جامعو القمامة في الصين يجمعون النفايات الالكترونية ويقايضونها بحفنة نقود تمهيداً لاعادة تدويرها بشكل غير مشروع. ونحو 75 $ من نفايات التكنولوجيا المتقدمة ترسل الى الصين لتستخرج منها العناصر الثمينة بطرق لا تراعي البيئة وصحة الانسان التنقل مرهق في بيجينغ، خصوصاً للذين لم يعتادوا الحشود الكبيرة. محطات المترو ومواقف الحافلات والممرات الموصلة اليها تفيض بالناس المتنقلين في أنحاء العاصمة الصينية. لكن هذه الجموع تكاد لا تترك أثراً في الشوارع النظيفة بشكل لافت، مقارنة بسمعة بيجينغ في العالم الموصومة بالوساخة، فهي خالية من القمامة المتناثرة والسبب ليس أن سكانها هم أكثر وعياً بيئياً، وإنما وجود جهاز رسمي فعال جداً لجمع النفايات، صمد بفضل وفرة اليد العاملة الرخيصة. ويعاون هذا الجهاز ألوف من الجامعين"غير الرسميين"، معظمهم رجال مسنّون يجوبون الشوارع على دراجات ثلاثية العجلات بحثاً عن نفايات تصلح للتدوير. فيجمعون كل ما تقع عليه أيديهم، من علب المرطبات الفارغة الى الصحف اليومية، وينقلونها الى نقاط تجميع حيث يقايضونها بحفنة نقود. ولكن ثمة أهمية خاصة لجمع النفايات الالكترونية، التي تدر مدفوعات أعلى لاحتوائها على مواد ثمينة مثل الذهب والنحاس. إلا أن تدويرها ينطوي على تحديات، لأن الأجزاء المختلفة للأجهزة الالكترونية تحوي تشكيلة من المواد السامة كالرصاص والزئبق. وعندما يعاد تدوير النفايات الالكترونية بطريقة غير مأمونة، فقد تلحق أضراراً بالغة بالبيئة وصحة الانسان. والمؤسف أن التدوير المأمون لهذه النفايات هو أكثر كلفة، مما أدى الى ازدهار صناعة تدوير غير مشروعة لا تكترث بالمعايير البيئية. تصدير الأذى غويو بلدة صغيرة في اقليم غوانغدونغ الشرقي، اكتسبت سمعة عالمية سيئة بصفتها أكبر مركز على الأرض لتدوير النفايات الالكترونية بشكل غير مشروع. وقد تم توثيق الظروف المقلقة لهذا التدوير في غويو للمرة الأولى عام 2001 في تقرير وفيلم وثائقي بعنوان"تصدير الأذى"، أنتجتهما شبكة عمل بازل BAN وهي منظمة تعنى بتجارة المواد السامة. ونشرت جامعة شانتو المجاورة للبلدة مجموعة من التقارير تشير الى محتوى رصاصي عال في دماء المواليد الجدد في غويو، وارتفاع معدلات الاجهاض، ووجود ديوكسينات مسببة للسرطان في الهواء. قد يبدو للوهلة الأولى أن المجتمع الصيني والسلطات الصينية مسؤولة عن فوضى النفايات الالكترونية، لكن الوضع هو أكثر تعقيداً. والواقع أن عدة عوامل مهمة تدحض فكرة أن الملامة كلها تقع على الصين. أولاً، الصين تتفوق على كثير من الدول المتقدمة بنظامها الفعال وإنما غير الرسمي لجمع النفايات، وبكثافة اعادة استعمال المواد. النفايات الالكترونية في البلدان الغربية غالباً ما تنتهي في المطامر، ما يشكل ضغطاً على البيئة لاحتمال ارتشاح السوائل السامة وازدياد استخراج المواد الأولية. وتفيد احصاءات وكالة حماية البيئة الأميركية أن 18 في المئة فقط من أجهزة التلفزيون والكومبيوتر المهملة عام 2007 في الولاياتالمتحدة تم جمعها لاعادة تدويرها. وكانت النسبة أقل للهواتف الخلوية اذ لم تتجاوز 10 في المئة. ثانياً، تصدت السلطات الصينية لمشكلة النفايات الالكترونية بانشاء مرافق تدوير واقامة نقاط تجميع رسمية. لكن هذه المبادرات لم تحقق نجاحاً كبيراً. وقد أفاد مدير المكتب الرسمي لجمع النفايات الالكترونية في منطقة هايديان، وهي أهم مركز لشراء السلع الالكترونية في بيجينغ، بأن مرافق التدوير الرسمية تعمل أقل من قدرتها بكثير. فهذا المكتب، على سبيل المثال، يجمع فقط نحو ألف جهاز كومبيوتر سنوياً، معظمها من مدارس ومؤسسات رسمية. ويظهر تباين حاد في منطقة باجيا كون، المحطة الأولى لقطاع التدوير غير الرسمي في بيجينغ. منطقة الأكواخ هذه هي بمثابة مدينة نفايات مفعمة بالنشاط، فهناك حي الكرتون، وميدان القناني البلاستيكية، وزقاق أجهزة التلفزيون، وساحة شاشات الكومبيوتر. إن وجود صناعة تدوير غير رسمية حسنة التنظيم يقوّض جهود السلطات الصينية، التي لا يمكنها تقديم أسعار تنافسية للنفايات الالكترونية بسبب ارتفاع تكاليف التدوير المأمون. ثالثاً، والأكثر دلالة، أن الجزء الأكبر من النفايات الالكترونية يأتي من خارج الصين، على رغم حظر استيرادها منذ عام 2000. فالمخلفات الالكترونية هي المصدر الأسرع نمواً للنفايات في البلدان المتقدمة، والنزعة الى حياة أقصر للمنتجات الالكترونية لا تبشر بأي تحسن. وحين لا تنتهي النفايات الالكترونية في المطامر، تميل البلدان الغربية لتصديرها الى البلدان النامية، حيث يتم تفكيكها بنفقات زهيدة مع اهتمام لا يذكر بالبيئة وصحة الانسان. وقدر تقرير صدر عام 2002 عن شبكة عمل بازل والتحالف ضد السموم في سيليكون فالي بولاية كاليفورنيا الأميركية أن 80 في المئة من نفايات التكنولوجيا المتقدمة في العالم تصدر الى آسيا، يذهب 90 في المئة منها الى الصين. وهذه الكميات الكبيرة غير المشروعة تعزز ازدهار قطاع التدوير غير الرسمي وتشكل تحديات رئيسية للسطات الصينية. طبعاً، بالاضافة الى هذه العوامل، هناك بعض العيوب في طريقة تعامل الصينيين مع النفايات الالكترونية. فتطبيق القانون مشكلة رئيسية للسلطة المركزية، والفساد ما زال مستشرياً على نطاق واسع. وتشير مصادر مختلفة الى عرف يقضي بإلصاق أوراق نقدية من فئة 100 دولار داخل مؤخرة مستوعبات الشحن المملوءة بالنفايات الالكترونية لرشوة عناصر الجمارك الصينيين. تدوير مسؤول؟ على رغم البعد العالمي للمشكلة، فان المجتمع الدولي ما زال متقاعساً. والاتفاقية الدولية الأكثر مقاربة لتنظيم النفايات الالكترونية هي اتفاقية بازل، التي يديرها برنامج الأممالمتحدة للبيئة والمختصة بحركة النفايات الخطرة ونفايات أخرى عبر الحدود. ولكن ينقص هذه الاتفاقية تفويض بالتصدي الجدي والحازم لمشكلة النفايات الالكترونية. وثمة التباس حول ما إذا كانت هذه النفايات مشمولة في اتفاقية بازل أم لا، وهذا ناتج جزئياً من عدم وجود تعريف متفق عليه دولياً للنفايات الالكترونية. اضافة الى ذلك، فان المنتج الأكبر للنفايات الالكترونية، أي الولاياتالمتحدة، لم يصادق على اتفاقية بازل، ما يجعلها ضعيفة النفوذ. وكبديل من ذلك، وضعت الولاياتالمتحدة مجموعة خطوط توجيهية ونظام ترخيص لحث مدوِّري الالكترونيات على ممارسات التدوير المسؤول. وبموجب هذه الممارسات، يخضع مدوِّر الالكترونيات في الصين للأنظمة الأميركية، وعليه أن يتقيد بمعاييرها للحصول على ترخيص بأنه مدور مسؤول. ومع أن الخطوط التوجيهية للتدوير المسؤول هي حتى الآن طوعية، فهناك ضغط على شركات التدوير، باعتبار أن الشركات التي تحوز رخصة التدوير المسؤول تتفوق على منافساتها من حيث السمعة في قطاع الأعمال. ولكن هل يشكل ذلك قوة دفع كافية تغني عن سن القوانين؟ ذلك مرهون الى حد كبير بسلوك منتج الالكترونيات، وفي النهاية بسلوك المستهلك. فعندما يهتم المستهلكون بمنتج إلكتروني"أخضر"، يحذو المنتجون حذوهم ويصنعون منتجات تحوي كمية أقل من المواد السامة، ويسهل تدويرها، وتستعمل فيها مواد أعيد تدويرها بطريقة مسؤولة. عندها تكون الغلبة لنظم التسويق والتقييم البيئي للمنتجات الالكترونية. ففي عام 1992، استحدثت الحكومة الأميركية برنامج"نجمة الطاقة"الذي بات الآن مقياساً دولياً للمنتجات الالكترونية المقتصدة بالطاقة. وطورت برنامجاً مماثلاً يدعى"أداة التقييم البيئي للمنتجات الالكترونية"يستخدم مقاربة أكثر شمولية"من المهد الى اللحد"ويقيِّم ما مجموعه 23 معياراً بيئياً لترخيص المنتجات الالكترونية. وهو يضم معايير مكثفة ل"نهاية الحياة"، لكنه لا يتمتع حتى الآن بميزات التسويق والقبول التي يتميز بها برنامج"نجمة الطاقة". والعالم ما زال يفتقر الى برنامج دولي لتقييم البيئي يشمل تقييم النفايات الألكترونية وكامل دورة حياة المنتجات الالكترونية. * تنشر هذه المواضيع بالتزامن مع مجلة"البيئة والتنمية"عدد أيلول / سبتمبر 2009 نشر في العدد: 16953 ت.م: 03-09-2009 ص: 32 ط: الرياض