الأحد 20/3/2011: وطأة مع معمر القذافي الصمت، أو كلام يكرر كلامه. الأمر سواء، فهناك تحفّظ بالضرورة، ناتج عن عقل أبكم. لا يحلل ولا يحكم ولا يأمر بنطق. الجسد هنا بديل الكلمات. مشي سريع بلا هدف. مشي سريع يخترق نساء عابرات. أيدي المشاة تضرب أجسادهن كيفما اتفق، كناية عن قصد لا يبدو قصداً. وإذا كانت الكلمات مطلوبةً قسراً في الحشد المنظم، فهي أيديولوجية ممضوغة من قبل، مثل أن تدخن بقايا سيجارة رماها أحد المارة، وقد يكون داسها بحذائه. كلمات كبيرة، قد تبدو كبيرة ومحقة، لكنها في النهاية حركة عُصابية من اللهاة والفم، مثل أن يتكلم الأخرس، مثل ريح في قصبة ينتج منها صوت. الإثنين 21/3/2011: يوم الشعر يتراجع الشعر عن اقتحاماته الاجتماعية ويعود الى برج اللغة، حيث علاقة غامضة مع أسرار الكون المرتبطة بشكل لا نعرفه بأسرار النفس الإنسانية. لا يبقى من الشعر سوى هذا الإحساس الغامض يرسله الشاعر الى قارئ مجهول فيولد ما يشبه شبكة لذاذات روحية، ما يشبه وجد المتصوفين الجامع. يوم الشعر العالمي اليوم، بحسب منظمة اليونيسكو، في ذروة مرحلة القسوة التي تطغى، خصوصاً في عالمنا العربي. نحن أمة الشعر ويدخل شعراؤنا في الأيديولوجيا أو يتذرعون بالكلام اليومي ليعبِّروا عن السياسة بآلات الشعر، لكن التركيبة مفضوحة، فلا نحن نقرأ شعراً ولا تعليقاً سياسياً، لأن النص هجين ونافل. والشاعرة الإسبانية كلارا خانيث، التي كتبت كلمة اليوم العالمي للشعر، ليست بعيدة عن يومي السياسة وإن استندت الى الحرية شعاراً يجمع هذا اليومي بإطلاقات الشعر وفسحاته. تورد قول دوستويفسكي"الجمال هو الذي سينقذ الأرض"، وتدخل في خلايا الشعر، حقيقته، لترى أنه مقاومة سلمية أتكون الثورات السلمية الراهنة في العالم العربي تعبيرات شعرية؟، وتستعير من غاندي رؤية للشعر تضعه في مواجهة أشكال التعصب الدينية وغير الدينية. تصف الشعر بوظائفه لا بجوهره ولا بكنهه، لذلك تستعير، في ما يشبه الاحتفال، مقطعاً للشاعر الإيراني الراحل أحمد شاملو - وهو للمناسبة مُعارض للنظام القائم في طهران - أشبه بنشيد أمل للمناضلين من أجل الحرية. يقول شاملو: "أظن أن قلبي لم يكن قط، هكذا، أحمر ومشتعلاً. أحس أنه في أسوأ الهنيهات من ليل الموتى هذا. هنالك آلاف من ينابيع الشمس تتدفق، من اليقين، في قلبي. أحس، في كل منعطف وزاوية من فلاة اليأس هذه. هنالك آلاف الغابات الغضة، تنبثق، من الأرض فجأة". الثلثاء 22/3/2011: مياه الألم تأنسين في عتمتك بعد انطفاء المصابيح، وأفتح حدقتي مثل قطّ لأرى نثار الضوء، حشرات على زجاج السماء الأسود، والليل أعمى يحاول الكلام حيث لا صوت بلا ضوء. كما لو تمضي بنا سفينة في بحر الظلمات وفي أطراف أشرعتها ضفائر نساء لا ندري مصيرهن. نتمسك بخشب السفينة لئلا تسقط في اليأس، نتمسك. الأربعاء 23/3/2011: إيفا غاردنر اليزابيث تايلور توفيت اليوم عن 79 عاماً. ظننتها أكبر سناً، فالأميركية الناعمة، الشرسة أحياناً، دخلت مبكراً في طقس البدانة ففقدت قوام الممثلة. كان آخر حضورها الغاوي صورها مع ريتشارد بورتون، زوجها وشريكها في تمثيل عدد من الأفلام، لعل أهمها"من يخاف فيرجينا وولف"الذي تفرد بعرض طاقاتها التي لم تظهر قبل ولا بعد، حتى في كليوباترا، دورها المشهود والمشهور. وجهة نظر، بل هي الذائقة، فلمثلي أن يتعامل مع السينما كعنصر في تكوين خياله. واحد من جيل أراد التغيير فأوصله إلى الاغتراب عن أهله ومكانه. كان تمرد المراهق سبيلاً الى عالم بديل وطلاق الواقع الى حيث ترضى النفس ويتحقق الحلم. السينما الأميركية، ومن بعدها الفرنسية، وقليلاً المصرية، كانت قطعاً جمالية نبني منها عالمنا بالمشاهدة لا بالنضال. لكن القطعة الأهم - جسر بيت الخيال - لم تكن ليز تايلور، انما زميلتها التي تكبرها بعشر سنوات إيفا غاردنر. ظننت نفسي متفرداً بالتعلق بها، حتى قرأت شهادة لنائب رئيس مجلس النواب اللبناني فريد مكاري في الرئيس الراحل رفيق الحريري عن زمالتهما في المملكة العربية السعودية، هناك كانا بعد العمل يشاهدان فيديو أفلام بشغف:"كان الحريري يهتم بفئة مميزة من الممثلين، مثل إيفا غاردنر. كان معجباً بشكلها وأدائها، كما كان معجباً بهنري فوندا وجين فوندا واليزابيث تايلور". إيفا غاردنر التي تخصني، بطلة فيلم"ليلة الإيغوانا"، عن مسرحية لتنيسي ويليامز، مع ريتشارد بورتون وديبورا كير. أراها على شاطئ عذري في الكاريبي مع شابين خلاسيين وإيقاع الموسيقى، في أول الليل وآخره، حين يبدو البحر ثمرة محرمة. المرأة النمرة تلمحني من شاشة سينما ستاركو، نتبادل النظرات مثل برق خاطف فلا تنتبه يهوديات لبنانيات في الصالة، يشبهن سائر اللبنانيات، فليس من بينهن شبيهة لإيفا غاردنر أو لإليزابيث تايلور. فتيات حياتنا العادية نُسقط عليهن خيالات بعيدة فلا نرى الحقيقة جيداً ولا نعشق جيداً. وآخر ما رأيت إيفا غاردنر، صورتها في بيت الصديق نصير مروة في باريس. تأملتها وأكثرت التأمل، فنزعها الصديق عن الحائط وأهداني إياها. ايفا غاردنر عندي في لبنان، لكن جسدها في الصورة يبدو رقيقاً ولا ينسجم مع وجهها الصاخب المتحدي. أبقيت الصورة في الخزانة، لم أعلقها على الحائط. الخميس 24/3/2011: علي العميم الكاتب السعودي علي العميم دخل غابة الكلام حيث تكاد أشجار الفقهاء واليساريين والليبراليين تحجب شمس الحقيقة. وفي ظلمة المسار حمل مصباح النقد يهتدي به ويتلمس الأحوال العصيبة لبشر قدر لهم ان يسكنوا البلاد العربية والإسلامية. كتابه الجديد"شيء من النقد، شيء من التاريخ - آراء في الحداثة والصحوة وفي الليبرالية واليسار"يتألف من 700 صفحة من القطع الكبير عن دار جداول في بيروت 2011. وهو يتناول، كما يقول الناشر، لمحات من تاريخ المملكة العربية السعودية الثقافي والأيديولوجي، وومضات من تاريخ الصحوة والحداثة والليبرالية محلياً وإقليمياً، واليسار في بُعده العربي. لكن مصباح النقد الذي يحمله الكاتب يبدو رفيقاً حيناً وكثيرَ الكشف أحياناً الى حدّ الفضح، وفي كل الأحوال، يقدم نافذة على السجالات الأبرز في بلادنا المنكوبة باليقينات الجازمة. مسائل كثيرة نختار منها"الأدب الإسلامي بدعة إسلامية حديثة"، حيث يعتبر العميم ان المصطلح رجراج ومطاط"يخرج معتمدوه أدباء مسلمين من حظيرة الأدب الإسلامي، فيما يدخلون اليها أدباء هندوساً ومسيحيين غربيين". وهو لا ينكر على دعاة هذا النوع من الأدب دعوتهم، لكنه يلاحظ تخبطها النظري وشحّ النصوص الملائمة لنظريتهم وسعيهم الى قسر الإبداع على تبني ايديولوجيتهم المحدثة، وحسهم البوليسي في مطاردة ما يسمونه الفكر المستورد. وينشر العميم في كتابه ردّ الرابطة العالمية للأدب الإسلامي، ممثَّلة بالسيدة سهيلة زين العابدين حماد، وهي ترجع هذا الأدب الى دلالة الكلمة الطيبة التي يمثلها أدب الأمة الإسلامية الملتزم عقيدة ومبادئ وقيم وأخلاقيات الإسلام. لكن الكاتب يرد على السيدة حماد مؤكداً صدور مصطلح"الأدب الإسلامي"عن الحركة السياسية الأيديولوجية التي احتضنته، خصوصاً المنظّر الإسلامي أبو الحسن الندوي ومن بعده سيد قطب ونجيب الكيلاني وعماد الدين خليل وعبدالرحمن رأفت الباشا. وإذا أضفنا مصباحاً آخر الى مصباح علي العميم، نرى ان إلحاق الأدب لا يجوز إلاّ الى الأديب نفسه، كأن يقال: أدب نجيب محفوظ أو شعر المتنبي. وإذا أردنا التجاوز فيكون الى اللغة بسبب تلازم المبنى والمعنى، فنقول الأدب العربي والأدب الأوردي والأدب الإسباني وهكذا... كتاب علي العميم أنيس الجليس، وفي مسائله الكثيرة ومطارحاته دليل على ثقل المفكرين العرب والمسلمين وعرقلتهم الغريبة لمجرى الحياة لدى شعوبهم.