وجهت الجماعة الإسلامية المصرية في 21 آذار (مارس) الماضي، وهي أسبق الجماعات الجهادية الى ما سمي بالمراجعات، بياناً الى شيخ الأزهر الجديد الدكتور أحمد الطيب، بعنوان «مرحباً بالدكتور أحمد الطيب شيخاً للأزهر» بعد يومين فقط من تعيينه في هذا المنصب الديني الكبير في 19 آذار، وذلك على رغم أن الجماعة كانت تطالب بانتخاب شيخ الأزهر الجديد، من قبل علماء الأزهر، وعدم تعيينه بقرار من رئاسة الجمهورية كما أجريت العادة منذ تموز (يوليو) من عام 1952، وقد أكدت الرسالة على أهلية الدكتور أحمد الطيب للمسؤولية الكبيرة التي تولاها، مسؤولاً عن «القيم الدينية الأكبر في العالم الإسلامي، التي تواجهها تحديات عظيمة ومهام كبيرة». كانت علاقة الجماعة الإسلامية، بشيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي ( توفى في 10 آذار 2010) غير ودية لفترات طويلة، وقد وجهت له انتقادات قوية، من قبل مختلف الإسلاميين تنظيمات وأفراداً، ورأى الكثيرون في مواقفه المختلفة، «تقزيماً وتراجعاً في دور المؤسسة الدينية الأكبر»، وقد سبق أن طالبت الجماعة بإقالته بعد قضية النقاب الشهيرة في مصر، في تشرين الأول (اكتوبر) 2009، مؤكدة على لسان أحد ممثليها أنه صدرت منه العديد من المواقف التي «لا تليق بشيخ للأزهر، ما يوجب إقالته من قبل الدولة». ورأت الجماعة في تعيين خلفه أحمد الطيب في منصب المشيخة، مؤشراً الى مرحلة جديدة «يتقدم فيها الأزهر إلى الأمام»، والى علاقة جديدة بين الأزهر والإسلاميين من جهة أخرى، وهو ما عبرت عنه رسالة الجماعة الترحيبية به، التي دعت فيها إلى مد جسور الحوار بين الأزهر وبين شباب الحركة الإسلامية، بهدف الاستفادة من إمكانات هؤلاء الشباب في خدمة البلد والدين، وأشارت الجماعة في بيانها إلى أن الدكتور الطيب كان مؤيداً لمراجعات الجماعة بعد صدورها وهو ما يعد سابقة تعارف وتآلف بين الرجل وبينها. أتت تصريحات شيخ الأزهر الجديد ملائمة للجماعة، ولسائر الإسلاميين، حيث جاءت حاسمة وقوية في مسائل شائكة، من قبيل عدم إجازته تولي قبطي منصب رئيس الجمهورية، ووعده بإعادة تدريس الفقه على المذاهب الأربعة في المرحلتين الإعدادية والثانوية بالأزهر، وصدور قرار من المجلس الأعلى للأزهر بإلغاء اختصاصات كانت ممنوحة لشيخ الأزهر السابق، مثل افتتاح وإنشاء المعاهد الأزهرية وجمع التبرعات لها، بناء على طلبه، وكذلك ترحيبه بمناقشة مسألة تعيين أو انتخاب شيخ الأزهر التي اعتبرها من أولوياته القادمة، بل لم يبدِ استياء من تولي غير مصري منصب المشيخة كما حدث في فترات سابقة، وهي قضايا كانت دائماً مثار انتقاد للأزهر. يرى عضو مجلس شورى الجماعة ناجح إبراهيم في إطار دعوته لعلاقة جديدة بين الأزهر والحركة الإسلامية، ضرورة تجاوز أخطاء سابقة وقع فيها الطرفان (الحركة الإسلامية من جهة والأزهر من جهة أخرى) حددها في ما يأتي: 1- ان الأزهر كان يركز فقط على عيوب الحركة الإسلامية وينسى مزاياها وأهميتها في دفع الدعوة الإسلامية إلى الأمام، مؤكداً أن كل الفترات التي غابت فيها الحركة الإسلامية عن الساحة كانت الدعوة في حالة موت وتشتت. 2- كان خطأ الحركة الإسلامية تركيزها كذلك على عيوب الأزهر وإغفالها مزاياه ورغبتها المتصاعدة أحياناً في تجريح علمائه. 3- ظنت الحركة الإسلامية أنها تملك الدعاة والعلماء الأقوى والأقدر على الدعوة ونقل العلم، مع أن الريادة العلمية داخلها دائماً كانت للأزهريين، أمثال القرضاوي والغزالي وعمر عبدالرحمن وغيرهم. 4- يرفض الدكتور ناجح إبراهيم موقف الدعوات السلفية خصوصاً التي لا تعترف بأي عالم من الأزهر، اذ إنها مؤسسة أشعرية وكلامية وليست سلفية المنهج بحسب هذه الدعوات، وهو ما يصفه القيادي في الجماعة الإسلامية بأنه» خطأ كبير جداً يضر الحركة السلفية ولا ينفعها»، ويذكر أن شيخ الأزهر الجديد أشعري العقيدة معتد بأشعريته كما أنه ينتمي الى طريقة وأسرة صوفية معروفة في صعيد مصر، هي الطريقة الخلوتية، وقبل توليه منصب المشيخة أكد في عدد من وسائل الإعلام على رفضه الزحف السلفي على مصر، واستيائه منه، واستعداده للمواجهة الفكرية مع من يصفهم بأدعياء السلفية ومحتكريها. على رغم أن الأزهر لم يرد على دعوة «الجماعة» رسمياً حتى اللحظة، نرى أن مشكلة هذه الدعوة هي مشكلة الأصولية والصحوية عموماً، في تصور الحركات الإسلامية للمؤسسات الدينية التاريخية، فالحركة الإسلامية تسعى لاختراق المؤسسة الدينية أو توظيفها لأهدافها من دون أن تكون تابعة لها دائماً. الحوار بين الطرفين، بحسب ناجح إبراهيم القيادي في الجماعة يشترط «عدم التدقيق في البحث عمّن يقود من؟!... وتحت راية من سنعمل؟!» وهو ما يتلاقى مع التصور الأصولي للأزهر «جسماً كبيراً لا يحسن استغلال قوته» ومن هنا كان ترحيب الإسلاميين دائماً بأية مؤسسات جديدة أو بديلة للمؤسسات التاريخية، مثل اتحاد العلماء المسلمين أو جبهة علماء الأزهر، أو خطاب نقدها الذي لم ينتهِ حتى تاريخه. وعلى رغم تحفظ منظر الجماعة على الموقف الدعوي السلفي من الأزهر، إلا أنه يتجاهل رسوخ المنهج السلفي نفسه في فكر الجماعة الإسلامية - قبل وبعد مراجعاتها - حيث خرجت الجماعة من مخاضه، وكذلك تخرج منه مراجعاتها الآن، وهو يحمل في باطنه موقفاً اتهامياً وعدائياً للمدرسة الأشعرية بالخصوص. هذه الدعوة التي بادرت اليها الجماعة الإسلامية وضمنتها ترحيبها بشيخ الأزهر الجديد، هي جزء من سعيها الى شرعية دعوية واجتماعية، بعد أن سكنت في موقعها الإلكتروني فقط، وكذلك هي انفتاح على احتمالات داعمة لمواقفها النظرية المتشددة تجاه العديد من مسائل المواطنة والدولة المدنية والحريات، على رغم النقد الذاتي الذي مارسته أو تمارسه ضد أفكار «القاعدة» منذ فترة. * كاتب مصري.