يكاد يجمع الاختصاصيون الغربيون في الشؤون الروسية على ان ميدفيديف هو على صورة من استخلفه، فلاديمير بوتين الرئيس الاتحادي السابق ورئيس الوزراء الحالي. والخلف على شاكلة السلف الذي سحق انتفاضة الشيشان، وكان جاسوساً وعميل استخبارات قبل وراثته الحكم من يلتسين. وفي نهاية المطاف، لا يسع ميدفيديف إلا ان يكون دمية بيد سلفه. ولا ينبغي، على هذا، تصديق مزاعمه في تحديث روسيا، ومحاولته التقرب من أوروبا والولايات المتحدة. ولا تدعو تصريحاته المتكررة والثابتة في سياسته الغربية، ولا انخراطه في الحياة السياسية غداة انهيار الاتحاد السوفياتي وروابطه القوية برجال الأعمال وليس بجهاز الاستخبارات السابق - لا تدعو الاختصاصيين الى العودة عن وصفهم ميدفيديف بالدمية. ولم يسأل الاختصاصيون لماذا أحجم بوتين عن طلب ولاية ثالثة، وتعديل الدستور تالياً، ولم يختر خلفاً له أحد زملائه من الأجهزة. ويزعم هؤلاء أن روسيا بلد مستبد جينياً، ولم يخرج من الديكتاتورية، عن يد غورباتشيف، إلا صدفة واتفاقاً قبل أن يعود الى الجادة المعتادة والأليفة. وهذا تحامل وافتئات! والحق أن روسيا كلها، في نهاية التسعينات المنصرمة، رغبت في عودة دولة قوية تتولى تأديب الجماعات المافياوية التي سرقت ثرواتها بذريعة الخصخصة، وتنهض بحماية الأراضي الروسية، وتحول دون تفتيتها بعد أن خسرت امبراطوريتها، وخدعها الغربيون الذين تعهدوا الاقتصار على حدود"الناتو"قبيل انهيار جدار برلين ولم يلتزموا عهدهم. وغداة سنوات حكم يلتسين، شهدت روسيا تشنجاً قومياً توسلت به الردة المتسلطة التي كان فلاديمير بوتين رائدها. وعلى رغم الردة هذه، تطمح الطبقات المتوسطة المولودة من اقتصاد السوق الى نمط الحياة الغربي. وتحتاج روسيا، على طريق تلبية الطموح هذا، الى توسيع مبادلاتها الدولية وتحديثها، وليس الغرب مصدر خشيتها بل الصين والعالم الإسلامي، وهما جاراها الشرقيان القريبان، الأول على حدود سيبيريا والثاني في القوقاز وآسيا الوسطى. وديمتري ميدفيديف، شأن فلاديمير بوتين، من صلب وقائع وحقائق اجتماعية - اقتصادية وسياسية جلية وواضحة. وهو ثمرة نهوض السلطة في روسيا، اليوم، على ركني أوساط رجال الأعمال وأجهزة الأمن، وإرادتهما الاستقرار. والركنان لا يجمعان لا على مصالح واحدة ولا على ثقافة مشتركة. فالمال أي أصحاب المصالح المالية والاقتصادية أبى أن يتولى بوتين رئاسة مدى الحياة، ولم يشأ أن يخلفه زميل من جهاز الأمن نفسه. وأراد المال رجله هو بعد رجل الأجهزة، وعلاقة بالغرب مستقرة، وتقييداً للتعسف، وهو يتوقع أن تؤدي هذه الشروط الى أمنه، وإلى فتح الأسواق على مصراعيها. والسؤال الملح يتناول مصير التعاون مع روسيا، على ما هي طبقتها الحاكمة التي لا تدين بالحساب لأحد، ويعمها الفساد، وتحسم خلافات كتلها بواسطة الاغتيالات. ويميل باراك أوباما ونيكولا ساركوزي الى التعاون على رغم حال حقوق الإنسان. وهذا الرأي راجح في المنطق. فهو يتيح تطوراً مأمولاً. ويغلِّبه على جمود مكروه، أولاً. ولا غنى عن روسيا لأجل إنضاج حلول لمعظم الأزمات الساخنة، ثانياً. واستمالة أوروبا والولايات المتحدةروسيا خير من رواحها الى صف الصين، ثالثاً. والاستقرار الأوروبي دعامتاه تعاون الاتحاد الأوروبي وروسيا، رابعاً. * معلّق، عن"ليبراسيون"الفرنسية، 3 / 3 / 2010، إعداد و. ش. نشر في العدد: 17141 ت.م: 2010-03-10 ص: 28 ط: الرياض