هل تكون الغارة الاسرائيلية الاخيرة على غزة التي ادت الى قتل خمسة مقاتلين فلسطينيين مقدمة لقرع طبول عملية"رصاص مصبوب"ثانية؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الكثير من الاسرائيليين والفلسطينيين هذه الايام في اعقاب التطورات السريعة التي تشهدها مناطق الحدود الجنوبية لاسرائيل مع قطاع غزة والاجواء التي يفرضها جيشها في محيط القطاع. مشاهدة سريعة لهذه المنطقة ترسم صورة تعكس اجواء حربية تعيد الى الاذهان الاحداث التي سبقت عملية"الرصاص المصبوب"اواخر عام 2008. وأكثر من ذلك، تشير تحركات الجيش والنشاطات التي يقوم بها والتجارب التي تجريها قوات الدفاع المدني في الجبهة الداخلية على صفارات الانذار، الى ان المنطقة باتت امام تحرك سريع. رئيس المجلس الاقليمي"اشكول"المسؤول عن بلدات اسرائيلية جنوبية عدة، اعلن ان رائحة الحرب تفوح من على الجدار. ويحمّل الحكومة مسؤولية تبعات حرب كهذه، في حال الاستمرار في التقاعس عن ضمان وسائل حماية لسكان الجنوب. وفي الوقت نفسه ترتفع الاصوات المطالبة بنصب نظام"القبة الحديدية"صواريخ مضادة للصواريخ وتحسين وضع الملاجئ وضمان ابنية آمنة للسكان، في شكل عاجل وطارئ. وفي ظل هذه الوقائع، يعلن الجيش الاسرائيلي انه قرر نشر كتيبتي مدرعات على طول الحدود مع غزة وتركيب منظومة يطلق عليها"معطف الريح"او"الستار الواقي"لاحتمال مواجهة خطر اطلاق التنظيمات الفلسطينية صواريخ مضادة للمدرعات، تدعي اسرائيل ان حركة"حماس"زُودت بها وتستعد لاستخدامها في حال وقوع مواجهات مع اسرائيل، بالطريقة التي استخدمها"حزب الله"في حرب لبنان الثانية. اما الصورة الاوضح لقرع طبول الحرب فتكمن في العمليات الجارية في شكل محموم لفتح مسارات جديدة للمدرعات. ففي هذه الايام تنفذ وحدة من سلاح المدرعات في الجيش الاسرائيلي عمليات فتح شوارع على طول الحدود مع غزة وغلاف القطاع لتحقيق اكثر من هدف، أولها"تنظيف المنطقة"بما يمنع تنظيمات المقاومة الفلسطينية من زرع عبوات ناسفة ومتفجرات في طريق وحدات الجيش والدوريات المنتشرة على طول الحدود واستهدافها بعمليات تفجيرية، وثانيها تجهيز المنطقة لتسهيل سير المدرعات في حال صدرت الاوامر باقتحام غزة. وأعلن قائد كتيبة ان العمل في المنطقة يتواصل على مدار الساعة، ويقول:"نعيش هنا حرب استنزاف، فعملنا لا يتوقف والحاجة تتطلب اليوم ان نبقى متيقظين. اننا ننفذ عملاً ضد التنظيمات الارهابية التي تعد لعمليات اعتداء وتخطط للمساس بنا". وفي قاعدة تدريب في منطقة اخرى في الجنوب، بدأ الجيش تدريبات تشارك فيها وحدات من سلاحي المدرعات والجو، الهدف منها التنسيق بين الطرفين في حال تقرر تنفيذ عمليات تتطلب غارات جوية بمساعدة المدفعية وأجهزة المراقبة. ويشرف على هذه التدريبات رئيس اركان الجيش غابي اشكنازي بنفسه. وعلى رغم الاجواء التي تفوح منها رائحة التصعيد العسكري، تعكس التصريحات التي يطلقها مسؤولون عسكريون وسياسيون وخبراء وأمنيون تناقضات في التوقعات والنتائج. وهناك من يحسم بأن"حماس"غير معنية اليوم بتوتر عسكري ويعتبر الاوضاع التي تسود المنطقة هادئة. ولكن هناك أيضاً من يعتبر ان هذا الهدوء هو لمصلحة"حماس"التي تستغله لمواصلة تعزيز قدراتها العسكرية فيطالب بالرد القاسي عليها وتحميلها مسؤولية اي تدهور على المناطق الجنوبية. وكما يقول قائد وحدة غزة سابقاً، شموئيل زاكي، فإن"الوضع غير مستقر ويسير باتجاه واضح يقود نحو التصعيد". وفي النهاية، يشدد:"علينا أن نقوم مرة أخرى بعملية عسكرية ونحقق الردع لفترة محدودة". وطالما ان قرار الضربة العسكرية في غزة ما زال مؤجلاً، فإن التقارير الاسرائيلية ما زالت في مرحلة التخمينات. وفي احد التقارير ترى الاجهزة الامنية الاسرائيلية ان الهدوء يغطي على استمرار عملية تسلح"حماس"والبناء المتجدد للتحصينات. والاهم، وفق التقرير، تثبيت حكم"حماس"في القطاع. اسرائيل على قناعة، كما جاء في التقرير، بأن"حماس"استكملت"على المستوى العسكري عملية استخلاص الدروس من جولة القتال الاخيرة، بمساعدة ايران وسورية وحزب الله، وأغلقت فجوات وأصلحت نقاط خلل اكتشفت في المواجهة مع الجيش الاسرائيلي". وأبرز ما توصلت اليه من استنتاجات، يضيف التقرير الاسرائيلي، التزود بالوسائل القتالية وبينها صواريخ متطورة ومضادة للمدرعات اكثر دقة وفتكاً وذات مدى ابعد مما كان في حوزة الحركة قبل عملية"الرصاص المصبوب". وتدعي التقارير الاستخبارية الاسرائيلية ان لدى الحركة عشرات الصواريخ من نوع"فجر"الايراني وأنواعاً اخرى شبيهة له ولا تسقط الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية من توقعاتها ان تملك الحركة ايضاً صواريخ مضادة للطائرات. عمليات خطف جديدة في واحد من الابحاث التي اجراها مركز المعلومات الاسرائيلي حول الاستخبارات والارهاب التابع للموساد، يرى الاسرائيليون ان حركة تعاظم قوة"حماس"لا تزال جارية وسيستغرق تطبيقها الكامل، وفقاً لتقديراتهم، سنوات عدة. أما في بعض المكونات فيلاحظ نضج أساسي، مما يوسع حجم التهديدات التي تفرضها"حماس"أمام الجيش الإسرائيلي وأمام سكان إسرائيل المدنيين الذين يعيشون في النقب الغربي. وتتضمن هذه التهديدات قدرات متطورة لتنفيذ عمليات"نوعية"كالتسلل إلى داخل إسرائيل من أجل تنفيذ عمليات اختطاف وعمليات قاتلة، على حد تعبير معدّي البحث، وتوسيع حجم الإطلاق الصاروخي باتجاه إسرائيل وتوسيع دقته ومداه والقوة الكامنة فيه، وتوسيع التهديدات الموجهة بواسطة الأسلحة المضادة للدبابات على الآليات المدرعة، والتهديدات الموجهة ضد قوات المشاة التابعة للجيش الإسرائيلي، وتوسيع قدرة القوات العسكرية ل"حماس"، التي من المفروض أن تدير القتال برمته من مناطق مكتظة بالسكان في قطاع غزة. يرى معدّو البحث ان قيادة حركة"حماس"في سورية التي تعتمد على المساعدة الإيرانية والسورية وعلى الأموال التي تم جمعها في إيران والعالم العربي، بل وحتى من الغرب، هي التي تتولى عملية التعاظم العسكري ل"حماس"في القطاع. ويقولون إن"المساعدة التي تقدمها إيران وسورية لتغذية عملية التعاظم العسكري لحماس، تتجسد في نقل وتصدير المعلومات الأيديولوجية والتكنولوجية، وفي توفير الوسائل القتالية والعتاد وفي تدريب نشطاء حماس في إيران وسورية، حيث يتم تهريب الوسائل القتالية والأموال والنشطاء، التي يأتي مصدرها من إيران وسورية إلى قطاع غزة عبر البنية التحتية المتشعبة للأنفاق وعبر معبر رفح، مع القيام باستغلال عجز وتقصير قوات الأمن المصرية، التي تمتنع عن القيام بعمليات أمنية فعالة وناجعة تقطع"أنبوب الأوكسجين"الذي يربط بين حركة حماس وباقي المنظمات الإرهابية وبين الدول التي تدعمها". ويخصص البحث فصلاً لمميزات عملية التعاظم العسكري ل"حماس"في قطاع غزة والمنظومتين الهجومية والدفاعية، من وجهة النظر الاسرائيلية. ويرى الاسرائيليون ان تصور"حماس"الدفاعي عن قطاع غزة يهدف إلى توفير ردّ غير متكافئ على تفوق الجيش الإسرائيلي عسكرياً وتكنولوجياً. ويتم ذلك بطرق عدّة: استعمال وسائل القتال المتطورة التي تم استخدامها بنجاح من جانب حزب الله كعبوات جنازير، وأسلحة مضادة للصواريخ، وإيقاع أكبر عدد من الإصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي من خلال إدارة الجزء الأساسي من عمليات القتال في مناطق مأهولة بالسكان، وتطوير سبل الإخفاء والتمويه من اجل الحفاظ على صمود حماس، واستنزاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال الإطلاق المكثف للصواريخ، وإن أمكن القيام بعمليات انتحارية عبر حدود سيناء ومن الضفة الغربية أثناء نشاط الجيش الإسرائيلي في القطاع، على حد ما جاء في البحث الاسرائيلي الذي اضاف معدوه ان التصور الدفاعي يعكس الإدراك التام لميزان القوى بين"حماس"وأنصارها وبين قدرات الجيش الإسرائيلي. و"حماس"مدركة تماماً لعدم التكافؤ بين الطرفين، الذي يمنح كلاً منهما أفضليات ونواقص بينها، وفق ما جاء في البحث: - من ناحية، تعترف"حماس"بالتفوق العسكري الواضح للجيش الإسرائيلي في كل ما يتعلق بحجم القوات والتحصين، والوسائل القتالية والقدرات الجوية والاستخبارية. وتدرك أنها ستواجه صعوبة في صدّ قوات الجيش الإسرائيلي ومنعها من العمل في المناطق المفتوحة. - من ناحية أخرى، فإن التواجد المتواصل للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة قد يمنح"حماس"أفضليات في حربها ضده وذلك من خلال استعمال حرب استنزاف على شاكلة حرب عصابات، في المناطق المبنية في شكل مكتظّ. خطة حماس التفصيلية "حرب استنزاف وضروس ضد اسرائيل"، هكذا يتوقع اكثر من مسؤول امني اسرائيلي ان تكون الحرب المقبلة مع"حماس". ووفق البحث الاسرائيلي، فإن الحركة، ومن اجل استنزاف قوات الجيش الإسرائيلي وإلحاق أكبر حجم من الخسائر بها، تسعى إلى إدارة حرب ضروس وقتال عنيد كلّما توغّلت قوات الجيش الإسرائيلي من ضواحي القطاع إلى قلب المنطقة المأهولة بالسكان. ويضع معدو البحث تصورات للقتال، ووفق هذه التوقعات فإن مسارات القتال الذي تعده حركة"حماس"يشمل: إطلاق النار المباشر حتى وإن تمّ من داخل البيوت السكنية ومن على أسطح البيوت، وبناء أنفاق ككمائن في مداخل المدن ومحاور السير المركزية، ووضع عبوات مفخخة سيارات مفخخة، عبوات مخفية، وتفعيل"انتحاريين"من رجال ونساء، وتفعيل واسع لوسائل مضادة للطائرات، واستعمال مواطنين"كدروع بشرية". حجم القوى تحت هذا العنوان خصص مركز المعلومات حول الاستخبارات والارهاب فصلاً حول المنظومة العسكرية ل"حماس". وبتقديرات الاسرائيليين تتضمن المنظومة أكثر من 10 آلاف مقاتل فلسطيني، ويتوقع ان يرتفع عدد نشطاء"حماس"في ضوء عمليات التجنيد الواسعة التي تقوم بها الحركة منذ سيطرتها على غزة. وفي التقرير الاسرائيلي يمكن اضافة 3000 ? 4000 ناشط من سائر المنظمات العسكرية العاملة في قطاع غزة والتي، وفق الاسرائيليين، تحافظ على علاقات وطيدة من التعاون المتبادل مع"حماس"وبعضها سيتم على الأقل اخضاعه للذراع العسكرية ل"حماس"في حال الطوارئ. الوسائل القتالية المتطورة لدى"حماس" وفق التقارير الاسرائيلية تمتلك"حماس" صواريخ وقذائف هاون يصل مداها إلى أكثر من 12 كيلومتراً، وهي تعمل على زيادة مدى الصواريخ وقذائف الهاون التقليدية التي يتم تهريبها إلى القطاع الى مدى 20 كيلومتراً، ما يعني تهديد السكان المدنيين في المدن الكبرى في الجنوب الإسرائيلي مثل آشكلون ونتيفوت وغيرهما وزيادة التهديد لقوات الجيش الإسرائيلي العاملة في ضواحي قطاع غزة وفي داخله. اضافة الى: - سلاح مضاد للدبابات: تم تهريب أنظمة مضادة تقليدية للدبابات ومتطورة إلى قطاع غزة. إلى جانب ذلك، تعمل"حماس"على تحسين جودة الصواريخ المضادة للدبابات المصنّعة محلياً. هذا كله يؤدي إلى تحسين المدى، والمهارات واختراق القوات المدرّعة ودقة السلاح المضاد للدبابات. معنى ذلك هو تحسين القدرة على إصابة قوات الجيش الإسرائيلي من ضواحي المنطقة المبنية وتحسين القدرات القتالية لمضادات الدبابات في الليل. - العبوات: تعمل"حماس"على تحسين ملموس لجودة العبوات وقدرة تغلغلها، ما يحسّن من قدرتها على التسبب بخسائر كبيرة للجيش الإسرائيلي وعلى اختراق المركبات القتالية المدرّعة الخاصة بالجيش الإسرائيلي. - سلاح مضاد للطائرات: وجود وسائل متطورة مضادة للطائرات في قطاع غزة قد يعرض للخطر وسائل الطيران التابعة لسلاح الجوّ الإسرائيلي العاملة في منطقة القطاع. - وسائل الرؤيا الليلية: يُحسن استخدام وسائل الرؤيا الليلية بصورة ملحوظة من قدرات"حماس"وسائر المنظّمات"الإرهابية"على مواجهة قوات الجيش الإسرائيلي في الليل أيضاً. - النموذج اللبناني: تسعى"حماس"، ودائماً وفق البحث الاسرائيلي، إلى تقليد"حزب الله"في مجال تطوير العبوات الناسفة الجانبية وعبوات الجنازير الشديدة الانفجار. ومن المتوقع ان يتم وضع هذه العبوات بالقرب أو تحت محاور الحركة بهدف تشويش سير القتال للجيش الإسرائيلي وتكليفه ثمناً باهظاً بالأرواح وبالوسائل الحربية. ومن المتوقع أن يتم طمر هذه العبوات أيضاً في البيوت أو في المواقع التي من المتوقع أن يعمل فيها الجيش الإسرائيلي. وبحسب البحث الاسرائيلي تمتلك الحركة وحدات عدة من صواريخ الكتف SA-7 التي لم يتم تشغيلها حتى الآن كما توجد أيضا العشرات من بنادق القنص التقليدية والمصنعة محلياً، ورشاشات ثقيلة يتم استعمالها أيضاً لاطلاق الصواريخ المضادة للطائرات. وهكذا، فإن الاسرائيليين يعرضون هذه المعلومات لكي يمهدوا الأرض لتبرير عملية حربية، يؤكدون انها آتية حتماً وأنها مسألة وقت لا أكثر. وفي اسرائيل قادة كثيرون يرون في استعجال هذه العملية مصلحة اسرائيلية عليا، وبينهم من يرى ان التأخير في عملية كهذه سيزيد من حجم الخسائر في المستقبل.