استبعدت مصادر سياسية بارزة في الحكومة اللبنانية، أن يؤدي الخلاف على تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان داخلها الى طرح مصيرها، إزاء التقديرات بأنه ملف تفجيري فيها، بعد أن تراكمت الملفات الخلافية فيها، من موضوع الكهرباء الذي استطاعت تجاوز قطوعه وبات الآن في المجلس النيابي، أو غيره من المواضيع. وأشارت المصادر الى أن وجود فريقين داخل الحكومة في ما يخص التزام رئيسها نجيب ميقاتي تمويل المحكمة، لا يعني تفجير الحكومة من الداخل، حتى لو كانت الأكثرية ستصوت ضد هذا التمويل. فالوزراء الذين يعارضون التمويل في حال بُحث الأمر في مجلس الوزراء سيصوتون ضد هذا التمويل حكماً هم على الأقل 17 وزيراً، أي وزراء"حزب الله"وحركة"أمل"الأربعة ووزراء تكتل التغيير والإصلاح النيابي بزعامة العماد ميشال عون العشرة، يضاف إليهم وزير الحزب السوري القومي الاجتماعي والوزير فيصل كرامي، والوزير مروان خير الدين ممثلاً النائب طلال أرسلان، هذا إذا لم ينضم إليهم وزير الدولة نقولا فتوش فيصبحون 18 وزيراً، مقابل وقوف الوزراء المحسوبين على الرئيس ميقاتي 6 وفريق رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط 3 ووزراء رئيس الجمهورية ميشال سليمان 3 مع التمويل. وتضيف المصادر البارزة نفسها:"قد لا يلجأ الرئيسان سليمان وميقاتي الى طرح الأمر على مجلس الوزراء، تجنباً لسقوط هذا الاقتراح، والأرجح أن يقدما على التمويل بإصدار مرسوم بدفع حصة لبنان للعام 2011 47 بليون ليرة لبنانية يوقِّعانه مع وزير المال، بتحويل المبلغ الى الأممالمتحدة، التي تحوله بدورها الى موازنة المحكمة في لاهاي. وما يقوله مؤيدو التمويل، استناداً الى القناعة بعدم جواز مخالفة القرارات الدولية، ومنها القرار 1757 المتعلق بالمحكمة، أن هذا التمويل سيتم بأي وسيلة، على رغم معارضة"حزب الله"الشديدة له، وعبر السلطة التنفيذية على الأرجح، لأن فكرة طرحه عبر اقتراح قانون على المجلس النيابي يلزم الحكومة، باتت مستبعَدةً، لأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد يضعه في الدرج، لأنه يعتبر أن المحكمة غير قانونية طالما أنها أقرت في مجلس الأمن بناء لطلب الحكومة"غير الشرعية والبتراء"في حينها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2007، وبالتالي سيحول دون وصول اقتراح التمويل الى الهيئة العامة للبرلمان. ويضيف هؤلاء:"سيبقى حزب الله على معارضته للتمويل مع حلفائه المتضامنين معه إذا نفذ ميقاتي دعمه المحكمة، ولن يقبل على نفسه تغيير موقفه من محكمة وصفها بأنها إسرائيلية وأميركية، لكنه في الوقت نفسه لن يقوم بخطوة تهدد وجود الحكومة أو تؤدي الى تفجيرها من الداخل، لأن الحزب يتصرف على أساس التسليم بالخلافات بين مكونات الأكثرية التي تتشكل منها مع التمسك ببقائها في هذه المرحلة مهما كانت الأثمان إذا كان الأمر في يده ويد حلفائه المباشرين. وتؤكد المصادر السياسية البارزة نفسها، أن أولوية"حزب الله"الذي له الكلمة الأقوى داخل الحكومة، هو بقاؤها، وعدم فتح باب التغيير الحكومي في هذه الظروف لأسباب عدة، أبرزها أن الأكثرية التي تتشكل منها قد لا تبقى أكثرية في أي حكومة مقبلة، وأن بقاء الرئيس ميقاتي على رأسها أفضل من مجيء غيره، على رغم تعارض بعض مواقفه مع موقف الحزب وحلفائه في بعض الملفات، ومنها المحكمة، وأخيراً، ان اي تغيير حكومي قد يعيد طرح اسم الرئيس سعد الحريري، وهذا ما يسعى الى تجنبه بأي وسيلة، بعدما سعى بالتعاون مع القيادتين السورية والإيرانية الى إسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي كان يرأسها الحريري وحال مع دمشق وطهران دون عودته الى تأليف حكومة جديدة في كانون الثاني يناير الماضي. وتقول المصادر البارزة في الأكثرية، إن تجارب الأسابيع الماضية أظهرت تساهلاً من الحزب حيال الخلافات التي ظهرت فيها استناداً، الى أولويته بضرورة الإبقاء على الحكومة وممارسة سياسة سعة الصدر مع شركائه في هذه الأكثرية للتعاطي مع المأزق الذي يسببه له التعارض بين الحلفاء أو بين أطراف الائتلاف الحكومي برئاسة ميقاتي، على رغم انزعاجه تارة من هذا وأخرى من ذاك من هؤلاء الأطراف. وهو تدخل في كل مرة للحؤول دون تفاقم الخلاف بين هؤلاء الحلفاء على رغم الإرباك الذي يسببه له ذلك للحفاظ على الحد الأدنى من التوافق كالآتي: 1 - في ملف الكهرباء: مارست قيادة الحزب ضغوطاً على حليفها الرئيسي العماد عون كي يحجم عن التلويح بالانسحاب من الحكومة أو بتعليق وزرائه حضور جلساتها إذا لم يؤخذ بمشروعه وبطروحات وزير الطاقة جبران باسيل. وسعى مع الرئيس بري الى تدوير الزوايا حين أصر النائب جنبلاط وفريقه الوزاري على إيجاد الضوابط لمشروع تأهيل الكهرباء وعمل على إقناع عون بوجوب الأخذ بهذه الضوابط، على قاعدة أن التلويح بنسف وحدة الحكومة له مخاطر كبيرة، معتبراً أن الاختبار الذي أراد العماد عون خوضه تحت عنوان"هل نحن أكثرية متضامنة أم لا"في غير محله، محذِّراً حليفه المسيحي من أنه اختبار غير مضمون النتائج. فايز كرم ... وجنبلاط و"ويكيليكس" 2 - ان العماد عون أحرج قيادة"حزب الله"بهجومه وعدد من نواب تكتله على أطراف في الحكومة ومنهم الرئيس ميقاتي، رداً على الحكم الصادر على القيادي في"التيار الوطني الحر"العميد المتقاعد فايز كرم، بتهمة التعامل مع إسرائيل، وحين خاض الحملة على فرع المعلومات ورئيسه العقيد وسام الحسن مدخلاً للخلاف مع ميقاتي. وإذ تجنب الحزب التعليق علناً على الحملة الدفاعية التي خاضها عون في قضية العميد كرم، فإن المصادر البارزة لم تخف ضمناً انزعاجاً من الدفاع عنه، نظراً الى أن المعطيات التي لديها عما يملكه القضاء والتحقيق تثبت أنه تورط في تسريب معلومات عن"التيار الوطني"وعلاقته بالحزب... إلخ، بل إن قيادة الحزب أبلغت عون بصراحة، وبطريقة أو بأخرى، أنه ليس من المصلحة أن يواصل الدفاع عن كرم، خصوصاً أن الحزب وحلفاءه وقفوا مع أحكام أشد وطأة على متهمين آخرين بالتعامل مع العدو... لكن الحزب مضطر في الوقت نفسه إلى مراعاة عون في ملفات عديدة كحرصه عليه كحليف يجب أن يبقى قوياً ليربح معه أكثرية أكثر ثباتاً في انتخابات 2013 النيابية. 3 - في العلاقة مع جنبلاط: غضت قيادة الحزب الطرف عن ملاحظات جنبلاط السياسية الأخيرة التي فيها تعارض واضح مع سياسة الحزب حيال الوضع في سورية وعودته للحديث عن الاستيعاب التدريجي لسلاح المقاومة داخل الجيش في إطار إستراتيجية دفاعية عندما تسمح الظروف بذلك، على رغم حملة حلفاء لها على مواقف جنبلاط. وتجنبت التعليق على هذه المواقف على رغم الاختلاف معه في شأنها استناداً الى استمرار تأييده المقاومة في مواجهة إسرائيل، وعلى رغم تأييده الواضح لتمويل المحكمة. وبدا الحزب في ما يخص الموقف من سورية محرجاً، نظراً الى أن ما قاله جنبلاط ليس بعيداً عما باتت قيادات إيرانية تقوله لجهة وجوب استماع الحكام لمطالب شعوبهم المحقة واعتماد الحوار. وأقرت ضمناً بحق جنبلاط في الاختلاف معها في التعاطي مع هذا الملف، نظراً الى اختلاف موقع كل منهما حيال سورية وقيادتها، إذ إن بقاء النظام الحالي مسألة مصيرية بالنسبة الى المقاومة، على رغم ما يتردد من أن الجانب الإيراني أجرى اتصالات مع فصائل في المعارضة السورية تشمل"الإخوان المسلمين". 4 -"ويكيليكس": تجنب"حزب الله"الانعكاسات السلبية لما ينشر في وثائق الشبكة الإلكترونية من وثائق عن أقوال لحلفائها الأقربين، خصوصاً عون والرئيس بري وبعض معاونيه والرئيس ميقاتي، أمام الديبلوماسية الأميركية والتي لا تخلو من الازدواجية حيال الحزب، وذلك للحؤول دون أي خلاف مع هؤلاء الحلفاء يؤثر على الائتلاف الحكومي. وعلى رغم أن الحزب لم ينف وثائق ويكيليكس فإنه حرص على الدفاع عن العماد عون والرئيس بري بقوة، منعاً لأي شرخ في هذه الظروف الدقيقة متجنباً تكذيب الوثائق لئلا يؤخذ عليه تصديقه إياها حين نشرت أحاديث خصومه السياسيين ضده... وتسرد المصادر البارزة هذه الأمثلة وغيرها، لتؤكد أن الحزب سيحول دون تفاقم الخلاف في ملفات أخرى، في شكل يهدِّد الائتلاف الحكومي ومنها ملف تمويل المحكمة.