واحد يحتسي فنجان قهوة، وآخر يتناول كوباً من الشاي، وثالث ينشغل بتدخين نرجيلة. شبان وفتيات يتبادلون الحديث في زاوية أخرى، فيما ينشغل بعضهم بمتابعة إحدى المباريات الرياضية المهمة التي يبثها التلفزيون، هذه هي الصورة النمطية لغالبية مقاهي العاصمة الأردنيةعمان التي لم تتغير كثيراً منذ ظهور المقاهي في الأردن. لكنك إذا مررت بمنطقة جبل عمانالشرقية في قلب عمان القديمة سترى صورة مغايرة تماماً: مكتبة وقراء يتصفحون الكتب، مجلات، عازفين، موسيقى هادئة، وانترنت. إنه مقهى من طراز آخر تجاوز المفهوم التقليدي للمقهى ليكون بمثابة ملتقى ثقافي يحمل اسم "بوكس آت كافيه". ولعل أول ما يجذبك قبل دخولك"بوكس آت كافيه"الطابع الخاص للمبنى القديم الذي شيد عليه المكان بتصاميم بسيطة وديكورات تتلاءم مع روح هذا المقهى الذي حرص صاحبه مدين الجزيرة على تنفيذ ديكوراته بطريقة فنية وجمالية لا تخلو من إبداع. فهو مهندس معماري أراد أن يعكس مشروعه" بوكس آت كافيه"جزءاً من إحساسه الشخصي ورؤيته للمستقبل مع الحفاظ على عراقة الماضي. الماضي، التاريخ والعراقة ثلاث كلمات وجهت أنظار مدين الذي عاش وترعرع في أميركا لتنفيذ فكرة مشروعه نحو منطقة مثل جبل عمان وتحديداً الدور الأول الذي تتفرد منازله القديمة وحاراته بطابع خاص يعبق برائحة الماضي. فكرة مقهى" بوكس آت كافيه"لم تأتِ من فراغ يقول مدين. ويشرح:"في أحد الأيام كنت أتمشى في هذه المنطقة فوقعت عيناي على مبنى قديم يحيط به سور مرتفع علقت عليه لافتة تقول للايجار فلم أصدق ما رأيته لدرجة أنني قفزت من على السور لأرى ما هو هذا المكان فوجدت مبنى يكاد يكون خربة وهو مكون من بيتين متلاصقين فقلت هذا هو المكان الذي سأنفذ فيه مشروعاً حلمت بتنفيذه منذ عودتي من أميركا"لافتاً إلى أن" الموقع مميز وفريد يمتزج فيه الماضي بملامح الحاضر". وهذا تحديداً ما فعله مدين اذ مزج الحداثة والتكنولوجيا مع تقاليد المقهى وافتتح"بوكس آت كافيه"ليكون أول مقهى في الأردن يعد مركزاً للثقافة والحوار والإبداع والتأمل بالإضافة إلى كونه أول مقهى أتاح لرواده الاتصال مع العالم عبر وسائل الاتصال التكنولوجية عبر الانترنت. إلا أن أكثر ما يميز" بوكس آت كافيه"الطبقة الأولى فيه وهي عبارة عن مكتبة تضم عدداً كبيراً من الكتب بمختلف الموضوعات الأدبية، والتاريخية، والسياسية، والاجتماعية والثقافية إضافة إلى الصحف والمجلات باللغتين العربية والإنكليزية. وعن فكرة هذه المكتبة يشير مدين إلى أنه حين أتى إلى عمان في بداية التسعينات لاحظ أن القراءة مقتصرة على الطبقة الراقية فقط والكتب الإنكليزية للنخبة فقط، هذا ما دفعه إلى إقامة مكتبة ودمجها في المقهى حتى يتسنى لجميع الناس من مختلف الشرائح الاجتماعية القراءة. ولم يغب عن مدين تعذر شراء الكتب بين كثير من القراء والمهتمين في عمان لأسباب اقتصادية لذلك حرص على توفير جميع أنواع الكتب في مكتبته، ليس فقط الجديدة منها، بل المستعملة أيضاً والقديمة جداً وبيعها بأسعار زهيدة من أجل التشجيع على القراءة. ولاقت هذه الفكرة ترحيباً كبيراً كما أنها حققت ما كان يرنو اليه مدين"أن تكون القراءة متاحة للجميع". "بوكس آت كافيه"مقهى ينفرد عن بقية المقاهي في الأردن، ليس فقط بسبب مكتبته، بل بسبب ما يقام فيه من دورات تثقيفية تعنى بشؤون البيئة كالتدوير وإعادة التصنيع وغيرها من الحلقات التعليمية كما يتم عرض أفلام وثائقية حول مختلف القضايا التي تهم المجتمع مرة كل أسبوع. ويحتضن"بوكس آت كافيه"الكثير من المبدعين الشباب الذين لا يملكون الإمكانات المادية الكافية لنشر مواهبهم في المعارض أو دور الفن، لذا خصصت جدران المقهى للوحات الرسامين الشباب وأعمالهم الفنية. كما يشجع صاحب المقهى هواة العزف والغناء عبر تخصيص أمسيات فنية أسبوعية لهم يعزفون فيها ألحانهم ويغنون كلماتهم. ويؤكد مدين أن هناك فرقاً موسيقية أردنية تكونت وتشكلت من خلال"بوكس آت كافيه"في الوقت الذي كانت فيه كثير من المراكز الثقافية ترفض احتضان المواهب الشابة المبتدئة. وفي الوقت الذي يدعم فيه"بوكس آت كافيه"فئة الشباب ويشجعها، فهو أيضاً يجمع على شرفته المطلة على قاع عمان القديمة أطفالاً وفتيات وشباباً وسيدات ورجال أعمال باختلاف ميولهم وتنوع اهتماماتهم توحدهم الرغبة في الاستمتاع بوقتهم في جو كله الفة وتواصل. نشر في العدد: 17076 ت.م: 04-01-2010 ص: 25 ط: الرياض