وقعت القناة الأولى التلفزيونية الروسية من جديد في خطأ فبركة الوقائع وتزييفها. فهي عرضت فيلماً وثائقياً في مناسبة ذكرى الحرب مع جورجيا السنوية الاولى أرادت به فضح أكاذيب وسائل الاعلام الغربية. وفي العام الماضي، كالت القنوات التلفزيونية الروسية القدح الى مراسل قناة"فوكس"الاميركية لنقله أخبار دمار قرى جورجية. ولكن القناة الاولى أعادت عرض شريط"فوكس"نفسه. ونقلت لغة التعليق على الشريط من الاميركية الى الروسية، وزعمت أن صور القرى الجورجية المحترقة هي قرى أوسيتية جنوبية. وهذا فصل جديد من فصول أكاذيب الدولة. ولكن التزوير لم يبعث الاعتراض في الرأي العالم. ولم يستوقف الشريط المزور سوى بعض الصحافيين. ويبدو أن الجمهور قرر قبول أكاذيب الدولة والخضوع لها. وإثر انقضاض السلطات على محطة"ان تي في"الحرّة، واستيلائها على وسيلتين اعلاميتين مستقلتين، استوقفتني الردود على ما حصل. فالانتهاك الاول كان في مثابة مأساة وكارثة. ولكن الناس استقبلت الانتهاكات الاخرى الكثيرة على أنها"ظروف طبيعيّة"ترافق شروق الشمس. والسبات الروسي العقلي في العقد الأخير هو من ثمار إتلاف الحكومة جهاز المجتمع العصبي، أي وسائل الإعلام الحرة. وخير دليل على السبات هذا هو موقف الناس المتفرج على حادثة"كورسك"، وعلى أزمة الرهائن في مسرح"نورد أوست"، ومدرسة"بيسلان". وفي الحوادث هذه كانت حصيلة القتلى مرتفعة. وأثرت حادثة"كورسك"في نظام فلاديمير بوتين، الحديث العهد يومها. ونقلت محطة"ان تي في"المستقلة تفاصيل الحادثة. ففرضت الحكومة الروسية قيوداً على الحريات الاعلامية، ودشنت حقبة الأكاذيب العامة. وبعد أربعة أعوام من"كورسك"والاخبار المفبركة، رفع إطلاق دبابات القوات الاتحادية النار على الأطفال الرهائن في بيسلان شعبية بوتين. فالجمهور في غيبوبة. واليوم، في وسع السلطة أن تفعل ما تشاء وهي مطمئنة الى سكوت من قد يحاسبها. ولسان حال منتديات"القناة الأولى"على الانترنت هو ترديد:"وماذا في تزوير الحكومة الوقائع؟ دعك من المعترضين... كأنهم لا يزيفون الحقائق هناك في الغرب". ولا شك في أن الوضع في الغرب ليس مثالياً. ولكن ضمير الرأي العام حي. ويعود الفضل في فضح أخبار غوانتانامو الى صحافيين أميركيين. ولفظ البريطانيون نواباً فاسدين من مجلس اللوردات البريطاني. ولكننا نؤيد السلطة العمودية في روسيا، ونعزز قبضتها.پفلو بثت"سي أن أن"الاميركية تقريراً مفبركاً على ما فعلت"القناة الأولى"، لاضطرت الشبكة الى الاعتذار من الجمهور وطلب صفحه. ولكن"القناة الاولى"لا تحتاج الى الاعتذار امام المذعنين للتزوير الحكومي. * صحافي، عن موقع"نوفوي فريميا"الالكتروني الروسي، 24/8/2009، إعداد علي شرف الدين نشر في العدد: 16952 ت.م: 02-09-2009 ص: 25 ط: الرياض