كان من المقرر أنّ يزور الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، العاصمة الباكستانيّة أوائل الشهر الجاري للمشاركة في قمة رباعية تجمع إلى روسياوباكستانأفغانستان وطاجيكستان. وكان يتوقع أن تكون الزيارة هذه تاريخيّة، وكانت لتكون الأولى لرئيس روسي يزور باكستان، الدولة النووية، وثاني أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان واللاعب المهم في منطقة جنوب آسيا ووسطها. لكن الزيارة ألغيت في اللحظة الأخيرة. وقيل رسمياً إن مثل هذه الزيارة لم يعدّ لها. وبحسب مصادر أخرى، يعود الإلغاء إلى عدم التوافق على موضوعات المناقشة. أمّا الرواية غير الرسميّة فتشير إلى أنّ الإلغاء سببه غياب التوافق على مشروع أنبوب الغاز الممتد عبر إيرانوباكستانوالهند. ولا يمكن أن تقدم روسيا إزاء باكستان على خطوات في منأى من الهند، الحليف الروسي التاريخي والاستراتيجي. ويسود المنطقة واقع جيوسياسي متحدر من مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثانية حين انفصلت باكستان عن الهند، لتصبح الأخيرة من الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز والحليفة الاستراتيجيّة للاتحاد السوفياتي في المنطقة. وتطورت هذه العلاقة، إثر النزاع العقائدي الذي نشب بين العملاقين السوفياتي والصيني في ضوء النزاعات الحدوديّة بين الصينوالهند. وتتنازع باكستانوالهند على منطقة كشمير التي تسكنها غالبية مسلمة، وأدى النزاع هذا إلى 4 حروب بين الدولتين. وفي ظلّ هذا الانقسام، ارتبطت باكستان بشراكة مع الولايات المتّحدة، وفي وقت لاحق مع الصين. ونتج من هذا التحالف دعم باكستانوالولايات المتّحدة لحرب المجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي والحرب ضد حركة"طالبان". تتجه العلاقات إلى برودة بين الحليفين القديمين إسلام آباد وواشنطن، على وقع الغارات الجويّة الأميركيّة التي غالباً ما تنتهي بسقوط مدنيين باكستانيين، وتشتبه واشنطن في تورط الحكومة الباكستانيّة بدعم حركة"طالبان"، وهذه الشكوك حملتها على التقرّب من الهند، ما أثار حذر باكستان، في وقت تطورت العلاقات بين روسياوالهند التي صارت من أبرز مستوردي السلاح الروسي. لكن التوجه إلى تطوير العلاقات بين باكستانوروسيا فعلي وليس من بنات الخيال، وخير دليل زيارة الجنرال كياني الأخيرة إلى موسكو التي لا يستهان بأهميتها. فباكستان ذات باع طويل في حكم العسكر الذين يملكون تأثيراً هائلاً في سياسة إسلام آباد. انّ دعوة بوتين إلى زيارة باكستان وزيارة الجنرال كياني موسكو هما دليل على تغيّر في توجهات دولة كبرى ووازنة في هذه المنطقة في ميزان المصالح الروسية. وملاحظة باكستان التقارب الأميركي - الهندي حملتها على الانفتاح على التقارب مع روسيا. وتنظر موسكو بعين الحذر إلى هذا التقارب لأنها لا تريد التفريط بعلاقاتها مع الهند، لكنها تحاول أن تزن أهميّة العلاقة الممكنة مع باكستان في ميزان مصالحها. وتندرج المحادثات التي أجراها الجنرال كياني في روسيا في سياق جلاء هذه المسائل. * صحافي، عن "روسكي ريبورتير"الروسيّة، 11/10/2012، اعداد علي شرف الدين