25/1/2010الاثنين : مهاجرون 90 ضحية في الطائرة الأثيوبية التي تحطمت بعد إقلاعها من مطار بيروت، والبحث جارٍ عمن تبقى من الضحايا والحطام. وفقد اللبنانيون 54 رجلاً وامرأة وطفلاً في الكارثة التي شغلت الدولة والرأي العام عن خطب التعصب والتحامل والتجييش المجاني. لم تكن الجمهورية قد وُلدت في 10 نيسان ابريل 1912 حين اصطدمت الباخرة"تايتانيك"أثناء رحلتها من بريطانيا الى الولاياتالمتحدة بجبل جليد وغرقت. كان لبنان في ما يشبه الحكم الذاتي داخل السلطنة العثمانية يحاول أهله الوصول به الى كيان سياسي مستقل. على متن"تايتانيك"2201 راكب نجا منهم 711، ومن بين الضحايا 85 لبنانياً على الأقل متجهين الى كنداوالولاياتالمتحدة تاركين قراهم في مناطق البترون وجبيل وزغرتا وعكار والمتن وعاليه وفي الجنوب بنت جبيل وتبنين وصفد البطيخ وفي البقاع بلدة الفاكهة وقرى في البقاع الغربي وكان بينهم عدد من سكان بيروت. وصنّف لبنان الدولة الثالثة المنكوبة في غرق تايتانيك 85 ضحية بعد الولاياتالمتحدة 230 ضحية وبريطانيا 185، تليه السويد 80 ضحية وإرلندا 70 ضحية. مع ذلك لم يدرج جيمس كاميرون في فيلمه عن"تايتانيك"أي رقصة أو إيقاع موسيقي للركاب اللبنانيين فيما أعطى مساحة لرقصات أوروبية شرقية كان أصحابها أقلية ضئيلة. وهذا دليل نقص في إعداد السيناريو والإخراج... نقص على الأقل. الهجرة قدر اللبنانيين والخلاف يكثر حول أسبابها، لكن الوضع الاقتصادي لا ينكره أحد، فمنذ"تايتانيك"وما قبلها وحتى الطائرة الأثيوبية وما يليها، هناك لبنانيون يبحثون عن الرزق في أرض الله الواسعة التي تضيق، يعود قليل منهم الى الوطن وتبقى الأكثرية في أوطانها الجديدة. هي مأساة أكثر من كونها مغامرة، ومجال لكتابة تراجيدية أكثر من موضع فخر بهذا الاسم أو ذاك من الأعلام ذوي الأصل اللبناني. ومن التعليقات حول جرح الهجرة الساخن اليوم في لبنان، هذا المقطع للمؤرخ والكاتب السياسي فواز طرابلسي، من مقال نشره قبل أيام لمناسبة تحطم الطائرة الأثيوبية: "لم يتحول الاقتصاد اللبناني من اقتصاد منتج الى اقتصاد ريعي بفعل الطبيعة ولا تلبية لروح المغامرة ولا قضت به عوامل نفسية ولا ضربات القضاء والقدر. بل كان من صنع طبقة من المستوردين والمصرفيين والوسطاء حولته الى اقتصاد تجارة وخدمات ووساطة مالية وخدمية، وهي قطاعات لا تستوعب إلا الحدود الدنيا من النمو السكاني ومن الوافدين الى سوق العمل، ما دفع ويدفع الباقين الى الهجرة. في زمن ما، كانت تحويلات المهاجرين تكفي لتأمين توازن ميزان المدفوعات وموازنة الدولة. لكن الآن، على الرغم من ان 40 في المئة من القوة العاملة اللبنانية موظفة في الخارج، فإن تحويلات المغتربين الى لبنان بالكاد تكفي للتعويض عن تحويلات العمالة الوافدة المحولة الى خارج البلاد. ولقد كان تجاور عاملات اثيوبيات يعملن في لبنان ومغتربين لبنانيين ذاهبين الى أفريقيا أو عائدين منها، في الطائرة الفاجعة، ذا دلالة رمزية على جدل تصدير الشباب اللبناني واستيراد العمالة الوافدة. بهذا المعنى، لبنان بلد فقير. ليس لأن الثلث من سكانه يعيش تحت خط الفقر، ولا لأنه ينتمي الى نادي الدول ذات المديونية الأعلى في العالم. لبنان فقير بالقياس الى ما يتمتع به أغنياؤه من ثروات، وخصوصاً بالقياس الى الحجم الفلكي من عشرات البلايين من الدولارات المودعة في مصارفه. ... وليس من المبالغة ان يقال إن هذا الفائض من السيولة هو المسؤول الأول عن تهجير اللبنانيين. لا حاجة للحديث عن وقف الهجرة هنا. يكفي الحديث عن الحد من النزف والسيطرة عليه". الأربعاء 27/1/2010: حرب مؤبدة ذكرت الإذاعة الجزائرية اليوم أن الجيش دمر خلال عام 2009 وحده 78357 لغماً مضاداً للأفراد تعود الى عهد الاستعمار الفرنسي، وأشارت الى ان السلطات الاستعمارية زرعت في الفترة ما بين 1956 و1959 حوالى 11 مليون لغم مضاد للأفراد على طول الحدود مع المغرب وتونس. منذ الاستقلال عام 1962 لم تنجز الجزائر تنظيف ترابها الوطني من الألغام، بل إن الجمعيات العالمية المعنية تنشط في غير بلد لنزع الألغام ولم تحقق هدفها الى اليوم. رسائل الموت باقية تحت التراب، وربما تحت زهرة جميلة تهم بقطفها فيقتلك اللغم أو يقطع أطرافك. كأنّ الحرب مؤبدة، تبدأ ولا تنتهي. عكس السلام، فهو يتحقق وما يلبث أن يزول لأسباب معظمها تافه لا يستحق حرباً. ألغام الحرب باقية في العواطف المتسرعة والجهل الدافئ والمصالح الضيقة والنفوس المريضة وفي شهوة السلطة الراغبة بخلود وهمي على موت الآخرين. يشتهي الإنسان الموت في حين يعلن يومياً رغبة الحياة. الخميس 28/1/2010: وحدنا - ليست لنا هذه الأشجار بألوانها الخريفية الحائرة ولا تشبه وجوهنا ذات اللون الواحد. أشجار بظلالها الحارة، ملاجئ من البرد. والظلال هذه لا نألفها، نعود الى بلادنا حيث النخلة بلا ظل. - ليس لنا هذا الصديق مزجناه بأحلام الطفولة وعشنا معه هوس الشباب وحسرات الشيخوخة. كنا معه وما كان معنا، وقد انفصل هارباً. يلتقيه غيرنا، يمزجه بتاريخه، ينصبه فم الذهب وسيد المنابر، لكنه يهرب مجدداً تاركاً ذلك الكلام لأهله يسبحون فيه حتى الغرق. - وحدنا لا صديق لنا مشاريع جثث في تاريخنا المعلّب، والآخرون هناك قرب أشجارهم الملونة والكلام الخصيب. الجمعة 29/1/2010: يهود الرواية تحتل الشخصية اليهودية موقعاً بارزاً في الروايات الروسية والأوروبية والأميركية، ويعود ذلك الى اسباب كثيرة منها مرافقة اليهود نهضة المدينة الأوروبية وانفجارات الحداثة، وأن شخصية اليهودية اقلوية تناسب الرواية باعتبارها انتخاباً فنياً أقلوياً، وأن لليهودي غرابة تضعه في موقع وسط بين الواقع والخيال وبين الحقيقة والوهم. وفي إطار الصراع العربي - الإسرائيلي الممتد، حضرت الشخصية اليهودية في روايتنا وإن لم تتخط تابو العدو، على رغم استثناءات من بينها"اليهودي الحالي"لليمني علي المقري ورواية"قصر شمعايا"الصادرة حديثاً للفلسطيني المقيم في دمشق علي الكردي الذي قال للصحافة:"هناك مسائل في غاية الحساسية مثل موضوع هوية اليهود العرب، وفي إطار هذه العلاقات المعقدة هناك جوانب إنسانية". رواية علي الكردي من تجربته الشخصية، هو المولود في قصر في حي اليهود في دمشق هجره أهله عائلة شمعايا أفندي الذي بنى القصر في عام 1885، فأسكنت فيه الحكومة السورية عائلات لاجئة من فلسطين. لم يكن اليهود السوريون أتموا رحيلهم فدرس بطل الرواية في مدرستهم الإليانس وعايش أو تخيل علاقات وقصص حب. حضور اليهودي في الرواية العربية عادة لا يماثل حضوره في"قصر شمعايا"إنما هو، عموماً، نمطي سلبي في سياق قصص أو استطرادات داخل روايات، بحيث يصعب جمع مادة أولية تكفي لبحث"الشخصية اليهودية في الرواية العربية الحديثة". في الجهة المقابلة، نوعان من الرواية: النضالية الصهيونية التي تقدم العربي بنمطية سلبية، ورواية اليهود العرب الذين كتبوا بالعبرية أعمالاً من الذاكرة ومشاعر الحنين. وبين النوعين روايات تهمش العربي فيبدو عابراً في المشهد قد لا يقف ولا يتكلم. من الروايات العبرية التي تتناول المدينة العربية:"وداعاً بغداد"لإيلي عمير العراقي وپ"الجالسة في الجنات"لحاييم عزار اليمني وپ"صيف الاسكندرية"لإيزاك غارمازانو المصري وپ"سيفرا وأولاده"لميشال عزار السوري، وهي وغيرها لا تخلو من نظرة سلبية الى إسرائيل ومن لفتة إيجابية الى المدن العربية في عصر التعايش الذي صار جزءاً من الماضي ومادة للحنين. ونشير في مجال الشخصية اليهودية في القصة والرواية العربيتين الى مجموعة قصص لإحسان عبدالقدوس نشرها في جريدة"اخبار اليوم"خلال عامي 1974 و1975 على الأرجح لم تجمع في كتاب، ومنها قصة بطلها من الضباط الأحرار يعمل في مجال الاستيراد والتصدير وخلال عمله يعقد صفقات جيدة في أوروبا مع سيدة. لم يكن يعرف ديانتها وأصلها، فلما علم أنها يهودية مصرية مهاجرة استدرك متأملاً في الموقف، وانتهى الى القرار بمواصلة التعامل مع السيدة. فهل تكون القصة إرهاصاً بالسلام المصري - الإسرائيلي، وهل يكون الإرهاص سبباً في عدم صدور قصص إحسان عبدالقدوس هذه في كتاب؟ نشر في العدد: 17102 ت.م: 30-01-2010 ص: 29 ط: الرياض