نتائج الاستفتاء السوداني التي ستؤدي بسيلفا كير الى ترؤس دولة جديدة مستقلة في السودان بعد 9 تموز يوليو تطرح مجدداً أسئلة حول أخلاقية السياسة الدولية وسياسات الدول الغربية الكبرى مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. فاليوم تلمّح الإدارة الأميركية انها ستسعى الى رفع العقوبات الأميركية عن السودان، كما نسمع انه إذا تم كل شيء على ما يرام بين السودان والجمهورية الجنوبية الجديدة فسيسعى الاتحاد الافريقي الى الطلب من مجلس الأمن تعليق ملاحقة عمر البشير من قبل المحكمة الدولية الجنائية، وان الدول الكبرى الاعضاء في مجلس الأمن ستبحث ذلك. فهذه الدول تقول انه ينبغي مساعدة جنوب السودان على النهوض، وأيضاً شماله الذي يعاني الفقر والبؤس. ها نحن نشهد مساراً جديداً سيبدأ بعد استقلال جنوب السودان إذا استمرت الأمور مثلما جرى في الاستفتاء. فالبشير سينقذ نفسه بحجة ان استقلال الجنوب سيحتم على الدول الكبرى والنافذة مساعدة الجنوب والشمال كي ينجح استقلال هذا البلد الكبير والشاسع. كم كان العالم الافريقي والعربي بغنى عن دولة جديدة لو أدرك نظام البشيرمن البداية ان حربه مع الجنوب عقيمة كما كل الحروب، تقتل أبناء شعبه وتحرم البلد من ظروف كريمة لحياة الشعب وتفقره. فلو كانت هناك محاسبة وديموقراطية حقيقية منذ البداية في السودان على جميع أراضيه لكان الشعب اختار مصيره في الشمال والجنوب من دون حرب والمزيد من الفقر والبؤس. وكان تقاسم الثروة على أسس شرعية ديموقراطية مثلما سيحصل الآن بعد تقسيم السودان الى دولتين. فالكل في الغرب، من فرنسا الى الولاياتالمتحدة الى الاتحاد الأوروبي، حيّا عملية الاستفتاء وموافقة البشير على نتائجها. فقد فهم الرئيس السوداني ان المخرج له هو القبول بذلك كي يحظى بالعفو الأميركي. فعلى غرار ما فعل القذافي عندما دفع أموالاً مقابل بقاء نظامه بعد تفجير طائرات كانت تقل مدنيين أميركيين وفرنسيين وأفارقة، ها هو نظام البشير الذي ليست لديه أموال للدفع بل تنازلات، يدفع الثمن للخروج من العزلة الدولية. فينبغي ان تكون ثورة الشباب في مصر درساً كبيراً للجار السوداني لأن المسامحة الدولية وحدها لا تحل مشكلة السودان. فالمطلوب من السودان ان يستمع ايضاً الى ما يريده شعبه في الشمال من حريات وانفتاح وحياة كريمة افضل من ظروفه الحالية. إن مسار استقلال جنوب السودان في 9 تموز سيشهد تزايد اهتمام الشركات النفطية العالمية بالعمل في الجنوب، علماً ان ما تقوله هذه الشركات ان كميات النفط ليست بضخامة تجعل من جنوب السودان بلداً نفطياً كبيراً، ولكن على الأقل ستمكّن السودان من الحصول على عائدات افضل مما هي حالياً. وفي الوقت نفسه على الشمال والجنوب ان يتفقا لتقاسم هذه الثروات لأن معظم النفط السوداني موجود في الجنوب، ولكن ليس بالإمكان تصديره حالياً إلا عبر الأنبوب الذي ينقله الى مرفأ سودان في الشمال، والأنبوب يمر عبر الشمال، وإذا أرادت الجمهورية الجنوبية الجديدة تجاوز هذا الأنبوب فعليها ان تبني خط نقل جديداً الى كينيا وهذا يأخذ وقتاً طويلاً قبل ان يُنفّذ. وبعد الخلافات حول ثروة النفط بين الشمال والجنوب بإمكان الدولتين المستقلتين ان تتفاهما على تقاسم الثروة وتشريع الاتفاق في حين انه لو تم ذلك سابقاً لكان أوفر للشعب السوداني بأسره. فالآن هناك شركات عدة كانت أخذت رخص تنقيب في جنوب السودان وكانت أوقفت العمل بسبب عدم الاستقرار والوقع الأمني بين الجنوب والشمال، فهناك"توتال"الفرنسية التي تملك منطقة تنقيب كانت تعمل فيها شركة"ماراتون"الأميركية واضطرت للخروج منها بسبب العقوبات. وكانت"قطر للبترول"مهتمة بالدخول بدلاً منها وكان رئيس حكومة قطر بحث ذلك مع رئيس شركة"توتال"في باريس منذ حوالى سنة. والآن بدأ عصر جديد للبشير ولجمهورية جنوب السودان بعد حروب شرسة أفقدت هذا الشعب ثرواته وضيّعت فرص تحسين حياته بسبب خلافات سياسية وُضع حد لها برغبة البشير في الخروج من العزلة الدولية!