في بداية القرن الحادي والعشرين، ظهر اقتصاد جديد هو اقتصاد المعرفة الذي يعتمد اساساً على ابتكار المعلومات ونشرها واستثمارها، يشكل 60 في المئة من الاقتصاد العالمي. فهو يعتبر المصدر الاساس للقيمة المضافة للمنتج والعامل في نمو الاقتصاد، وأصبح محركاً قوياً للتحولات الاقتصادية والاجتماعية لأنه قائم على المزج بين النظام الاقتصادي والاجتماعي المعاصر، وبين التجربة العالمية الناجحة مع الخبرة الوطنية لتوفير منتجات ذات قيمة، واعداد افراد مؤهلين. ونشير هنا الى أن اقتصاد المعرفة يملك ميزات أهمها، نشر المعرفة التي يحتاج اليها كل امة ناهضة، وحفز الحس المعرفي لديها، وانتاجها بكفاءة وتوظيفها في كل نشاط مجتمعي. وتحويل النشاط الاقتصادي من انتاج السلع الى انتاج الخدمات المعرفية والمعلوماتية. اضافة الى المساعدة في تسريع وتيرة التطور التقني العالي والذي يعتبر ان المعلومات والمعرفة هي اهم السلع في المجتمع. لا شك في ان هناك علاقة تبادلية بين البنى الاقتصادية والاجتماعية، وان المعرفة تؤثر ايجاباً او سلباً على حال التنمية الاقتصادية. فكلما ارتفعت درجة المعرفة تحققت مستويات تنمية بشرية عالية وبالعكس. ولا بد، من اجل وجود اقتصاد المعرفة، من العمل على تنظيم وحدات الاقتصاد الكلي لإدخال اقتصاد المعرفة في مختلف نشاطاته في المجتمع، في سبيل انشاء بيئة ملائمة تضمن توليد المعرفة ونشرها وتوظيفها والاستفادة منها، وتوطين العلم وبناء قدرة ذاتية في البحث والتطوير في كل النشاطات المجتمعية التي تساعد على تحويل الافكار الى اعمال ابتكارية وابداعية في مجال الاستثمار في المعلومات المعرفية. وعلى هذا الاساس، يحاول الكثير من الدول التقدم نحو اقتصاد المعرفة لاستعمالها في رفع الانتاجية وابتكار سلع وخدمات جديدة. ولا شك في ان بعض الدول العربية في امس الحاجة الى بناء مجتمع معرفة حقيقي بخاصة في وجود امكانات لتطوير مقدرتها المعرفية. لا يمكن أي بلد الاستفادة من الميزات والفوائد التي يقدمها اقتصاد المعرفة والحصول على معرفة متميزة، الا من خلال تحقيق بعض الأمور الضرورية ومعالجتها والعناية بها، اهمها: - معالجة الاختلالات الهيكلية في بنية الاقتصاد المحلي واستغلال رأس المال البشري الذي لم يستغل بعد، واعطاء الأهمية الكبرى لعنصر المعرفة من خلال توزيع العلم والمعرفة والخدمات بين الطبقات المختلفة في المجتمع ونشر الوعي لدى للفرد والمؤسسة. - تحقيق مبدأ التواصل مع المراكز العالمية للتحول نحو نمط انتاج المعرفة في البنية الاجتماعية والاقتصادية، والاستفادة من الخبرات الدولية في هذا المجال، لأنه امر ضروري لتشجيع الاستثمار في بنية المعرفة على المستوى الوطني والعربي والعالمي بالتعاون مع الجهات المحلية والاقليمية والدولية ذات العلاقة والاختصاص. تكوين الكوادر العلمية من خلال التعاون مع الجامعات ومراكز البحوث في البلدان المتقدمة معرفياً، والاهتمام بإشراك القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني في تقديم الدراسات الاستشارية اللازمة من اجل الاسهام في تفعيل التحول الى مجتمع المعرفة والاستجابة للمستجدات محلياً ودولياً، والعمل على استغلال الطاقات الانتاجية بصفة افضل. - تصحيح تنفيذ السياسات والاستراتيجيات الحكومية ومراقبتها، ووضع آليات لمراقبة مدى انجاز السياسات والاستراتيجيات الموضوعة. - توفير فرص الابتكار في القطاعات المستندة الى تكنولوجيا المعلومات لتعزيز الانتاجية وتوفير الموارد ورفع مستوى التفاعل لتلبية الحاجات الآنية والمستقبلية لدفع عجلة التنمية وتحسين نوعية المعيشة. يذكر ان في بعض الدول العربية الكثير من الاسباب التي تعيق انشاء مجتمع المعرفة على اسس سليمة، منها صعوبة انتشار التعامل مع التقنيات الحديثة بالامكانات المادية والثقافية المحدودة، ونقص الوسائل اللازمة للربط بين المعرفة والانتاج والتنمية، والحاجة الى كوادر مدربة في الحكومة للتعامل مع التقنيات الحديثة، اضافة الى وجود اختلالات هيكلية في بنية الاقتصاد المحلي. بناء على ما سبق، يمكن القول ان المعرفة تشكل مدخلاً لعمليات الاصلاح والتنمية الانسانية المتكاملة. فلا بد من التركيز على اهمية مواكبة التطورات الاقتصادية والتقنية في كل بلد والشراكة بين الدولة والمجتمع المدني لتأسيس نموذج معرفي عام منفتح، والعمل على تطوير القيم المعرفية المعاصرة واقامة شراكات بين المؤسسات المعرفية العاملة في مختلف النشاطات لتكاملها وتفعيل تأثيرها المشترك واسهامها في تحقيق التنمية البشرية الشاملة. ولا شك في ان مساهمة كل قطاعات المجتمع المدني ومؤسساته تسرّ وتيرة الوصول الى تحقيق التكامل مع كل القطاعات المعرفية لضمان مستقبل الاجيال المقبلة، لأن لا مستقبل وتنمية لوطن من دون تنمية اقتصاد المعرفة بين مؤسساته الرسمية والخاصة. * رجل اعمال