أرادت دبي بعد تحطيم الرقم القياسي عالمياً في ملامسة أقرب نقطة من السماء، أن تكمّل تحدياتها وحلمها بمهمة تتلازم مع حركة التطوير العقاري، تتمثل في تعميم ثقافة التنمية المستدامة المرتبطة في شكل وثيق معها، وما يمكن أن تنتجه على الصعد الاقتصادية والاجتماعية وتعكسه على البيئة والمناخ من حماية في حال كانت عملية البناء والتطوير منسجمة مع متطلبات الحفاظ على الموارد الطبيعية والحد من إهدارها ودعم الحملة العالمية لمكافحة التغير المناخي. ولتحقيق هذا الهدف، صمّمت الإمارة"ملتقى دبي"لينفّذ المهمة وأشركت خبراء من العالم والمنطقة العربية لصوغ أفكار واقتراحات في هذا الإطار، ويتولى تنظيم الملتقى مكتب"براند دبي"، فتزامنت النسخة الأولى منه - يُعقد كل أربعة أشهر،- مع تدشين"برج خليفة"، بالتعاون مع مؤسسة"كوبر يونيون"لتطوير العلوم والفنون مقرها نيويورك، وكان عنوانها"هندسة من أجل مجتمعات مستدامة"، برعاية نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وحضور نائب حاكم دبي الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم. واعتبرت الرئيسة التنفيذية ل"دبي براند"منى المري، أن"افتتاح"برج خليفة"الذي يعدّ أحد معالم دبي الجديدة، ويشكّل علامة بارزة يتحدث عنها المهندسون والفنيون وخبراء العمارة وطلاب الهندسة والعالم، كان شاهداً على إرادة شعب الإمارات وثمرة جهود كبيرة ورؤية ثاقبة وحكيمة جعلت من الإمارات الفتية نقطة جذب عالمية يؤمها الزوار للإطلاع على هندسة عمارتها وتصاميمها". وأشارت إلى أن الإمارات"سخرت موارد عدة لضمان استدامة المجتمع وتطوره وتنميته، إذ ُيلقي الضوء على التحديات التي نتشارك فيها جميعاً وفي كل أنحاء العالم". وأملت في أن"يبلور الملتقى مخرجات مفيدة في مجال الهندسة والتخطيط والتنمية المستدامة"، لافتة إلى"توثيقها لتتوافر للمهتمين". وأعلن رئيس مجلس إدارة شركة"إعمار"محمد العبار، أن"برج خليفة"يُضاف إلى"قائمة الإمارة الحافلة بالإنجازات"، ورأى أنه"ليس رمزاً فقط للإمارات بل للعالم العربي أيضاً". واعتبر أن هذا البرج"مثّل علامة قوية على قدرة العقل البشري على الإنجاز، ومحاولة تخطي العقبات والتعاون بين الشرائح والجنسيات لتحقيق التنمية المستدامة التي تحدث فرقاً في البيئة التي نعيش فيها". وأكد أن الشرق الأوسط"يحتاج إلى التفاؤل على رغم الأخبار السيئة من بلدان عدة مثل أفغانستان، والعراق، وفلسطين واليمن وغيرها". وشدد على أهمية"المضي قدماً في تنفيذ مشاريع تحقّق مزيداً من الرفاهية والتنمية المستدامة". وقال:"طالما توجد قيادة حكيمة وملهمة يمكن فعل الكثير وتنمية قدراتنا". واعتبر العبار أن"ال 12 ألف شخص الذين ساهموا في تشييد البرج سيفتخرون بسيرتهم الذاتية لمشاركتهم في أغنى تجربة عمرانية في العصر الحديث". وأعلن رئيس جمعية"كوبر"لتطوير الفنون والعلوم جورج كامبل، أن"برج خليفة"يمثّل"إنجازاً في تاريخ الهندسة المعمارية إذ انتهى بناؤه خلال فترة زمنية قصيرة، ويمثل شرفاً كبيراً لناطحات السحاب في العالم". ولم يغفل كامبل التطورات الجديدة الكثيرة في دبي،"بما يوحي بالتفاؤل والأمل والإلهام عندما تجوب هذه المدينة الفريدة". ورأى أن"برج خليفة"يشكل"نجاحاً للروح الإنسانية، لأن الهندسة المعمارية تؤثر على حياتنا وتجسد تعبيراً عن الإنسان وطموحاته والفرص المتاحة في الحياة البشرية". ونقل المستشار الخاص السابق في البيت الأبيض لاني جيه ديفيس رسالة وجهتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى المشاركين في الملتقى، أشادت فيها بجهود الشيخ محمد في السعي إلى محاولة التعاون الدولي في الاقتصاد والتنمية المستدامة". وطغت على مداخلات المشاركين في الملتقى الذي تناول في الجلسة الأولى،"العمارة والمجتمعات المستدامة"التي أدارها نائب رئيس كليات التقنية العليا في الإمارات طيب كمالي، إشادة بالمستوى المعماري المتقدم والراقي المعتمد على فكر التنمية المستدامة الذي أرساه"برج خليفة". وحدّد الشريك في مؤسسة"سكيدمور أوينغز آند ميرل"جورج افستاثيو، كبير المهندسين المعماريين في"برج خليفة"، ثلاثة أمور"يجب على المعماريين الاهتمام بها، هي الكثافة السكانية، والارتباط بالتقاليد والممارسات المتعلقة بالهندسة المعمارية، والاستدامة". ورأى أن البرج"يختصر كل التفاصيل في عالم المعمار بما يشمل المولدات والتصاميم والجدران، مع الأخذ في الاعتبار العمل على تأمين الطاقة". واعتبر ديفيس، أن دبي"ترتبط بالإبداع واستقطاب عيون ملايين البشر للبرج الذي يعد قصة رائعة في ظل الضغط الاقتصادي في أميركا ومختلف مناطق العالم، إذ يمكن العالم النظر إلى قصة دبي والتعلم منها"، مشيراً إلى أن هذه المدينة"واجهت عقبات لكنها ظلت تحتفظ بالأمل". وأكد أن دبي"تحاول تأمين فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة وإعطاء الأمل للأشخاص من كل الجنسيات والخلفيات". ولفت مدير"هابسيتوس لبنان"نديم كرم، إلى أن دبي"عبرت عن ذاتها من خلال أفكار إبداعية خاصة، ولديها الجرأة الكافية التي لا توجد لدى أي مدينة أخرى في العالم". وأعلن أن دبي"مدينة تحب التحدي والديناميكية والسرعة". وأكد ضرورة أن"تعطي دبي أولوية في المرحلة المقبلة لموضوع الترابط والهوية". تبني المستقبل وأشار المطور المعماري رئيس مجموعة"هاشو باكستان"صدر الدين حشواني، إلى أن دبي"تبني لمستقبل مستدام وتسعى إلى ازدهار المنطقة كلها، وهي تعد ملهماً وحافزاً لبلدان تواجه مشاكل متنوعة، حيث تتعلم منها البلدان كيف تبني للأجيال والمجتمعات الجديدة". ومن الهند لفتت كوهيليكا كوهلي، الحاصلة على جائزة العام للمهندسين المعماريين الشباب، إلى أن"عدد سكان العالم يبلغ 6.8 بليون نسمة، 70 في المئة منهم يعيشون في القرى". وأشارت إلى محاولات ل"إعادة صياغة مبدأ المعمار والسعي إلى تنمية المجتمعات، ما يساهم في تخفيف الضغط على الشعوب". وأكدت أن التنمية المستدامة"عملية مهمة من دون تعريض الأجيال للخطر، من ضمن محاولاتها للتركيز على الطاقة بتدابير معينة". ومن الكويت اعتبر المؤسس المدير الشريك للمكتب العربي للاستشارات الهندسية صباح الريس، أن"ما يستحق أن يبقى من الأبنية التي يبنيها العالم يقدر ب10 في المئة، تنطبق عليها معايير الاستدامة، والبقية لا تتناسب مع وجودها". وأشار إلى أن دبيوالكويت وقطر"أمثلة يحتذى بها في هذا المجال". وشدّد على أن"لكل جيل حقاً في التاريخ، ليترك بصمةً خاصة به من دون أن يضطر إلى نسخ تجارب الماضي، وهذا هو الإبداع". ورأى أن"برج خليفة"يمثل"أحد هذه الأمثلة على بصمة الجيل الحالي على الزمن". وتمحورت جلسات بعد الظهر حول الهندسة وقوى الطبيعة، مركزة على مشكلة التغير المناخي، والهندسة من منظور إعلامي، عن دور النقد المعماري والمسؤولية الإعلامية وتأثير الإعلام في توجهات العمارة المعاصرة، والهندسة المعمارية والتطور العمراني السريع، مسلطة الضوء على الكثافة السكانية والمدن الكبيرة والهجرة والفرص الاقتصادية والاجتماعية والتطوير العمراني في المناطق الفقيرة حيث يقيم بليون نسمة في العشوائيات. واختُتمت المناقشات بمحور"الهندسة المعمارية والاستدامة الثقافية". نشر في العدد: 17078 ت.م: 06-01-2010 ص: 24 ط: الرياض