على رغم احتفال القادة السياسيين والعسكريين في اسرائيل بنجاح منظومة «القبة الحديد»، واستخدام ذلك في حملة الترويج لما سمّاه الاسرائيليون قدرة الهجوم والدفاع ، إلا ان قلقاً يساور الكثيرين منهم اليوم، يكمن في شكل الحرب التي يتوقعون ان تقودها «حماس» والتنظيمات الفلسطينية الاخرى. فهم يجرون مقارنة بين ثمن الصاروخ الواحد من منظومة «القبة الحديد» مقابل ثمن الصاروخ الفلسطيني، ويشعرون ان الفلسطينيين يسعون لاستغلال الفارق المتمثل في مبالغ طائلة، تتضخم أكثر فأكثر مع تحويلها من معركة لبضعة أيام الى حرب استنزاف تطول وتستنزف ليس أعصاب الناس بل أيضاً الموازنة العسكرية. يتحدث الاسرائيليون عن امتلاك التنظيمات الفلسطينية ما لا يقل عن عشرة آلاف صاروخ قصير ومتوسط المدى، بينها نسبة غير قليلة تم الحصول عليها من «حزب الله» وإيران، مثل صواريخ «غراد» و «فجر»، التي يمكن ان تحتجز سكان تل ابيب لمدة اسبوعين، كما يقول الخبير في مركز مكافحة الارهاب، شالوم هراري، ويضيف: «وجود عشرة آلاف صاروخ يشكل خطراً جدياً على اسرائيل لأن الحديث لم يعد حول اطلاق اربعة او خمسة او حتى عشرة صواريخ في اليوم على اشدود واشكلون (عسقلان) ومنطقة اشكول، انما اطلاق صواريخ على مدار اليوم بما يحول المواجهات بين اسرائيل والتنظيمات الفلسطينية الى حرب استنزاف حتى من الناحية الاقتصادية حيث يكلف كل صاروخ تطلقه «القبة» خمسين ألف دولار، بينما تكلفة صاروخ «القسام» لا تتجاوز مئتي دولار، والصواريخ الأخرى بضعة آلاف من الدولارات». أمام اصوات اليمين الداعية الى اجتياح غزة وتنفيذ عملية «رصاص مصبوب ثانية» (العدوان على غزة في نهاية 2008 وبداية 2009) او «عملية سور واق ثانية» (اجتياح الضفة الغربية عام 2002 ومحاصرة الرئيس ياسر عرفات داخل المقاطعة)، يقول هراري «ان الوضع الحالي يحتم على اسرائيل التفكير ليس مرتين او ثلاثاً فحسب، انما عشرين مرة قبل ان تدخل الى غزة... فغزة اليوم لم تعد غزة ما قبل الحرب الاخيرة عام 2008. فعمليات التهريب متواصلة والصواريخ التي تصل متطورة كالصواريخ المضادة للمدرعات وكذلك تصل بنادق قناصة وغيرها من الاسلحة المتطورة، والتقدير ان هناك ما لا يقل عن اربعين نفقاً يتم استغلالها لتهريب الاسلحة». تصعيد التهديد تجاه غزة جاء مع اصابة حافلة ركاب كانت تقل طلاب مدارس، بصاروخ مضاد للمدرعات. واعتبر مسؤولون كوزير الامن الداخلي، اسحق اهرنوفتش ورئيس لجنة الخارجية والامن، شاؤول موفاز، الحادث تجاوزاً للخطوط الحمر. هذه العملية أزعجت الاسرائيليين ليس لكون المصاب الوحيد فيها هو فتى في السادسة عشرة من عمره، كما حاول ان يروّج المسؤولون في تصريحاتهم، انما لاستخدام صاروخ مضاد للمدرعات من طراز «كورنيت» في اليوم التالي من الاعلان عن نصب القبة الحديد الثانية. والمعروف ان هذه المنظومة غير قادرة على كشف صواريخ مضادة للمدرعات وإسقاطها وحتى منظومة الدفاع المعروفة باسم «معطف الريح» التي تم تركيبها على المدرعات الاسرائيلية لمواجهة الصواريخ المضادة للمدرعات لا يمكن استخدامها إلا في المدرعات نفسها. وكما قال اكثر من مسؤول امني، فإن نصب هذه المنظومة لا يحمي الحافلات ولا الابنية، وهذا ما يحتم اتخاذ خطوات سريعة لتزويد المناطق المعرضة للصواريخ بالعدد المطلوب والذي لا يقل عن عشر منظومات صواريخ دفاعية. مع «حزب الله» في اول التصريحات التي اطلقها العسكريون والامنيون الاسرائيليون، بعد نجاح القبة الحديد في اسقاط تسعة صواريخ فلسطينية، عاد ملف «حزب الله» ليتصدر تقاريرهم. وفي رأيهم، فإن نجاح المنظومة لم يدفع «حماس» فقط لمتابعة تطورات نشاط هذه المنظومة، انما الحزب الذي وفق مسؤول في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، يمتلك اليوم اكثر من خمسين ألف صاروخ ويعتمد في خططه الحربية ضد اسرائيل على هذه الترسانة الصاروخية، وهذا يجعله ايضاً يتابع نجاحات القبة الحديد، تماماً كما هو وضع حركة «حماس». في الجيش يدعمون مطلب رئيس بلدية كريات شمونة بنصب القبة الحديد في منطقة الشمال. فالقلق الاسرائيلي من تصعيد حربي على الحدود الجنوبية يصل الى حد عملية الرصاص المصبوب وسقوط المئات من الفلسطينيين، ما يساهم في توسيع نطاق الحرب لتصل حتى الحدود الشمالية وتشارك فيها سورية و «حزب الله». وبموجب التقارير الاسرائيلية، فإن الحرب اذا وقعت ستكون هذه المرة مختلفة وأكثر خطورة وصعوبة. وهذا ما دفع قائد الجبهة الداخلية الى لقاء مختلف رؤساء البلدات في الجليل الاعلى والشمال وإبلاغهم بضرورة الاستعداد لاحتمال حال طوارئ مؤكداً أمامهم ان الوضع اليوم مختلف. جولة قائد الجبهة الداخلية جاءت متزامنة مع اعلان الجيش إنهاء تدريبات عسكرية على سيناريو اجتياح جنوب لبنان. وقد نفذت التدريبات على مدار خمسة ايام وفي شكل سري. بدأت في أعالي الجليل وهضبة الجولان السوري المحتل، وانطلق فيها مئات الجنود من سلاح الهندسة، الذين يكلفون عادة بشق الطرق أمام قوات الاجتياح، فساروا على الأقدام مسافة مئة وعشرين كيلومتراً، حتى جبال الكرمل في حيفا، وتدربوا على عبور حواجز مائية شبيهة بالجداول والأنهار اللبنانية وعبور كمائن وحقول ألغام ينصبها «العدو». وتدربوا بالتالي على اجتياح مناطق تدريب شبيهة بمعسكرات التدريب التي يدعي الاسرائيليون ان «حزب الله» أقامها في جنوب لبنان. وروجت اسرائيل لتدريبات على كيفية حماية ابنية من صواريخ مثل «سكود» و «غراد» و «القسام». وأجرت تدريبات على جدران ومجسمات يتم تركيبها داخل الابنية لمنع انهيارها جراء الصواريخ. وتأتي هذه التدريبات في ظل قلق اسرائيلي من حرب صواريخ واسعة النطاق في الوقت الذي يوجد فيه اكثر من مئة ألف مبنى متعدد الطبقات في جنوب اسرائيل غير محصنة وتتطلب حلاً فورياً يضمن عدم انهيارها على سكانها. لا جواب على رغم التهديدات المتصاعدة من جانب اسرائيل، فإن كثيرين يرون ان «لا مصلحة في تدهور يؤدي الى معركة أكبر»، ولكن هؤلاء يتساءلون: «كيف يمكن منعها حيال كيان متفكك، ليس واضحاً من يقود فيه»، ويضيفون: «أحمد الجعبري (قائد الجناح العسكري الحالي في حماس)، يبدو أنه لا يطيع الذراع السياسية للحركة. ولدى رجاله قدرات تستطيع تغيير الوضع من اساسه بصاروخ واحد. ليس واضحاً أيضاً كيف تنقل رسالة ردع لمن لا يتحمل أية مسؤولية عن الاصابات جراء الرد الاسرائيلي – لا بين رجاله هو ولا بين المواطنين». المعلق السياسي عوفر شيلح قال: «مع اطلاق صاروخ «كورنيت» في قطاع غزة اختلط الموقف وتغيرت قواعد اللعبة، فلا يمكن أية قواعد أن تتضمن اطلاق النار على اطفال. ولكن ايضاً ليس معروفاً مع من يتم اللعب، وبالتالي مع من يمكن تحديد القواعد». ويشدد ضابط في الجيش الاسرائيلي على ان «رد اسرائيل لم ينته بعد. وهو سيستمر في اماكن مختلفة، بشدة مختلفة، في الايام المقبلة ايضاً». ويضيف: «البديل الوحيد للوضع القائم هو احتلال القطاع لزمن طويل، الامر الذي لا يتخيله أحد في اسرائيل اليوم. وهكذا، عندما لا يوجد ما يمكن كسبه وكل طرف يريد فقط أن يلقن الطرف الآخر درساً، فإن القطاع يتدهور نحو ما يبدو في هذه اللحظة نهاية معروفة وعنيفة». احتلال غزة واحد من السيناريوات التي طالب بها سياسيون، بخاصة من اليمين، بهدف تقويض حركة «حماس». وفي الاقتراحات ما سماه الرئيس السابق لمجلس الامن القومي، غيورا ايلاند، تنفيذ عملية سور واق ثانية كالتي نفذت في الضفة عام 2002 وتم خلالها محاصرة المقاطعة والرئيس الراحل ياسر عرفات في رام الله. ووفق ايلاند تنفذ اسرائيل عملية عسكرية طويلة الامد تشمل اجتياح غزة وضرب البنى التحتية للتنظيمات الفلسطينية. لكن هذه الفكرة ترفضها غالبية القيادة. وزير الجبهة الداخلية، متان فلنائي قال صراحة ان مسألة تصفية «حماس» غير واردة في حسابات الحكومة. وأضاف: «تقويض حكم حماس احد الشعارات الشائعة لدينا، لكن الحقيقة انه لا يمكن تقويض تنظيمات كهذه من الخارج، فتقويضها والقضاء عليها يتمّان فقط من جانب اشخاص من داخلها. نحن سنوجّه للحركة ضربات صعبة حتى تتوقف عن نهج الارهاب ضد اسرائيل».