منذ توليه منصبه في 19 آذار مارس الماضي، يحمل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب على المشهد السلفي الصاعد في مصر، وهو ما اتضح بقوة في حواره مع الأستاذ مكرم محمد أحمد في 10 تموز يوليو الماضي، الذي رأى فيه التيارات السلفية، دخيلة وغريبة على مصر، وساوى بين خطرها وبين العلمنة والماركسية والتنصير، كما سبق أن صرح فور توليه المنصب أن واحدة من مهماته مواجهة المد السلفي الصاعد في مصر. وقد استفزت تصريحات الطيب تنوعات الحالة السلفية في مصر واستنفرتها للرد، رافضة بغضب مساواتها مع أعداء الإسلام، كما اعتبرتها حرباً متوقعة على صعودها في مصر من قبل شيخ الأزهر ومفتي الديار ذي التوجهات الصوفية، وتطور السجال لحد إشاعة أن شيخ الأزهر سيطرد من جامعة الأزهر الأساتذة ذوي الميول السلفية، وهو ما نفاه الشيخ في ما بعد. لم تكن هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها شيخ الأزهر السلفيين في مصر، فقد سبق ان فعل ذلك في حواره مع قناة"العربية"الفضائية، مع الأستاذ داود الشريان، حيث وصفهم بالسفسطائيين، وتمثيلهم فكراً طارئاً لا يتجاوز عمره المئتي عام، نافياً قلقه من انتشاره في مصر"التي يسود فيها الأزهر وفكر الوسطية والاعتدال". تراكم الخلاف التاريخي بين الأزهر والدعوة السلفية عبر السنين، وكانت العلاقة في ِأغلب الأحيان علاقة تنافر منذ البداية، وقد طرد منه الطالب السعودي عبد الله القصيمي في منتصف الثلاثينات لانتقاده ورده القوي ? الذي وافقه عليه محمد رشيد رضا - على أحد علماء الأزهر في ذلك الوقت. حتى أوائل السبعينات لم يكن هناك غير شيخ سلفي واحد يدرس في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر، هو الشيخ الدكتور محمد خليل هراس ت عام 1975 وكان صاحب أول أطروحة دكتوراه حول ابن تيمية في الجامعة الأزهرية، بدأها رافضاً لابن تيمية وانتهى منها متبعاً له ومؤمناً بمنهجه، وقد تولى الشيخ هراس رئاسة جمعية أنصار السنة المحمدية، وقام بالتدريس في المملكة العربية السعودية، ويعتبره أيمن الظواهري في" التبرئة"أحد مرجعياته ومن شيوخه المباشرين، حيث كان الأخير يزوره في مسكنه حيث يقيم في محافظة الغربية بمصر بصفة مستمرة، ووافقه على طرحه"الجهادي"على ما يذكر الظواهري، كما تحول بعض من خريجي الأزهر للمنهج السلفي عن الأشعرية، وبرز نجم بعضهم بقوة في دول الخليج. لم يكن التمدد السلفي ملحوظاً في مصر قبل آواخر السبعينات من القرن العشرين، مع ما يعرف بالصحوة الإسلامية التي أعقبت هزيمة 1967، حيث توجه بعض الشباب - وبخاصة في مدينة الإسكندرية - لاتباع السلفية ومفهوم التوحيد ومنهج السلف، الذي يسعى لتطهير الاعتقاد الإسلامي من نزوعات الرأي والثيولوجيا وبعض اتجاهات التصوف. وبينما كان همّ الإخوان المسلمين والجهاديين الأوائل على السواء إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، كان هم السلفيين الرئيسي تصحيح العقيدة وتصفيتها من شوائب الشرك والبدع التي لا تستند لأصل في دين، وارتحل هؤلاء الشباب طالبين العلم لدى علماء الدعوة السلفية في السعودية ابن باز- ابن عثيمين - ربيع بن هادي المدخلي - عبد الرحمن البراك... وفي الأردن ناصر الدين الألباني واليمن مقبل بن هادي الوادعي. ولعل غيبة الجهاديين طوال عقد التسعينات في السجون وانشغال الإخوان المستمر بالعملية السياسية أتاح للسلفيين - بمختلف تنوعاتهم - تأكيد حضورهم في عدد من محافظات شمال مصر ومصر الوسطى، دون الوجه القبلي الذي لا يزال وجود الدعوة السلفية فيه ضعيفاً نظراًَ لتمكن الصوفية بشكل كبير منه، هو ما أعطى للدعوة السلفية بتياراتها المختلفة زخماً ومساحات هائلة للحركة استطاعت أن تكون عبرها القوة الأكبر والأكثر تأثيراً دينياً في عدد من المحافظات بما فيها العاصمة القاهرة، وهو ما ازداد ترسيخه في ما بعد عبر ظاهرة الفضائيات الدينية التي يملك السلفيون المساحة الأكبر من برامجها ورؤس أموالها، شأن قناة"الرحمة"وقناة"الناس"وقناة"المجد"، و"الرسالة"، و"الحكمة"، و"الفجر"، و"هدى"، و"دليل"... وغيرها. هذا فضلاً عما كان متاحاً لها من منابر ومساجد لبعض الجمعيات ذات الطابع السلفي الاجتماعي، كجماعة أنصار السنة المحمدية التي أسسها الشيخ محمد حامد الفقي 1892- 1959 عام 1926، والتي كانت سلفية التوجه منذ البداية، والجمعية الشرعية التي أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي عام 1912 على رغم اصلها الأشعري والصوفي. رفضت التيارات السلفية بمختلف توجهاتها تصريحات شيخ الأزهر في نقده للسلفية، وهو موقف معروف وثابت لدى هذه التيارات، التي تقوم على مخالفة المنهج الأشعري الأزهري في الاعتقاد والاجتهاد، منذ إرهاصات هذه الدعوة في مصر مع الشيخ محمد حامد الفقي في عشرينات القرن الماضي، كما سبق أن دخل شيوخ مدرسة الإسكندرية في مناظرة مع عدد من شيوخ الأزهر، منذ ما يزيد على العقد من الزمان، ويمكن تحديد ثلاثة أوجه للنقد يوجهها السلفيون للأزهر فيما يلي: 1- اعتماده المنهج الأشعري في العقيدة ورفضه للمنهج السلفي. 2- غلبة التوجهات الصوفية على عدد من مشايخه مثل شيخه الحالي أحمد الطيب وعدد كبير من شيوخه السابقين. 3- التسامح الجزئي من قبل بعض شيوخه تجاه الأقليات الدينية، كاعتماد الشيخ شلتوت المذهب الجعفري الشيعي مذهباً فقهياً خامساً معتمداً مع المذاهب الأربعة الأخرى، أو إفتاء شيخ الأزهر السابق سيد طنطاوي بجواز التبرع لبناء الكنائس.