كان حلماً يراود الشاب الأسمر جوزيف شابالالا في جنوب أفريقيا إبان نظام الفصل العنصري: أن يرى غناء أفراد الزولو الذي يخلو من الموسيقى، منتشراً في العالم. خمسون سنة بعد ذلك، أصبح الحلم أكثر من حقيقة، وعاد شابالالا على رأس فرقته"ليديسميث بلاك مامبازو"الى مدن الصفيح. سحرت موسيقى فرقة شابالالا جمهور المستمعين في العالم، فمغنوها عملوا على صقل موهبتهم وخبرتهم، فتعاونوا مع بول سايمون وستيفي وندر وبن هاربر، وحصلوا ثلاث مرات على جائزة غرامي المرموقة. تعود بدايات هذه الفرقة ذات الشهرة العالمية الى مزرعة في ليدي سميث وسط جنوب أفريقيا، انطلقت منها لتغزو مناطق السود في البلاد، ثم أقصيت عن المسابقات المحلية لأنها كانت"تسحق"منافسيها. واليوم، تعود الفرقة، في العيد الخمسين لتأسيسها، الى"جذورها"، من خلال جولة فنية باسم"باك تو ايكاسي"، أو"العودة الى المعاقل السوداء". يقول جوزيف شابالالا بعد الحفلة التي أقيمت في بريتوريا"انها طريقة جيدة للحفاظ على التواصل مع الناس، انهم يظهرون محبتهم لنا". ويقدم شابالالا، الذي يعد بمثابة القائد التاريخي لمجموعته، أغاني الزولو الخالية من مرافقة موسيقية، بحماسة لا تختلف بين مسرح كارنيغي هول في نيويورك، والقاعة الرياضية في بريتوريا ذات التردد الصوتي السيء. وعلى رغم أن جنوب أفريقيا هي الوطن والمنطلق، إلا أن شهرة الفرقة العالمية تفوق راهناً شهرتها في بلدها، عندما برزت في الخارج في أحد أيام عام 1985. ويروي شابالالا ما جرى في ذلك اليوم، إذ تلقى اتصالاً من بول سايمون من الثنائي سايمون اند غارفونكل سابقاً طالباً لقاءه، فأجابه شابالالا انه يحتاج للقيام بذلك الى موافقة السلطات إبان النظام العنصري، فرد بول سايمون مستغرباً أن يكون الشأن الموسيقي أيضاً بحاجة الى تصريح السلطات. ويقول شابالالا:"الكل كانوا يتمنون العمل معه، وهو أتى الي أنا". ونتجت من هذا التعاون مجموعة غنائية حملت اسم"غرايسلاند"، سجل القسم الأكبر من أعمالها في جنوب أفريقيا على رغم المقاطعة الدولية المفروضة آنذاك على نظام الفصل العنصري. ولاقى هذا الإصدار نجاحاً كبيراً وبيع منه ملايين النسخ في العالم، وهو يمثل انطلاق موسيقى"وورلد ميوزيك"أو موسيقى العالم. بعد ذلك واصلت الفرقة تألقها، فأصدرت حوالى خمسين مجموعة غنائية وقدمت عرضاً في حفل منح جائزة نوبل للسلام الى نيلسون مانديلا في عام 1993. وتعاونت الفرقة أيضاً مع مايكل جاكسون. لم تلق الأعوام السبعون التي بلغها جوزيف شابالالا آثارها عليه، ما عدا بضع شعرات بيضاء تعلو رأسه، فما زال يتوسط فرقته المؤلفة من ثمانية مغنين، من بينهم ثلاثة من أبنائه، وما زال يعتلي المسرح، ويمرح، ويغني بصوته الأجش العميق. في كواليس المسرح، يستذكر شابالالا المسار الطويل الذي قطعته بلاده، فيقول:"في ما مضى، كان الذهاب الى منطقة يقطنها البيض يستوجب موافقة من السلطات، أما في جنوب أفريقيا الجديدة فيمكننا أن نذهب الى حيث نشاء". لكن الجمهور تغير أيضاً، فعندما غنت فرقة ليديسميث بلاك مامبازو في نهائيات كأس العالم التي أقيمت في جنوب أفريقيا، لم تلق الاهتمام نفسه الذي أبداه الشباب للمغنية شاكيرا، على رغم ما تمثله الفرقة من بعد تقليدي وديني في هذا البلد. ويرى مفانافوتيهي دلادلا المنضم حديثاً الى الفرقة أن"الشباب لا يفهمون كل أغانينا. انهم يفضلون الموسيقى الإلكترونية". ولكن هذا الشاب البالغ من العمر 25 سنة يضيف:"أن أعداداً متزايدة منهم تتحول الى النمط الموسيقي الذي تقدمه بلاك مامبازو". يبدي جوزيف شابالالا ارتياحاً الى ما آلت إليه فرقته بعد خمسين عاماً من انطلاقها، ويقول:"عندما يحين وقت راحتي، سأكون سعيداً جداً، لأن الفرقة أصبحت جيدة، وهم باتوا يقدرون على الغناء من دون وجودي الآن".