كشفت مصادر مطلعة ل«الحياة» توجهاً نحو استعانة المحاكم الشرعية المكلفة بالنظر في قضايا المتهمين في كارثة السيول التي ضربت محافظة جدة بخبراء مهندسين ومحاسبين ماليين قبل إصدار الأحكام الشرعية تجاه المتهمين. وبررت المحكمة ذلك إلى أن هذا التوجه ليس حكراً على قضية معينة، وإنما يعمل به في قضاياً أخرى قد تستلزم حيثياتها الاستعانة بالجهات المختصة للوصول إلى جميع تفاصيل القضية وحقائقها وملابساتها قبل بتها شرعاً. وأكد مساعد وكيل أمانة جدة لخدمات المشاريع (أحد المتهمين) عبر محاميه أن الاتهامات الموجهة له والتي أحالتها هيئة التحقيق والادعاء العام إلى المحكمة الجزئية تتماثل مع الاتهامات التي وجهت له من جانب هيئة الرقابة والتحقيق. وقال المحامي في رده على الاتهامات الموجهة إلى موكله خلال جلسة يوم أمس «الإثنين» في المحكمة الجزئية إن التهم التي وجهت له متطابقة، «الأمر الذي أدى إلى أن يحاكم في الوقت ذاته أمام جهتين قضائيتين مختلفتين عن الاتهامات ذاتها، علماً أنه لا يجوز أن يحاكم المتهم عن تهمة مرتين بما يؤدي إلى ازدواجية الاتهامات وينذر بتضارب الأحكام القضائية وتنازع الاختصاص». وأضاف: «من المعلوم أن التحقيقات في فاجعة السيول تمت إنفاذاً للأمر السامي رقم أ/ 66 وتاريخ 26/5/1431ه والقاضي بتشكيل لجنة للتحقيق وتقصي الحقائق، ثم إحالة جميع المتورطين فيها إلى هيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة التحقيق والادعاء العام، كل فيما يخصه». وأردف قائلاً: «على رغم ما تضمنته لائحة الادعاء العام من اتهامات وما شاب تلك الاتهامات في العموم من مآخذ موضوعية حرية بإهدارها في أساسها، إلا أننا وإعمالاً للمبادئ القضائية المستقر عليها نطلب من المحكمة إمهالنا لتقديم الرد على الدعوى». وزاد محامي المتهم: «لا نملك الآن بين أيدينا سوى مجرد لائحة بالاتهام الموجه لموكلي، وما هو معلوم أن مثل تلك اللوائح لا تتضمن سوى نص الاتهام وما تسوقه الهيئة من أدلة تعزز بها دعواها، فيما أن الرد على تلك الاتهامات وسعي المدعى عليه لإثبات براءته منها يستلزم الاطلاع على كامل أوراق الدعوى وما أجري بها من تحقيقات، تحقيقاً للعدالة وإعمالاً لكفالة حق الدفاع وقرينة البراءة، خصوصاً وأن الادعاء حصل على كامل الفرصة في الاطلاع على الأوراق وتكوين عقيدته منها حول ما انتهى إليه من الاتهامات الموجهة للمتهم». وأوضح أن ما قامت لجنة التحقيق ذاتها وبعد أن أحالت ملف القضية لهيئة التحقيق والادعاء العام بالاطلاع على حقيقة ما نسب للمتهم استدركت وألحقت ما توصلت إليه من نتائج إلى ما سبق أن أحيل منها إلى هيئة الإدعاء، «ولكن كان ذلك بعد أن أحالت الهيئة ملف الدعوى إلى محكمتكم الموقرة، وتحقيقاً للعدالة وكفالة لحق الدفاع كان يتعين على الادعاء أن يضم ما ورد إليه من لجنة التحقيق إلى ملف القضية السابق إحالته لفضيلتكم، كون المستندات التي لم تضمها هيئة الادعاء من ضمن ما يبني عليه موكلي دفاعه ولا حول له ولا قوة في إحضار مثل تلك المستندات ما لم يمكّن من ضمها لملف الدعوى كونه موقوفاً عن العمل منذ بدء التحقيق». وزاد: «ألتمس معه من فضيلتكم إعطائي الأجل المناسب وتمكيني من الاطلاع على كامل ملف الدعوى وما أجري بها من تحقيق مع موكلي، وحث هيئة التحقيق والادعاء على ضم ما ورد إليها من لجنة التحقيق المختصة من أوراق ذات علاقة بالدعوى قد تكون فاصلةً في صحة الاتهام من عدمه تحقيقاً للعدل، وحتى تتضح الصورة الكاملة أمام فضيلتكم تمهيداً للقضاء بما ترونه، بعد تمكيننا من إبداء دفاعنا على النحو الذي يضمن للمتهم حقه في الدفاع والمساواة بين الخصوم». وعقدت جلسة يوم أمس في المحكمة الجزئية وهي الأولى لمحاكمة قيادي في أمانة جدة كان يشغل منصب مساعد وكيل الأمين لخدمات المشاريع قبل كف يده عن العمل، وشهدت الجلسة حضور المتهم شخصياً مع موكله، إضافةً إلى المدعي العام، وتمت مواجهة المتهم بالأدلة والمستندات التي احتوت عليها قضيته، فيما طلب محامي المتهم مهلةً أخرى، وحددت المحكمة جلسة في نهاية الشهر الجاري. ويواجه المتهم بتهم عدة، أبرزها إزهاق الأرواح البشرية وإتلاف الممتلكات العامة، وإهدار أكثر من 100 مليون من أموال الدولة بعد إحالته من جانب الجهات المكلفة بالتحقيق في كارثة السيول التي ضربت المحافظة عام 2008، إضافةً إلى محاكمة أخرى أمام المحكمة الإدارية في محافظة جدة في جرائم أخرى متعلقة بالتزوير وإساءة الاستعمال الإداري والعبث بالأنظمة والتعليمات والتفريط في المال العام، والتي أحيلت في ملفٍ منفصل إلى المحكمة الإدارية. وسبق أن أقر في لائحة الدعوى المقامة ضده بالتسيب والإهمال في عملية التأكد من صحة مواقع تنفيذ المشاريع التي كان معنياً بالإشراف عليها في أمانة جدة قبل اعتمادها، إضافةً إلى نقله لعددٍ من مشاريع تصريف مياه السيول والأمطار من مواقعها إلى أماكن أخرى من دون مسوغاتٍ نظامية، وتعديل مواقع مجاري التصريف وكميات «الأسفلت» بتقليلها ووضع خرسانة بدلاً منها، على أن يتم تنفيذ السفلتة في وقت آخر، واعترف بأن مشروع تمديد أنابيب تصريف مياه الأمطار في مخطط الروابي (جنوبجدة) بطول 1600 متر، نقل إلى موقع آخر يقع على طريق مكة القديم وبطول 700 متر، موضحاً أن عملية النقل وافق عليها من دون اتخاذ الإجراءات الرسمية مكتفياً بحديثٍ شفهي مع الاستشاري ومدير تصريف مياه الأمطار والسيول.