يقاتل واضعو المناهج الدراسية الفلسطينية على أكثر من جبهة. واتهمت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون هذه المناهج بنشر الكراهية وتعليم الأطفال الفلسطينيين كراهية الإسرائيليين، مطالبة بمراقبة خطاب"العداء للسامية"ومكافحته في أوساط الفلسطينيين، وتقاطعت هذه الاتهامات مع اتهامات أوروبية مشابهة، دفعت الكثير من الدول ومن بينها إيطاليا، إلى رفض تمويل طباعة كتب عدة، من بينها كتاب التاريخ تاريخ فلسطين و?"التربية الوطنية"المستحدث للحديث بالتفصيل عن القضية الفلسطينية وحكاياتها على أكثر من صعيد، وبخاصة في الصفوف بين السابع الأساسي والثاني عشر الثانوية العامة. وفي حين تسعى اسرائيل دائماً وبشتى الوسائل لأن تُظهر نفسها أمام العالم في دور الضحية، دأبت على رسم صورة عن العرب والفلسطينيين مغايرة تماماً عن الواقع. ومنذ اتفاقات أوسلو لم تنج المناهج الفلسطينية من الهجوم عليها واتهامها بالحض على الكراهية والتحريض على العنف، وتدخلت للتحقيق فيها العام 2004 هيئات بحثية دولية مثل"مركز اسرائيل / فلسطين للأبحاث والمعلومات"، ولم يكن ذلك بطلب من السلطة الفلسطينية بل من القنصل الأميركي العام في القدس. أما في أوروبا فدعمت مؤسسة جورج اكيرت"دراسة البحث عن الحقيقة"، ونُشرت كل الاوراق العلمية المنبثقة عنها في منابر عالمية مثل"معهد هاري ترومان لتعزيز السلام في الجامعة العبرية"، وصحيفة"فلسطين/إسرائيل"، بل قرئت أمام"ائتلاف أوسلو لحرية الاديان والمعتقدات". وعلى المستوى السياسي شُكلت لجنة فرعية في الكونغرس الأميركي ولجنة سياسية في البرلمان الأوروبي للاستماع الى شهادات مختصين حول المناهج الفلسطينية. وتحت عنوان"الكتب المدرسية الفلسطينية... أين كل ذلك التحريض؟"كتب روجر أفينسترب في صحيفة"هيرالد تربيون"في كانون الثاني ديسمبر من العام 2004"لا دولة في العالم تعرضت مناهجها للتدقيق والتمحيص كتلك الفلسطينية، فماذا كانت نتائج تلك الدراسات المحايدة؟ جميعها قال إن الاتهامات غير صحيحة وأن الباحثين لم يجدوا في الكتب المدرسية الفلسطينية أي حض على الكراهية، وقد أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً جاء فيه إن المناهج الجديدة خالية من التحريض وأن الادعاءات بذلك لا أساس لها من الصحة، كما أكد تقرير مركز اسرائيل/فلسطين للابحاث والمعلومات أن التوجه العام للمناهج سلمي ولا يحرض على الكره أو العنف ضد إسرائيل واليهود، وعلى رغم ذلك لا تزال موجة التحريض مستمرة، والتحفظ عن تمويل طباعة بعض الكتب على حاله، بل يتصاعد أحياناً، وبخاصة كتب"التربية الوطنية"، و?"التاريخ"، و?"الجغرافيا". ومع استمرار الهجوم الإسرائيلي المتواصل على المنهاج الفلسطيني باعتباره تحريضياً، ترى مؤسسات تربوية ومتخصصون فلسطينيون أن ثمة خللاً في التعاطي مع ما تقدمه هذه المناهج للطلاب الفلسطينيين من معلومات حول تاريخهم وجغرافية بلادهم ورموزهم، فهي لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وتفتقد، وفق رؤيتهم، استراتيجية واضحة تحقق المأمول منها. ويقول مالك الريماوي، الباحث التربوي ومدير تحرير نشرة"رؤى تربوية"، التي تصدر عن مؤسسة عبدالمحسن القطان في رام الله:"جاء مشروع بناء منهاج فلسطيني مدرسي في سياق تحقيق الإرادة الوطنية، وبالتالي فهو ضرورة موضوعية لأنه لم يكن هناك منهاج فلسطيني، وأيضاً ضرورة سياسية لأن هناك صلة وثيقة بين التعليم والسياسة تقتضي مناهج"تحررية"، إضافة إلى كونه ضرورة اجتماعية ثقافية". ويشدد الريماوي على أهمية ابتكار مواد جديدة ترسخ الانتماء وتثبت الهوية الوطنية الفلسطينية وخصوصاً"التربية الوطنية"، و?"التربية المدنية"، إضافة إلى فصول من بعض كتب التاريخ والجغرافيا. وفي ما يتعلق بمنهاج التاريخ، يقول الريماوي:"كتاب التاريخ المدرسي الفلسطيني تشكّل ضمن رؤية منهجية قاصرة وغير نقدية، واستند إلى مغالطات معرفية لا تنتصر للإنسان بصفته فاعلاً تاريخياً، ولا ترى التعدد في الواحد، وتعمى عن رؤية الصراعات والتغييرات، وهذا حرم المنهاج من القدرة على نقد الهيمنة الغربية، وتشكيل قضايا إنسانية واستراتيجيات مقاومة تستند إلى أسس جغرافية وتاريخية وثقافية، وكذلك ما يتعلق ببناء تاريخ يستند الى الخبرات الحقيقية للناس". وطالب الريماوي ببناء مناهج تاريخية تساهم ليس في تعليم تاريخ فلسطين فحسب، بل في كتابته أيضاً، بخاصة"أننا لم ننجز كتابة حكايتنا في تفاصيلها وحبكتها الوطنية، ولكون ذلك على صلة بمشروع التحرر ومواجهة التلفيق العنصري الأسطوري للتاريخ". أما علي مناصرة، مدير عام المناهج في وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، فيؤكد استقلالية المناهج الفلسطينية، ويقول:"حين وضعنا المنهاج الفلسطيني لم نخضع لإشراف وزارة المعارف الإسرائيلية، ونرفض ذلك تماماً، بل هي مناهج فلسطينية الرؤى والهوية والتوجهات والمنابع، وستبقى كذلك، بخاصة ما يتعلق بتاريخنا وجغرافيتنا، فتعاملنا مع جغرافيا فلسطين التاريخية والأمر ذاته ينطبق على كتب التاريخ والتربية الوطنية، فنحن كتربويين لا نخضع للاشتراطات السياسية"، مؤكداً أن الكثير من النقد المحلي للمناهج يأتي"من أجل النقد، وليس بناء على دراسات علمية، فبعض النقاد لم يقرأوا الكتب التي ينتقدونها"! ويعترف مناصرة بأن الأحداث السياسية، وبخاصة انتفاضة الأقصى وما رافقها من جرائم إسرائيلية، حالت دون تجريب المناهج الفلسطينية بطريقة موضوعية، خصوصاً مع الإغلاق المستمر للمدارس، وتعطيل العملية التعليمية بسبب الاجتياحات المتكررة، وفرض منع التجول في شكل كبير على مختلف مدن الضفة الغربية. لكنه يرفض في الوقت ذاته الاتهامات التي يسوّقها بعض الخبراء بالإهمال المتعمد أو غير المتعمد لفصول مهمة من القضية الفلسطينية، بل إنه يرصد بالتفاصيل وحدات في كتب التاريخ، الجغرافيا، التربية الوطنية والمدنية، تتناول بالتفصيل قضايا محورية خاصة بالقضية الفلسطينية... ويقول:"سعينا عبر مناهجنا لنقول الحقائق التاريخية كما هي، بلا مواقف مسبقة من هذه الأحداث. التاريخ يبدأ بخبر وينتهي بموقف، وعلى الطالب أن يحدد موقفه من الحقائق التي نقدمها اليه". وبدأت رحلة المناهج الفلسطينية المستقلة في العام 1998، عبر تأسيس مركز المناهج التابع لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وسبق ذلك خطة المنهاج الفلسطيني وقام عليها فريق برئاسة البروفيسور الراحل إبراهيم أبو اللغد، واستعانت حينها برؤية برنامج منظمة التحرير الفلسطينية ووثيقة الاستقلال، لغياب وجود دستور فلسطيني. واشتملت الخطة عند إصدارها في ذلك العام، على أسس أقرت من المجلس التشريعي الفلسطيني، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. ورافق إصدار الكتب المدرسية الفلسطينية في العام 2000، إصدار أدلة المعلمين للكثير من الصفوف بدأت بالأربعة الأساسية الأولى، وبدأ تعميم باكورة إنتاجات المنهاج الفلسطيني في الصفين الأول والسادس. وفي العام 2006 انتهى العمل على كتب الصفوف من الأول وحتى الثانوية العامة التوجيهي. ومع التغيرات السياسية الداخلية في العام 2006، تراجعت وتيرة العمل لدى دائرة المناهج في وزارة التربية والتعليم، إلا أنه ومنذ العام 2008، بدأت مرحلة"إثراء المنهاج وإصلاح الخلل"، بالاعتماد على ملاحظات المعلمين والمشرفين التربويين، كما تم استكمال إعداد أدلة المعلمين، وتتواصل هذه المرحلة حتى نهاية العام الحالي.