ها هم أبناء غزة يضربون أسمى المعاني في النضال والصمود ويعطون العالم المتحضر درساً في المقاومة والصبر على المكاره ويلقنون إسرائيل الدويلة المارقة درساً قاسياً سيظل يطاردها إلى الأبد. وها قد أعلنها أبناء غزة صريحة وواضحة أن زمن العربدة الإسرائيلية ولّى وأن الكرامة فوق كل اعتبار ولم تعد جيوش إسرائيل الجرارة وأسلحتها الفتاكة تجدي نفعاً. الحصار الخانق والتجويع والقتل والقصف والحمم التي تطلق على قطاع غزة لن تثني الشعب الفلسطيني عن المطالبة بحقوقه المشروعة والمكفولة بموجب القوانين والأعراف الدولية ، وعلى إسرائيل الإقرار والاعتراف بهذه الحقوق إذا أرادت أن تعيش في أمن وسلام. الجميع شاهدوا الفزع والهلع الذي دبّ في أوصال الدولة العبرية وكيف أصبحت شوارع أكبر مدنها خالية بعدما هرع سكانها إلى الملاجئ، خوفاً من الموت من مجرد صواريخ محلية الصنع أطلقتها المقاومة الفلسطينية. لقد انهارت معنوياتهم فجأة وخارت قواهم وتعكرّت أجواء الأمن الوهمي الذي يعيشونه منذ أن احتلوا أرض فلسطين وأقاموا دولتهم المزعومة بموجب القرار المشؤوم السيء الذكر الرقم 181 الصادر سنة 1947 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ، والذي منح إسرائيل حقاً لا تملكه الأممالمتحدة، وليس من اختصاصها منحه وهو قرار معيب وباطل من الناحية القانونية شكلاً وموضوعاً وما بني على باطل فهو باطل. للمرة الأولى في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تطال عاصمة الدولة العبرية الصواريخ من قطاع غزة تحديداً، ولابد انهم أدركوا أن هناك شعباً يجب اعطاؤه حقوقه والاعتراف به واحترامه والتوقف عن قتله وحصاره وتدمير مدنه وقراه. وعلى الجانب الآخر تابع العالم عبر الفضائيات كيف هم أبناء غزة لا يبالون بالموت ويطلبون الشهادة ويتآلفون وينقذون بعضهم بعضاً والصواريخ تسقط فوق رؤوسهم والطائرات تنفث حممها عليهم ولم يؤثر ذلك فيهم وهم الذين اعتادوا المواجهة وأصبحوا لا يخافون الموت. ولكم كانت المقارنة بائسة بين أبناء غزة الصامدين وشعب إسرائيل الخائف الذي يجري في كل مكان وكأن الأرض ضاقت عليه. وها هي حكومة إسرائيل العتية والمدعومة من أقوى دولة في العالم تطلب التهدئة وهذا دليل على الفشل والتخبط والخوف. على إسرائيل أن تدرك الواقع وتتخلى عن صلفها وغرورها فعدم المبالاة وسياسة الاغتيالات والحصار والتجويع لم تعد تجدي نفعاً فالشعب الفلسطيني رقم صعب لا يمكن تجاهله أو محوه، وعليها احترامه فوراءه شعوب عربية استفاقت ونالت حريتها وتخلصت من طغاتها ويوم الحقيقة والحساب قد اقترب وصار قاب قوسين أو أدنى والربيع العربي سيطال فلسطين يوماً ما. قطاع غزة كابوس إسرائيل الأول إلى درجة أن رئيس وزراء إسرائيل الراحل اسحق رابين تمنى أن يستيقظ صباحاً ويجد قطاع غزه قد ابتلعه البحر. ولكن هيهات ستبقى غزة شوكة في قلب إسرائيل وسينال الشعب الفلسطيني حقوقه. على المقاومة الفلسطينية أن تكون حذرة من ألاعيب إسرائيل وخدعها وعليها أن تستثمر ما كسبته في ميدان القتال لمصلحة الشعب الفلسطيني، والسياسة الحكيمة هي التي تحصد نتائج الانتصار والصمود في الميدان. وإلى حين تحرّر جميع الشعوب العربية من طغاتها وبمجرّد تنظيمها لصفوفها وتغلّبها على جراحها وآلامها وتجاوزها لمحنها، ستتفرّغ هذه الشعوب لقضيتها الأولى فلسطين الحبيبة. أسامة عبد الرحيم البشيري - بريد إلكتروني