"ولاية إيرانية"، "كيان معاد"، "عنصر فعال في محور الشر"، "حزب الله - فرع فلسطين"... هذه وغيرها من التسميات المتكررة يطلقها المسؤولون الإسرائيليون من عسكريين وسياسيين في وصف قطاع غزة تحت حكم حركة"حماس". وتجتهد مختلف أجهزة الأبحاث التابعة للاستخبارات الإسرائيلية لنشر تقارير تظهر فيها أن حركة"حماس"باتت جيشاً منظماً يهدد أمن إسرائيل وأنها باتت عنصراً أساسياً في ما يطلق عليه"محور الشر". وفي ذلك تمهد إسرائيل لتجنيد الرأي العام الدولي دعماً لحملاتها العسكرية التي تنفذها في قطاع غزة وصولاً الى تحقيق هدفها المعلن"القضاء على مطلقي الصواريخ والبنى التحتية للتنظيمات الفلسطينية الإرهابية"، على حد تعبير الإسرائيليين. ويبقى السيناريو الأبرز الذي يضعه الإسرائيليون في مناقشتهم لوضعية"حماس"المقارنة بين"حزب الله"وتمركزه في جنوبلبنان وبين حركة حماس وسيطرتها على قطاع غزة الذي يطلقون عليه اسم"الولاية الإيرانيةجنوب إسرائيل". الانسحاب الإسرائيلي في قراءتهم لوضع"حزب الله"يرى الإسرائيليون ان ست سنوات منذ الانسحاب الإسرائيلي من الجنوباللبناني كانت فترة استغلها الحزب لتعزيز قدراته العسكرية وانتشاره في منطقة الجنوب وإقامة المحميات الطبيعية والخنادق لضمان جهوزيته لمواجهات مع إسرائيل حتى وقعت حرب تموز. ومع انتهاء الحرب خرج قياديون وجنود إسرائيليون شاركوا في المعركة معلنين انهم لم يواجهوا مقاومة مسلحة تضم عناصر متدربة على السلاح بل جيشاً بكل ما تعنيه الكلمة. وتتكرر الشهادات ولكن هذه المرة من الحدود الجنوبية من جنود شاركوا في العملية العسكرية الأخيرة"شتاء حار"في قطاع غزة. لقد خرج بعضهم عبر الشاشة ليتحدث بكل صراحة ان رجال المقاومة في غزة بدأوا يُظهرون قدرات جيش مدرب ومنظم ويعمل وفق خطط مدروسة. هذه الأصوات، التي لم تلق تأييداً في القيادة العسكرية، ساندتها أبحاث ودراسات بعضها من مراكز تابعة لأجهزة الاستخبارات، تؤكد تعزيز قدرات"حماس". ويرى هؤلاء أن الانسحاب من قطاع غزة ساعد الحركة على تحسين قدراتها العسكرية. وبعد سيطرتها على القطاع بدأت بتنفيذ خطة تعزيز بدعم من سورية وإيران وحزب ال،له وقد قطعت فيها شوطاً كبيراً، على حد قول مدير دراسات مركز الإرهاب والاستخبارات التابع لمتحف المخابرات الإسرائيلية، رؤوفين ايرليخ، الذي أضاف أن الخطة تمكن"الحركة"من مواجهة مختلف السيناريوات الإسرائيلية التي وضعت للقضاء على مطلقي الصواريخ والبنى التحتية العسكرية. ايرليخ الذي اعد بحثاً حول مراحل تعزيز القدرات العسكرية لپ"حماس"يرى ان الاستراتيجية التي رسمتها الحركة بالتعاون مع الأطراف الخارجية تهدف الى جعل الصواريخ وسيلة تعرقل عملية السلام. ويرى ان إسرائيل لا تتحمل وحدها مسؤولية مواجهة هذا الوضع إنما مصر أيضاً ويضيف:"على مصر ان تفحص مدى الأضرار التي ستلحق بها، ونحن نتحدث عن وجود ولاية إسلامية إيرانية الى جانبها. ان الوضع في غاية الخطورة ويكفي وجود بعثة إيرانية واحدة في قطاع غزة فهذا يشكل خطراً كبيراً على إسرائيل ومصر على حد سواء. واذا لم يواجه الوضع بما يضمن حسمه فإن الخطر سيمتد ليشمل المنطقة أيضاً. وانطلاقاً من الدراسة التي أعدها المركز يقول ايرليخ إن الوضع الحالي غير مطمئن إذ أن"حماس"ما زالت تستغل الخنادق والحدود مع مصر لتواصل تنفيذ خطتها بالتعاون مع"أطراف محور الشر". ويتابع"ان مواصلة تعزيز قدرات"حماس"العسكرية تجعل الحركة قادرة على تنفيذ عمليات ذات نوعية خاصة داخل إسرائيل فيما تتواصل عملية إمدادها بالأسلحة المتطورة والتي باتت تشمل أسلحة مضادة للطائرات والدبابات، وهنا تكمن ذروة الخطورة في مواجهة الحركة". وعلى رغم ان الدراسة التي خرج بها مركز الدراسات تتحدث عن قدرات في غاية الخطورة للحركة إلا أن رؤوفين ايرليخ يختلف مع آخرين من عسكريين وخبراء بأن ما تمتلكه حركة"حماس"بات شبيهاً جداً بوضع"حزب الله"وبرأيه ان مسيرة"حماس"لم تنته بعد وهي تحتاج وقتاً من الزمن فيما حزب الله استكمل جهوزيته وضاعف قدراته العسكرية التي كان يتمتع بها قبل حرب تموز، وهو يرى ان معظم الصواريخ التي تستخدمها"حماس"ليست من الصناعة الإيرانية ? السورية انما محلية الصنع. ويعتبر ان الحديث عن تهدئة أو سلام في المنطقة منوط بقرار"حماس"، إذ أن وقف إطلاق الصواريخ سيمنع العمليات العسكرية في قطاع غزة لكنه يضيف:"حماس لا تريد ذلك إنما تسعى الى جر إسرائيل الى قطاع غزة وهذا خطير على جميع الأطراف". بعثات الى سورية وخبراء إيرانيون في غزة الخطورة التي تحدث عنها ايرليخ تنعكس في معطيات الدراسة التي أعدها مركزه أخيراً وفيها يدعي ان عشرين ألف فلسطيني تدربوا على القتال مع"حماس"وهم في جهوزية لمواجهة الجيش الإسرائيلي. وعن التدريبات جاء في الدراسة أن مقاتلي حركة"حماس"تلقوا دورات تأهيلية متطورة في مختلف المجالات العسكرية، وتتجسد المساعدة الإيرانية في نقل المهارات التكنولوجية، والتي تستخدم في إنتاج الوسائل القتالية، بما في ذلك العبوات الناسفة والصواريخ. وتضيف الدراسة:"أن الأداة الرئيسة التي تنقل عن طريقها المساعدة للمنظمات الإرهابية المختلفة هي"قوة القدس"التابعة للپ"حرس الثوري"الإيراني، التي تركز نشاطها على الساحة الفلسطينيةواللبنانية والعراقية أيضاً"، على حد تعبير معدي الدراسة الذين أضافوا:"تقدم المساعدة من خلال نقل مبالغ طائلة إلى حكومة"حماس"في قطاع غزة وإلى الحركة ومن خلال تدريب نشطاء في إيران على مختلف المهام القتالية، وتهريب الوسائل القتالية إلى قطاع غزة، بما في ذلك، صواريخ"غراد 122"التي تم إطلاقها في الآونة الأخيرة باتجاه مدينة أشكيلون عسقلان. بالإضافة الى تقديم المهارات التكنولوجية - التنفيذية من أجل استخدامهما في إنتاج وتطوير الوسائل القتالية، بما في ذلك توسيع الطاقة الفتاكة التي تحتوي عليها العبوات الناسفة التي توضع الى جانب الطرقات، وتوسيع نوعية الصواريخ التي يتم إطلاقها باتجاه المناطق الإسرائيلية". أما في ما يخص التدريبات فادعت الدراسة ان المئات من نشطاء"حماس"قد تدربوا ولا يزالون يتدربون في إيران حيث قام"الحرس الثوري"الإيراني بتدريب النشطاء في طهران على مدى ما يزيد عن سنتين، منذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005 أي، منذ تنفيذ خطة الانفصال وقد تلقى التدريبات في إيران 150 ناشطاً وهناك 150 مقاتلاً يتلقون حالياً التدريبات هناك. ويتدرب هؤلاء على تعزيز مهارتهم القتالية والبعض الآخر منهم ينخرطون في"وحدة البحث"التابعة لپ"حماس"، على حد قول الدراسة. وتفصّل الدراسة الطريق التي يسلكها المقاتلون للوصول الى غزة ويقول معدوها"نقطة الانطلاق تكون بشكل عام عبر الأنفاق حيث يغادر نشطاء"حماس"قطاع غزة، في طريقهم إلى مصر، ومن هناك يسافرون من طريق الجو إلى سورية، ومن ثم إلى طهران. كما يسمح لهم عند دخولهم وخروجهم من طهران بعدم التوقيع على جوازات السفر لأسباب أمنية". في هذا الجانب من الدراسة يسعى المعدون الى إبراز اوجه الشبه بين تدريب مقاتلي"حماس"و"حزب الله"من خلال التطرق الى شهادة أسير حزب الله لدى إسرائيل، حسين سليمان، الذي يشرح بإسهاب، على حد ادعاء تقارير الاستخبارات، كيف يصل المقاتلون الى إيران وكيف تعمل إيران وسورية على عدم كشف هوياتهم لأسباب أمنية. وتتابع الدراسة شرحها وتقول"لقد مارس نشطاء"حماس"التدريبات على مدار فترات راوحت مدتها بين 45 يوماً وستة أشهر. وتمارس هذه التدريبات في قاعدة عسكرية مغلقة في ظروف قاسية، تحت إشراف الپ"حرس الثوري". ويسمح للنشطاء بالذهاب إلى العطلة مرة واحدة أسبوعياً، وحتى هذا، لا يتم إلا ضمن مجموعة وبمرافقة أفراد الأمن الإيرانيين. أما المواضيع التي تتضمنها التدريبات فتركز في مجال التكتيكات التي يتميز بها القتال الميداني، وفي كيفية تفعيل الوسائل القتالية، حيث يعود هؤلاء النشطاء إلى قطاع غزة وقد اكتسبوا المهارات في المجالات التكنولوجية المتطورة وفي إطلاق الصواريخ وفي تفعيل العبوات الناسفة وفي القنص وتكتيكات أخرى شبيهة بالتكتيكات التي قام"حزب الله"باستعمالها". وتدعي دراسة"مركز دراسات الإرهاب والاستخبارات"انه حتى هذا الوقت"أرسلت سبع بعثات من النشطاء إلى إيران لتلقي الدورات، ويظل النشطاء المتفوقون في كل دورة في إيران لفترة إضافية من الزمن، يتلقون خلالها دورات متطورة، ثم يعودون إلى قطاع غزة لكي يعملوا كمدربين". وتلحظ الدراسة جانباً من التدريبات يتم في سورية مدعية انه تدرب في سورية حتى الآن 600 ناشط من"حماس"، قام بتدريبهم مدربون سوريون كانوا اكتسبوا في إيران التقنيات القتالية التي يمتلكونها. وتدعي تقارير الاستخبارات أنه في الوقت الحالي يتدرب في سورية مقاتلون توجهوا اليها ضمن ست بعثات. الأسلحة الإيرانية في غزة وتركز الدراسة على دور إيران، على وجه الخصوص، بكل ما يتعلق بتعزيز قدرات"حماس"العسكرية وتشير إلى أن:"المساعدة التي تقدمها تتيح لحماس وباقي المنظمات الإرهابية تحسين قدراتها العسكرية من طريق التزود بالوسائل القتالية المتطورة، التي تهرِّب إلى قطاع غزة، من طريق تحسين نوعية الوسائل القتالية من إنتاج محلي، حيث يتجسد ذلك في قيام المنظمات الإرهابية في قطاع غزة، في الآونة الأخيرة، باستعمال الصواريخ والوسائل المدفعية القتالية من إنتاج إيران". أما ابرز الوسائل القتالية الإيرانية التي تتحدث عنها الدراسة فتشمل صواريخ الپ"غراد"122 ملمتراً، وبحسب نتائج الفحص الإسرائيلي لما تناثر من قطع الصواريخ التي أطلقت بشكل مكثف خلال شهر شباط فبراير الماضي على مدينة عسقلان يتضح ان الحديث يدور عن صاروخ من نوع"غراد"يتكون محركه من أربعة أجزاء وهو يختلف عن الصواريخ التي أطلقت من قطاع غزة في أوقات سابقة. لهذا، تحسم الدراسة انه تم إنتاجها في إيران. ويضيف التقرير:"لقد قامت إيران وسورية بتهريبها إلى حماس، أثناء اقتحام السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر". وهنا تتطرق الدراسة الى المقارنة مع"حزب الله"وتورد"أن إيران وسورية وفرتا صواريخ"غراد"122 مليمتراً من أنواع مختلفة من إنتاج روسيا والصين، لحزب الله في لبنان، إذ ان الغالبية العظمى من الصواريخ التي قام"حزب الله"بإطلاقها على التجمعات السكانية في إسرائيل، خلال حرب لبنان الثانية كانت صواريخ غراد 122 مليمتراً من أنواع مختلفة. ويلحظ التقرير ان قذائف هاون 120 مليمتراً المتطورة وهي من إنتاج إيران أطلقت على البلدات والمواقع العسكرية الواقعة على الحدود مع قطاع غزة. ومن تحليل بقايا قذيفة الهاون يتضح أن تلك القذيفة من صنع إيران تم نقلها عن قذيفة الهاون من صنع"تاعاس"الصناعة العسكرية الإسرائيلية التي تم إنتاجها في التسعينات. وتحتوي على محرك مساعد صاروخي، يساهم في توسيع مداها من ستة إلى عشرة كيلومترات. ويتميز الرأس الحربي لهذه القذيفة بمستوى أعلى بكثير من القدرة المميتة والفتاكة التي يتميز بها الرأس الحربي الذي يحتوي عليه الصاروخ المرتجل المشابه من حيث وزنه.