لمعت البريطانية روزاموند بايك إلى جوار النجم بيرس بروزنان في فيلم «الموت في يوم آخر» المنتمي إلى أفلام جيمس بوند حيث أدت دور الشريرة التي تسعى إلى اغتيال العميل السري بوند وتموت في النهاية على يدي البطلة هالي بيري. كان ذلك في مطلع الألفية الحالية. وفي الفترة ذاتها عرفت بايك شهرة فوق خشبة مسرح روايال كورت اللندني في عمل عنوانه «هيتشكوك بلوند»، أي «شقراء هيتشكوك» تناول الصعوبات التي عرفتها الممثلة الراحلة الآن جانيت لي في أثناء تصوير فيلم «سايكو» الشهير في ستينات القرن العشرين، وتحت إدارة السينمائي الراحل بدوره ألفريد هيتشكوك الذي مارس طغيانه عليها في شكل مروّع تسبب في إصابتها بانهيار عصبي، لا سيما في ما تعلق بتصوير اللقطة الشهيرة التي يغتالها فيها السفاح المتنكر في زي امرأة وهي في الحمام. وإذا كان هذا المشهد قد فرض نفسه في تاريخ السينما العالمية، الا أن بطلته دفعت ثمنه غالياً على حساب اتزانها النفسي، وهذا ما تناولته المسرحية المذكورة بذكاء تحت إدارة المخرج تيري جونسون الذي منح دور جانيت لي لبايك مانحاً إياها فرصة استثنائية لإثبات قدراتها الدرامية، وقد فعلت. انطلاقاً من هذا الحدث الفني لم تكف بايك عن العمل في المسرح والسينما على السواء موزعة وقتها بين لندن وهوليوود وحاصلة على أدوار شيقة في أعمال رفيعة وبإدارة مخرجين مرموقين. وأحدث الأفلام التي تظهر فيها بايك: «نحن نطالب بالمساواة في الحقوق مع الرجال»، و«بارني» الذي تتقاسم بطولته مع النجم داستين هوفمان، والفيلم الفكاهي «جوني إنغليش 2» من بطولة روان أتكينسون نجم حلقات «مستر بين» التلفزيونية الناجحة على المستوى العالمي. وفي هذا العمل الذي هو تكملة لفيلم «جوني إنغليش» النازل إلى صالات السينما قبل ثماني سنوات، يؤدي أتكينسون شخصية العميل السري إنغليش المتخصص في التخلص من أعداء المملكة البريطانية على غرار جيمس بوند، إلا أنه يحقق إنجازاته بفضل أخطائه الفاحشة وسوء تصرفه في أكثر الأحيان معتمداً على الحظ وحده من أجل تعديل المواقف لمصلحته في اللحظة الأخيرة. أما بايك فتؤدي دور محللة نفسانية متخصصة في علاج العملاء السريين، وبينهم إنغليش، الأمر الذي لا يسهل مهمتها بالمرة، بل يزيدها تعقيداً في كل لحظة. زارت بايك باريس كي تروج للفيلم فألتقتها «الحياة» وحاورتها. كيف كان العمل مع روان أتكينسون بطل حلقات «مستر بين» في فيلم «جوني إنغليش 2»؟ - حصلت على دور المحللة النفسانية في الفيلم ولم أعرف ماذا أتوقع في الحقيقة بخصوص التعامل مع أتكينسون. ذلك أن نجوم الكوميديا يختلفون عن غيرهم عادة وهناك بينهم من لا يتسمون بخفة الروح في الحقيقة أبداً. أنا اكتشفت في ما بعد أن أتكينسون من النوع الخلوق المهذب والذي يحترم محيطه المهني إلى أبعد حد، ولكنه في الوقت نفسه لا يقضي وقته خارج أوقات التصوير في سرد النكات مثلاً حال ما أعرفه عن نجم الفكاهة الفرنسي بيغار. إنه يبحث عن أفضل وسيلة لتمثيل المشهد المقبل وعن التفاصيل الصغيرة التي ستتسبب في إضحاك المتفرج، وذلك بجدية تامة. لم أضحك مرة واحدة في صحبته بينما لم أكف عن الضحك عند مشاهدتي حركاته فوق الشاشة في الفيلم. لكن هل هو خفيف الظل؟ - لا أدري، فهو لم يتبادل الكلام معي إلا في شأن اللقطات التي نمثل فيها معاً. وفي هذا الإطار لم ألاحظ أي خفة ظل أو عدم خفة ظل. هل يتصرف مثل النجوم الكبار؟ - يعامله المنتجون والمخرج مثل النجوم الكبار جداً، بمعنى أنهم يحيطونه برعاية فائقة ويلبون أبسط طلباته. فهو شيء وسائر أفراد الفريق الفني، وبينهم أنا، شيء آخر. هل معنى ذلك أنك أصبت بخيبة أمل في ما يتعلق بتجربة العمل معه؟ - لا بما أنني لم أعرف ماذا أتوقع أصلاً. ماذا عن العمل إلى جوار بيرس بروزنان في فيلم جيمس بوند «الموت في يوم آخر»؟ - لا علاقة بين الرجلين من حيث التصرف، إذ إن بروزنان يقضي وقته في ممارسة جاذبيته على النساء في محيطه المهني، ولكن بأسلوب خفيف الظل وبلا أدنى مبالغة. لقد وجدت فيه شفافية تنقص أتكينسون، وأقصد بكلامي هذا البساطة في تكوين العلاقة مع الآخر، لكنني أشك في أن أتكينسون من النوع الخجول جداً. أحلى ذكرياتي ما موقفك من المسرح في شكل عام بالمقارنة مع السينما؟ - أحب المسرح وأسعى إلى إجادة أدواري فيه في طبيعة الحال، لكنني أعثر على صعوبة في تحمل أداء الدور نفسه في كل ليلة خلال شهور طويلة بل سنوات مثلما يحدث غالباً في كثير من الأحيان. أنا في حاجة مستمرة إلى التجديد وإلا شعرت بالملل، وإذا فقدت متعتي فوق الخشبة فلا فائدة أبداً من محاولة الاستمرار، خصوصاً أن العمل ككل سيصاب بضرر جسيم جداً. وبالتالي ربما يجدر بي القول إنني أفضّل العمل في السينما، لكنني من ناحية ثانية كلما عثرت على فرصة جميلة في المسرح انتهزتها ولو على حساب أفلام تصور في الوقت نفسه. ولا شك في أن أحلى ذكرياتي في ميدان المسرح تخص مسرحية «هيتشكوك بلوند» التي سمحت لي بالانطلاق الفني، غير أن الدور كان في غاية الصعوبة وأنا أتقنته ومثلته فترة طويلة من دون أن ينخفض مستوى أدائي بالمرة في أي عرض من العروض، بل على عكس ذلك قيل وكتب انني كنت أتحسن سهرة بعد سهرة. كما ان هناك مسرحية «مدام دوساد» التي شاركت حديثاً في بطولتها إلى جوار الممثلة الكبيرة جودي دنش، والتي أعتبرها بدورها من أقوى الأعمال التي تسنى لي الظهور فيها فوق خشبة المسرح. أين كمنت صعوبة دورك في مسرحية «هيتشكوك بلوند»؟ - الصعوبة كانت في أداء دور ممثلة تعاني من سوء معاملة المخرج لها ومن إهانته المستمرة لشخصيتها الفنية، إلى درجة أن حالتها النفسية راحت تتدهور بعض الشيء في كل يوم جديد من أيام العمل في الفيلم. وكان علي إبراز ملامح هذا التدهور العقلي والعصبي بجرعات خفيفة جداً ومتصاعدة في آن، وهو أمر صعب تطلب مني العمل الشاق واليومي بالتعاون مع مخرج المسرحية من ناحية، ولكن أيضاً وحدي في بيتي وفي المسرح طبعاً. وغير ذلك كان عليّ الظهور في الحمام مجردة من ثيابي مثل بطلة الفيلم في أثناء التصوير، إلا أن الوقوف في أبسط حلة أمام الكاميرا لا علاقة له بفعل الشيء نفسه فوق المسرح في كل ليلة أمام الجمهور الموجود فعلاً في القاعة. لقد عانيت إلى أبعد حد من هذه التجربة وفي الوقت نفسه تعلمت منها الكثير في شأن كيفية التحكم في الذات، الشيء الذي أفادني في ما بعد في عشرات المواقف المهنية المختلفة. أنت تخصصت حديثاً في الأفلام الرومانسية وأبرزها «تربية» ثم «بارني»، فهل تعتقدين أن هذا اللون يناسبك أكثر من غيره مثلاً؟ - لا أبداً، وأنا بصفتي ممثلة، أهوى التنويع وأتلذذ بكل الألوان السينمائية التي تسمح لي مهنتي بالظهور فيها. وكل ما في الأمر هو أنني في الفترة الأخيرة تلقيت سيناريوات تدور حبكتها في جو رومانسي عاطفي أكثر من أي شيء آخر. لكنني سأعود بلا شك إلى العمل في أفلام من نوع آخر، بل ربما أنني عدت بالفعل إلى أنواع أخرى بما أن «جوني إنغليش» ينتمي إلى اللون الكوميدي الساخر وإن لم يكن خالياً من بعض الرومانسية طبعاً. وأنا أحببت تقمص هذه المرأة الشابة في «بارني» التي تقع في غرام رجل يكبرها سناً ولا يناسبها بالمرة، إلا أنها لا تبالي بشيء سوى بمشاعرها تجاهه ورغبتها في معايشة علاقة عاطفية معه مهما كان الثمن الواجب دفعه في ما بعد. نصيحة رياضية أنت لا تكفّين عن الحركة والمغامرة طوال اللقطات التي تظهرين فيها في فيلم جيمس بوند «الموت في يوم آخر»، ثم أيضاً في «نسخ» إلى جوار بروس ويليس، فهل أنت امرأة رياضية أصلاً؟ - أنا رياضية منذ طفولتي وكنت دائماً الأولى في حصص التدريبات الجسمانية في المدرسة. ولا أزال أتدرب على اللياقة البدنية وأمشي وأمارس المبارزة بالسيف والتزلج وكرة السلة وأسبح. وفي ما يخص أفلامي في شكل عام، لم ألجأ حتى الآن إلى بديلة وكل ما فعلته هو التدريب القاسي على القفز والمبارزة والملاكمة لمدة شهر واحد في كل مرة قبل بدء العمل الرسمي أمام الكاميرا. وأنا أنصح بألا يفوتكم آخر أفلامي «صدام العمالقة 2» الذي ينزل عام 2012 إلى صالات السينما والذي منح لي فرصة المشاركة في مشاهد مبنية على الحركة والقتال. أنت مثلت في فيلم «نحن نطالب بالمساواة في الحقوق مع الرجال» الذي يتعرض للإضرابات التي قامت بها النساء العاملات في مصنع فورد للسيارات في بريطانيا في سبعينات القرن العشرين بهدف الحصول على أجر معادل لذلك الخاص بالرجال، فما هو موقفك من حركات الدفاع عن حقوق المرأة بعامة؟ - أعترف بأن المشاركة في هذا الفيلم أتاحت لي فرصة الانغماس في جو حركات الدفاع عن حقوق المرأة وبالتالي حسن إدراك تصرفات النساء بطريقة عميقة في ما يتعلق باشتراط المساواة مع الرجال في كل ميادين الحياة الاجتماعية وذلك حتى في عصرنا الحالي. واذا كانت الأمور تحركت منذ السبعينات، الا انه لا تزال هناك بعض الميادين التي يسودها الركود من هذه الناحية، بمعنى أن الرجل يسيطر عليها كلياً ولا يترك للمرأة أي ثغرة للتنفس فيها وإثبات قدراتها. والسياسة بلا شك من هذه الميادين.