اذا كانت هذه هي الطريق الى المصالحة الفلسطينية، على ما وعدنا رئيس المكتب السياسي ل"حماس"خالد مشعل خلال زيارته الى غزة، فإنها ستكون بالتأكيد طريقاً حافلة بالصعوبات وبالمواقف المتناقضة والحملات المتبادلة. وأغلب الظن أن شعور الانتصار الذي يعيشه طرفا المعادلة الفلسطينية حالياً،"فتح"من خلال كسبها التصويت في الاممالمتحدة و"حماس"من خلال توظيفها الهدنة في غزة في خانة"انتصارها"على إسرائيل، هذا الشعور هو الذي يجعل حديث المصالحة بضاعة رائجة هذه الأيام. ولكن تعالوا نناقش ما خلف هذه البضاعة. لفتني في هذا المجال تعليق ليلى خالد، المسؤولة في"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"وصاحبة الباع الطويل في المواجهة مع إسرائيل عندما كان خطف الطائرات لا يزال على لائحة وسائل هذه المواجهة، عندما قالت بمناسبة زيارة مشعل، التي وصفت بالتاريخية، إنها تشك في النوايا الحسنة التي أظهرتها حركتا"فتح"و"حماس"كلتاهما بالنسبة الى المصالحة وإنهاء الانقسام. وتابعت ليلى أن الخلافات بين الحركتين ما تزال كبيرة ومعقدة على رغم ما يشاع من أجواء إيجابية وخطابات تصالحية. والواقع أن زيارة أبو الوليد إلى غزة كان يمكن أن تكون تاريخية فعلاً لو انه حظي باستقبال على أرض القطاع من قبل الرئيس الفلسطيني أبو مازن، بصفته رئيس دولة فلسطين، التي يحتفل الفلسطينيون بكسبها مؤخراً صفة المراقب غير العضو في الأممالمتحدة. لقد كان غياب أبو مازن عن غزة، وهي جزء من دولة فلسطين، في الوقت الذي يزور دول العالم بصفته الرسمية كممثل لهذه الدولة، مثيراً للدهشة. ومع ان"فتح"كانت ممثلة على مستوى أدنى، وكانت أعلامها القليلة ترتفع بخجل في مناسبة الاستقبال، فإن وجود الرمز الفلسطيني الأول كان في حد ذاته سيعطي أفضل انطباع أن صفحة الخلاف قد طويت وحلت مكانها صفحة الوحدة الوطنية. ولم تساعد التصريحات والخطب التي أدلى بها مشعل في غزة أيضاً على إعطاء انطباع بأن الخلاف القديم مع"فتح"حول استراتيجية العمل الفلسطيني قد ولّى، ففي حديثه عن الثوابت التي يريد لها أن تكون أساس القواسم المشتركة للمشروع الوطني، صنّف أبو الوليد هذه الثوابت بأنها تشمل: الأرض والقدس وحق العودة والمقاومة، من دون التفريط بشبر من فلسطين أو اعتراف بإسرائيل. وعندما يصل الحديث إلى"التفريط"يبرز جبل من الاتهامات وحملات التخوين بين أكبر فصيلين فلسطينيين، ففي الوقت الذي تتبع"فتح"سياسة التفاوض وتؤكد على الحدود التي تريدها للدولة الفلسطينية العتيدة، وهي حدود ال1967، ومن ضمنها القدسالشرقية وحل قضية اللاجئين بالتراضي وعلى أساس قاعدة التعويضات وهذه هي مبادئ التسوية التي استند إليها التصويت الأخير في الجمعية العامة، سمعنا خالد مشعل في غزة يرفع سقف المطالب ويعلن أن"فلسطين، من نهرها إلى بحرها ومن شمالها إلى جنوبها، أرضنا وحقنا ووطننا ولن نتنازل عنها". وأنا لا أجادل هنا في عدالة هذا المطلب، لأنه بالطبع مطلب عادل، من وجهة نظر حقوقية وإنسانية، وسعي إلى تصحيح جرم تاريخي ارتُكب بحق شعب فلسطين. لكن إصرار قيادة"حماس"على هذا الموقف، في الوقت الذي تسلك قيادات"فتح"نهجاً اكثر واقعية وأقل تصلباً، لا يساعد بالتأكيد على المصالحة، كما أنه يفتح الباب أمام استغلال إسرائيل خلافات الطرفين، وأمام حملات"التخوين"من قبل الذين ينتظرون أي موقف يعتبرونه"مهادناً"من جانب"فتح"لشن الحملات عليها ومنعها من العمل السياسي في غزة، كما حصل منذ عام 2007. أضف إلى ذلك، أن الترتيبات التي رافقت زيارة خالد مشعل إلى غزة، مع إصرار إسرائيل على منع زعيم"الجهاد الإسلامي"رمضان شلح من مرافقته، لا تترك كثير مجال لرفع سقف التهديدات والمطالب الفلسطينية، فالتهدئة التي تنعم بها غزة هذه الأيام تمت برعاية وبشروط يدرك مشعل بالتأكيد تبعاتها. ولذلك فمن الأفضل أن يوضع هذا السقف العالي لخطبه الحماسية في سياق ما اعتادت عليه"الجماهير"في هذه المناسبات، على ان يكون استراتيجية ل"حماس"في المرحلة المقبلة.