ايفو آندريتش ونيقولا تسلا ونيمانيا كوستوريكا، ما الذي يربط بين هذه الأسماء الثلاثة؟ في 27 تشرين الثاني نوفمبر 2011 افتتح في مطار بلغراد، الذي أصبح الآن يسمى"مطار نيقولا تسلا"، معرض وثائقي عن الروائي ايفو آندريتش بمناسبة الذكرى الخمسين لفوزه بجائزة نوبل للأدب في 1961. في ذلك الحين كان آندريتش يعرف ب"الأديب اليوغسلافي"ولكن بعد تصدّع يوغسلافيا تصارعت الجمهوريات عليه، إذ أنه ولد عام 1892 في أسرة كرواتية كاثوليكية في مدينة ترافنيك في البوسنة وانتقل إلى بلغراد بعد أن أصبحت عاصمة يوغسلافيا في 1918 وبقي فيها إلى وفاته في 1975، ولكنه ارتبط أكثر بالنخبة والثقافة الصربية وأصبح من أعلام الأدب الصربي ولذلك تحتفل به صربيا باعتباره من أهم رموزها في القرن العشرين. أما نيقولا تسلا فهو يشبه آندريتش في أنه ولد عام 1856 في أسرة صربية بقرية سمليان بقلب كرواتيا، حين كانت آنذاك في إطار امبراطورية النمسا والمجر، وهاجر إلى الولاياتالمتحدة في شبابه حيث حصل على الجنسية الأميركية واشتهر في كل العالم باختراعاته في الكهرباء والراديو الخ حتى لقّب ب"مخترع القرن العشرين". ومع تصدع يوغسلافيا أيضاً احتفت به صربيا أكثر وأطلقت اسمه على مطار بلغراد. وأما السؤال الآن: لماذا مثل هذا المعرض عن آندريتش في المطار ؟ في الحقيقة أن هذا المعرض الذي نظمه"متحف ايفو آندريتش"في بلغراد بعنوان"إيفو آندريتش: كاتب أو ديبلوماسي" يتناول الجانب الآخر غير المعروف أو النصف الأول لحياة آندريتش المهنية 1921-1941 حين كان يعمل في وزارة الخارجية وتدرج فيها حتى أصبح نائباً لوزير الخارجية في 1938. فخلال هذه السنوات تنقل آندريتش بين مدن أوروبية من قنصل إلى سفير ليوغسلافيا، حيث خدم في روما وبوخارست ومرسيليا ومدريد وبروكسل وجنيف وبرلين. وهكذا كان آندريتش دائماً على سفر ما بين المطارات ويغيّر الكثير من الشقق التي يسكن فيها مع انتقاله من مدينة إلى أخرى. ومن هنا فإن هذا المعرض يكشف بالصور والوثائق عن الأماكن التي عاش وكتب فيها آندريتش. ولكن اختيار المطار لمثل هذا المعرض يعبر عن رؤية مستقبلية. ففي هذا المطار يمرّ سنوياً ثلاثة ملايين راكب من صربيا وإلى صربيا، ولذلك جاءت فكرة المعرض باختيار الصالة الأخيرة للركاب المغادرين، بعد أن ينتهوا من إجراءات جوازات السفر، وكذلك الصالة الأولى للركاب القادمين حيث ينتظرون وصول الحقائب، للتعرف في شكل مختلف على آندريتش. أما المغادرون فيحملون معهم هذا الرمز الذي يحرضون على التعرف على أعماله في لغاتهم بعد عودتهم إلى بلدانهم، وأما القادمون فهذا يجعلهم على تواصل مع ما يعتبر الآن أهم رموز الثقافة الصربية. جسر على نهر درينا ومن هنا ركّز وزير الثقافة الصربي بردراغ ماركوفيتش في كلمته الافتتاحية لمعرض آندريتش الذي ارتبطت شهرته برواية"جسر على نهر درينا"على أن الهدف من هذا المعرض"مدّ الجسر بين الركاب الذين يأتون وبين المدينة التي يأتون اليها، وأن يتعرفوا على القيم الأساسية التي يمكن لصربيا بها أن تمدّ الجسر مع الشعوب الأخرى، أي الثقافة". ومن ناحية أخرى أضاف ماركوفيتش أن"الكتابة الحكيمة والكلمة المعبّرة تربط ما بين الناس فقط حين تُقرأ وتُحمل، وأن الركاب حين يسافرون يعرفون أن الجسور تربط الشطآن وتربط ما بين الناس حين يعبرون عليها". ومع تركيزه على مكانة آندريتش في صربيا وبالنسبة إلى صربيا الآن فقد اختتم ماركوفيتش كلمته بأنه يريد أن يتوجه إلى الركاب الذين يرون المعرض بالقول"طالعوا آندريتش وزوروا صربيا". ويرتبط بهذا الاسم الثالث الوارد في العنوان، أي نيمانيا كوستوريكا أو أمير كوستوريكا كما أصبح يعرف الآن بعد أن غيّر اسمه. فقد ولد كوستوريكا في سراييفو واشتهر خلال زمن يوغوسلافيا التيتوية بأفلامه التي جعلت منه مخرجاً معروفاً في العالم "هل تتذكر بيلي دول"و?"الوالد في مهمة رسمية"و"زمن الغجر"، ولكن بعد تصدع يوغوسلافيا والحرب في البوسنة اكتشف كوستاريكا صربيته وتصالح مع نفسه بتغيير اسمه وانتقاله للعيش في"جمهورية الصرب"في البوسنة. وفي هذا السياق قرر كوستاريكا أن يعد لأضخم عمل قام به حتى الآن ألا وهو تحويل رواية آندريتش"جسر على نهر درينا"إلى فيلم سينمائي. ولأجل هذه الغاية انتقل إلى مدينة فيشغراد الذي يربط جسرها على نهر درينا جمهورية صربيا وجمهورية الصرب، حيث تدور أحداث"الرواية". وقرر هناك بناء مدينة كاملة على نمط ماهو موجود في رواية آندريتش ليصور فيها فيلمه أولاً ثم ليحولها إلى مدينة سياحية تجتذب كل من يريد أن يعايش أجواء رواية آندريتش. ومن الطبيعي أن يحظى مثل هذا المشروع بدعم من رئيس الجمهورية ميلوراد دوديك، الذي وعد كوستوريكا بملايين الدولارات. وبالعودة إلى السؤال الأول عن الذي يربط بين الشخصيات الثلاث المذكورة في العنوان، نشرت الجريدة الصربية"سربسكه نوفينه"عشية افتتاح معرض إيفو آندريش في"مطار نيقولا تسلا"تعريفا ب"أعظم 30 شخصية صربية في القرن العشرين"، حيث احتل فيها المرتبة الأولى نيقولا تسلا والمرتبة الثانية ايفو آندريتش والمرتبة الثالثة نيمانيا كوستوريكا.