زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب مقاطعة غورونتالو الإندونيسية    موجز    4.07 تريليون ريال حجم الناتج الإجمالي.. السعودية .. نمو مستدام ووجهة عالمية للاستثمار    واشنطن: الهجمات على الملاحة يجب أن تتوقف.. ضربات أمريكية على الحوثيين في 6 محافظات يمنية    34 قتيلًا وجريحًا.. حصيلة انفجار اللاذقية.. الضباط «المنشقون» ركيزة الجيش السوري الجديد    إذا لم تفشل.. فأنت لم تحاول من الأساس    للمرة الأولى في تاريخه.. وبحضور الرميان.. نيوكاسل بطلًا لكأس الرابطة الإنجليزية    الأخضر يدشن تدريباته استعداداً لمواجهة الصين ضمن تصفيات كأس العالم    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يبحثان المستجدات الدولية    أطلق خريطتها ب19 طرازاً فريداً.. ولي العهد: العمارة السعودية تعكس التنوع الثقافي والجغرافي    احرصوا على سجل الذكريات    فتح باب التقديم لبرنامج" معمل المسلسلات"    «عشا الوالدين»    نائب أمير منطقة تبوك يشارك الأيتام إفطارهم    صور مشرقة ل"كشافة تعليم الطائف" في خدمة المعتمرين بميقات السيل    جستر محايل تشارك فعاليات أطفال التوحد ضمن فعاليات مبادرة أجاويد 3    أمانة تبوك تتيح تقديم ترخيص الخدمات المنزلية عبر منصة بلدي    جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالعيص تنهي برنامج ( أكلفهم ولك أجرهم )    الخارجية تستضيف رؤساء البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية في رمضان    المملكة تسهم في إحباط تهريب سبعة ملايين قرص مخدر في العراق    محافظ البكيرية يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين "التعليم" و"جمعية الساعي على الأرملة"    لوران يريح اللاعبين خمسة أيام    برشلونة يتغلب على أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني    سلة الاتحاد تتوج ببطولة الدوري    محافظ الأحساء يرعى حفل تكريم 78 طالبًا وطالبة فائزين بجائزة "منافس"    استمرار الجهود الميدانية لفرق هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية في الحرمين الشريفين    أمانة حائل تطلق مشاريع استثمارية نوعية لتطوير 14 موقعًا    مستشفى الأمير ناصر بن سعد السديري بالغاط يواصل حملة "صم بصحة"    الزلزولي خيار جديد على رادار الاتحاد    محمد نور يتوقع بطل دوري أبطال آسيا للنخبة    تي تي إم تحتفي بإرثها في ملتقيات رد الجميل    متى تحسم درجات المواظبة ؟    الأثر الثقافي للتقاليد الرمضانية    %43 من الطلاب المعاقين بالمرحلة الابتدائية    أخطر رجل في الجماعة الإرهابية: مرحلة الإمارات (7)    إصلاح قدرات الناتو ضرورة لمواكبة التهديدات المتسارعة    نوتات موسيقية لحفظ ألحان الأهازيج الشعبية    مرسم مفتوح ومعرض تشكيلي في رمضان زمان    العلمانية.. عناصر جديدة لفهم مسارها    «مسام» ينتزع 548 لغمًا خلال أسبوع في اليمن    إفطار لصحفيي مكة    4.67 ملايين للعناية بمساجد الأحساء    ترفيه ومبادرات مجتمعية    طاش مديرا تنفيذيا للمدينة الطبية    321 عملية أورام تعيد الأمل لمرضى جازان    100 متطوع ومتطوعة بحملة صم بصحة    الكوادر النسائية بأمانة المدينة.. تعزيز جودة العمل البلدي    نائب أمير نجران يثمَّن جهود الأفواج الأمنية.. ويكرم الطلاب المميزين    تجديد مسجد العظام المبني في العهد النبوي    مكة في عهد الوليد بن يزيد.. اضطرابات سياسية وتأثيرها على إدارة الحرم    وغابت الابتسامة    سفيرة المملكة في فنلندا تدشن برنامج خادم الحرمين لتوزيع التمور    الصحة تجدد التزامها بحماية حقوق المرضى    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القابلية للفوضى ... رؤية في تداعيات الواقع وكارثية المتوقع
نشر في الحياة يوم 05 - 02 - 2011

في منتصف القرن الماضي ظهر كتاب مالك بن نبي"شروط النهضة"وفيه تحدث عن مفهوم جديد يُحلّل فيه جائحة الاستعمار الأجنبي الذي غزا أغلب العالم الإسلامي آنذاك، ويبتكر فكرة"القابلية للاستعمار"التي مهدّت الأرض ووفرت المناخ البيئي والفكري لدخول الغزاة إلى قلب المجتمعات الإسلامية، فالقابلية الذاتية لدخول المستعمر كانت سبباً رئيساً في الاستعمار من خلال مظاهرها المتنوعة والمتمثلة في الجمود والشلل الفكري والتفسخ الاجتماعي والتبعية السياسية، كل هذه المظاهر ساهمت في إخفاق المقاومة المعنوية والانهزام الذاتي قبل حدوث المعركة. هذه القابلية تعرض لنا اليوم بمفهوم مقارب للاحتلال وربما أخطر وأعنف أثراً منه، وذلك من خلال واقع الفوضى المحتمل لمجتمعاتنا الإسلامية، والذي بدأ يهدد كياناتنا الوطنية وهوياتنا الثقافية ويشعل الفتن الطائفية والأثنية في كل الأرجاء، والساحة العربية على وجه الخصوص تلحظ نذر هذه الفوضى كما هي الحال في العراق ولبنان والسودان وتونس والجزائر ومصر واليمن وغيرها، فاحتمالات الفوضى الواقعة اليوم تثير في الذهن الكثير من التساؤلات، حول الأسباب والدواعي والجهات المخفية والمعلنة التي تقف وراء إذكاء هذه الفتن الماحقة.
هذه الحالة القلقة ما لم تُحتو بطمأنينة وتُطفئ فتائل الفتنة بوعي وحكمة، وتُحقِّق الشعوب الغاضبة مطالبها الضرورية في سرعة بالغة، وإلا فالمستقبل القريب سيشهد حالات من الفوضى المغرية بالانتشار والاكتساح لكل من يقف أمامها، وربما تتهافت الشعوب على تدمير مكتسباتها بلهفة جنونية بحثاً عن التغيير مهما كانت نتائجه. أننا نقف اليوم أمام ظاهرة إنسانية لديها القابلية للفوضى والاستعداد للتدمير الذاتي من دون وعي بمآلات هذا الجنون الكارثي على المجتمع، ولعلي أرصد من وجهة نظري أسباب هذه القابلية للفوضى لمجتمعاتنا الإسلامية من خلال القضايا التالية:
أولاً: الغضب الجمعي من استئثار السلطة بالحقوق والمكاسب والموارد والامتيازات، وصمت المجتمع وهو يرى اختلال العدل وتجاوز البغي ليس دليلاً على رضاه بذلك الغبن والاستخفاف، ولكن اقتراب اليد المستبدة بعمى الجشع وطغيان القوة إلى خبز الفرد وانتزاعها مدخراته ومستقبله"يجعله يصرخ دون وعي، وينفلت من كل قيود الخوف والرهبة، فلم يعد لديه ما يحميه أو يعيش من أجله، إذا كان قد فقد واقعه ومستقبله وجدوى الحياة الكريمة. هذه النقطة من الصدام هي في الحقيقة شعلة الانفجار وبداية الثورة، وحدوث الفوضى والمواجهة مع تلك السلطات ولو بالموت واقفاً أشرف عند الفرد المسحوق من أن يبقى مستغفلاً مدهوساً تحت أقدام العوز والذلة والتهميش.
ثانياً: رغبة المجتمع المحروم من الحقوق والحريات في الولادة من جديد، والبحث عن الأمل مهما كان طريقه بعيداً وشائكاً، هذا الحلم الذي يعيشه كثير من أفراد مجتمعاتنا اليوم، قد يدفعهم نحو المخاض ولو قبل موعده وتحمل آلامه مهما بلغت من شدة.
ثالثاً: الرغبة في محاكاة المجتمعات الغربية المتقدمة، والتي باتت تقترب أكثر فأكثر من مجتمعاتنا وتفتح لنا أبوابها ونوافذها لنلحق بها ونتعايش معها لحظة بلحظة، ولكن هذا العيش هو في عالم الأثير والنقل الفضائي والتواصل الشبكي، لهذا تأتي المشاكلة والتقليد للمجتمعات الغربية المتقدمة دليلاً واضحاً على صدق الرغبة في اللحاق بركبهم مهما كلّف من تبعات، وقد يكون هذا السبب محفزاً لقبول الفوضى إذا كان مآلها الارتماء الطوعي نحو تلك المجتمعات النافذة الغالبة بأنموذجها الرغيد والمتحرر من الهيمنة والاستبداد، والحقيقة أن هذا السبب لا يظهر للوهلة الأولى دوره في تسويغ القابلية للفوضى المجتمعية، كون الجميع حتى السلطة ومؤسساتها الرسمية تحاكي وتقلد أنموذجها الغربي الخاص بما يحقق مصلحتها ورغباتها الشخصية، لكن الأفراد الموجوعين بالاستبداد سيمارسون دورهم في محاكاتهم الخاصة بما يحقق رغباتهم في الانعتاق من واقعهم المحبط، والتماهي في مماثلة الآخر وفق تصورهم للحرية والعيش الكريم، وهذا قد يورث خللاً في نسخ الواقع الغربي ونقل تجاربه حتى لو كانت الأرض والزمان لا تنبتان هذا الأنموذج من التغيير.
هذه الملاحظات المبنية على مشاهدات واقعية وتحولات متوقعة في عالمنا العربي، تقتضي احتواء المشكلات لا قمعها وتلبية المطالبات الحقوقية لا سلبها، ولا يكون الأمر مجدياً إلا بجهد جماعي تمارسه مؤسسات المجتمع المحلية والمؤسسات الرسمية الأممية،لأن عدوى الفوضى قابل أيضاً للانتشار في كل جسم لديه القابلية للفوضى والاشتعال.
أما على الصعيد الخارجي والدولي لمناقشة فكرة القابلية للفوضى، فإنها ليست بالجديدة من الناحية السياسية، ففكرة الفوضى كانت سلاحاً فكرياً تبشر به الدول المستعمرة شعوب المجتمعات المغلوبة بما أسموه"بالفوضى الخلاّقة"وهذا المصطلح الفلسفي ليس وليد الحالة السياسية المعاصرة، بل قديم المرجعية والتأصيل، فقد جعله أفلاطون من أنظمة الحكم الفاسدة للمدينة الفاضلة"إذ إن الحرية المطلقة هي"الفوضى"ذاتها، والفوضى عند اليونان هي"العمى"الشامل. ولذلك سمّى أفلاطون المدينة التي تقوم على"الحرية"بهذا المعنى ب"حكم الدهماء". وهو النوع نفسه الذي حذّر منه الفقيه المالكي ابن رشد الحفيد منبّهاً إلى أن الاجتماع في مثل هذه المدن مدينة الحرية إنما هو اجتماع بالعَرَض"لأن سكان هذه المدينة لم يكونوا ليقصدوا باجتماعهم غرضاً واحداً يجمعهم، وإنما بحسب اختلاف المشارب والأهواء توطنوا تحت ذريعة الحرية لكل فرد"فهو حكم الدهماء الفاشل في نواميس المجتمعات.
هذا المصطلح الفلسفي يعود مرة أخرى إلى الساحة السياسية، وضمن تقويم الوضع الأمثل لدول المنطقة العربية، ويحمل في طياته أجندة مجهولة ومستقبلاً مخيفاً"لكنه الأكثر تفاؤلاً وقبولاً لدى صنّاع القرار العالمي من المحافظين الجدد الذين عادوا مرة أخرى إلى ساحة التأثير العالمي بعد فوز الأغلبية الجمهورية في الكونغرس الأميركي، ففكرة الفوضى الخلاقة كما ينادي بها بعض السياسيين اليوم، مرت بعدد من التطورات والتنظيرات، بحسب متغيرات الواقع وطبيعة التحديات التي ينظر لها المستعمرون الجدد، ويمكن أن يكون عالم الاقتصاد النمساوي جوزيف شامبيتر 1883-1950 في كتابه الشهير الذي صدر عام 1942م عن"الرأسمالية والاشتراكية والديموقراطية"هو أول من سوغ الفوضى الخلاقة في سياقات التغيير السياسي، مضمناً في كتابه تصوره لآليات اشتغال النظام الرأسمالي وفق الأطروحة الاشتراكية ومؤصلاً في ذات الكتاب فكرة الفوضى الخلاقة اقتصادياً وسياسياً، كما يعتبر ناتان شارانسكي المولود عام 1948م من أسرة يهودية هاجر من روسيا إلى إسرائيل ثم أصبح وزيراً لفترة واحدة في عهد شارون، من أكثر السياسيين تنظيراً لفكرة الفوضى الخلاقة في كتابه قضية الديموقراطية، وقد شرح نظرية"الفوضى الخلاقة"التي يدعو فيها أميركا إلى استخدام الطائفية كوسيلة للقضاء على محاور الشر وتحقيق الديموقراطية في المنطقة العربية. وشارانسكي له رؤى صداميّة وعنصرية"فهو يعد الإسلام حركة إرهابية لا تهدد إسرائيل فقط وإنما تهدّد العالم الغربي بأكمله، ويرى أن استئصال الإرهاب لا يتم باستخدام القوة وتجفيف المنابع فقط، وإنما بمعالجة الأسباب العميقة للإرهاب التي تنبع من سياسات الأنظمة العربية الاستبدادية والفاسدة وثقافة الكراهية التي تنشرها. كما يدعم هذه النظرية رجل يهودي آخر هو اليوت كوهين في كتابه القيادة العليا، الجيش ورجال الدولة والزعامة في زمن الحرب، ويرى كوهين أن الحملة على الإرهاب هي الحرب العالمية الرابعة على أساس أن الحرب الباردة هي الثالثة، ويؤكد بأن على الولايات المتحدة أن تنتصر في الحرب على الإسلام الأصولي من خلال فوضى الطائفية والقضاء على الراديكالية.
هذه التنظيرات السابقة لفكرة الفوضى ونشرها، قد تَحوَّل بعضها إلى إيديولوجيا استعمارية، تهدد مستقبل الكثير من الكيانات العربية اليوم، والشعوب العربية مكرهةً تستجيب لهذه الحالة القلقة، وتخوض غمار التغيير من دون رؤية وتخطيط لمستقبل أفضل تسعى إليه، ما يجعل الأمر يدعو إلى الريبة والخوف من ثورة تطالب بالحريات والحقوق، ثم تخرج بعدها مسلوبة الحرية مهدورة الحقوق، لا تملك إلا صرخات ثائرة تلاشت معها كل مكتسبات الماضي وأحلام المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.