الوسيلة. فوالدي يؤمن مثلاً بأن ذهاب فتيات إلى السينما غير لائق، وهو ما يضطرني أحياناً إلى التزويغ من محاضرة كي أتمكن من الذهاب إلى السينما التي أعشقها". لكن الحقيقة تشير إلى غير ذلك، فليس كل تزويغات سحر اضطرارية، فهي كثيراً ما تذهب مع صديقاتها إلى أحد النوادي الرياضية التي تتطلب عضوية خاصة، لكنها تندس بينهن كي تتهرب من دفع التذكرة المقررة على الضيوف. وهي تفسر ذلك بأنه"تزويغ اضطراري أيضاً، ولكن لأسباب اقتصادية". وعلى رغم أن شعرة رفيعة تفصل بين التزويغ بغرض الإثارة والتزويغ بغرض التغلب على ضيق ذات اليد، تبقى النتيجة واحدة. فقبل أيام، تعرض عامل بسيط في سوبر ماركت صغير للإهانة والخصم من الراتب بعدما اكتشف صاحب العمل وجود خلل في الإيراد. وبعد بحث وتقص، اكتشف أن أحد الصبية من أبناء سكان العمارة الفاخرة أعلى السوبر ماركت دأب على فتح الثلاجة الموجودة خارج المحل وأخذ ثلاث أو أربع زجاجات مياه غازية وتمريرها سراً إلى أصدقائه، مع الاكتفاء بدفع ثمن واحدة فقط. ومع انتشار كاميرات المراقبة في بعض المدارس والمحلات، والاتجاه إلى إحلال وتبديل الباصات القديمة التي لا تنغلق أبوابها في هيئة النقل العام بأخرى ذات أبواب تعمل، يظل"التزويغ"سمة شبابية تجدد نفسها وتبحث في كل يوم عن مزيد من الابتكار أملاً في قدر أكبر من الإثارة والاستمتاع بنشوة خرق النظام.