انتقى شاب من رفّ الكتب الطويل مجموعة مسرحيات بيكيت وسيرة كين ليفينغستون المرشح لرئاسة بلدية مدينة لندن، ثم اتجه الى مقهى في اقصى القاعة يطلب فنجان قهوة… في الجهة الثانية جلست امرأة وفتاة على كنبة حمراء تتصفحان مجلة وجريدة، امامهما خزانة زجاجية فيها اقلام ومفكّرات وقطع اخرى لها علاقة بالكتابة. ليس المكان نادياً ثقافياً او متجراً للهدايا والازياء. انه اكبر مكتبة في اوروبا. يبدو كأن الناس تركوا شارع بيكاديلي لزيارة فرع مكتبة "واترستونز" الذي افتتح اول من امس في هذا الشارع. كانت هناك مجموعة من الكتّاب المرموقين، وفرقة تعزف الجاز ومطعم فاخر مزدحم… هذا وجه المكتبة البريطانية الجديدة… ثورة هادئة تهدف كما قالت المديرة ليسا ميلتون الى رعاية الزبائن في جو مريح، أنيق وراق، وايجابي. فالمكتبة البريطانية تخوض معركة البقاء: اختيار بين التطور أو الانقراض. هناك طبعاً التهديد الذي تشكله الالكترونيات لكل ما هو مكتوب. ولكن هناك ايضاً الشركات الاميركية التي بدأت تزحف على ارض المكتبات البريطانية، ومعها جاءت فكرة او تصميم "المكتبة السوبرماركت". "واترستونز" الكبرى احتلت بناية "سمبسون" التي كانت متجراً شهيراً للثياب لتواجه مكتبة "بوكس ايتسيترا" التي تملكها شركة "بوردرز" وهي متسعة ومريحة، من ثلاث طبقات، وتحتوي كذلك على مقهى ومطعم. وكانت الشركة بدأت هذا التنافس عندما فتحت قبل عام تقريباً فرعاً في شارع اوكسفورد ستريت، بجانب متاجر الثياب الكبرى، للكتب والفيديو والموسيقى. وفي نهاية هذا الشهر ستدشن مركزاً رئيسياً في "تشارينغ كروس" شارع المكتبات. وهذا التنافس لا يقتصر على لندن وحدها بل يتعداه الى مدن اخرى مثل اوكسفورد وادنبره. تقاوم البريطانية "واترستونز" زحف الاميركية "بوردرز" بتأسيس اماكن اوسع، وبتقديم خدمات افضل قد يستغرب لها الناس الذين اعتادوا على مكتبات ضيّقة ومكتظة ومعتمة. يخاف المرء من جاذبية فرع "واترستونز" في البيكاديلي، فقد يقضي معظم اوقات الفراغ في المكتبة… انها بمثابة ناد ثقافي غير معلن عنه: خمس طبقات مرصوفة بالكتب من انحاء العالم: "هناك ايضاً فرع للبحث عن الكتب النادرة او التي انتهت طبعاتها لمساعدة الزبائن على العثور عليها"، كما تحتوي المكتبة على محل للهدايا وصالة للراحة واللقاء ومطعمين: "سوف تقدم المكتبة برنامجاً ثقافياً يحاضر فيه الكتّاب عن موضوعات مؤلفاتهم الجديدة، مع امسيات شعرية وموسيقية". منذ أسست هذه المكتبة فرعها الاول في العام 1982 وهي تحدث تجديداً في تصميم الامكنة. ويعود نجاحها الى الاسلوب والى موظفين يحبون الكتب. الاحصاءات التي نشرتها مجلة متخصصة تشير الى ارتفاع مبيعات الكتب هذه السنة على الرغم من هجمة التلفزيون والانترنت، كما ان بعض انواع المؤلفات، وخصوصاً من نوع المنوعات، تتجاوز مبيعاته مليون جنيه. قبل ان أترك المكتبة مررت بقسم خاص بالانترنت، حيث اصطفّت اجهزة الكومبيوتر يستخدمها زبائن… انها طريقة اخرى لمواجهة منافسة الانترنت في بيع الكتب بتوفير الشبكة نفسها للمتردديين على المكتبة.